التدريب الموسيقي لذوي الإعاقة.. ثراء بالتجربة وشفاء للحواس

خليل وحسام من ذوي الإعاقة أثناء تلقيهما للتدريبات الموسيقية- (من المصدر)
خليل وحسام من ذوي الإعاقة أثناء تلقيهما للتدريبات الموسيقية- (من المصدر)

ريم زايد

عمان- حينما لاحظت أم حسام موهبة طفلها من ذوي الإعاقة البصرية عبر تكراره لأي معزوفة تحاكي مسامعه، وكان وقتها بعمر السنتين؛ اكتشفت أن لديه امكانيات كبيرة وباستطاعتها تطوير مهاراته نحو الأفضل.

اضافة اعلان


تسرد أم حسام تجربة ابنها في تعلم العزف على البيانو، إذ اشترت لطفلها “أورغ”، ولم تدرك أن هذه الترانيم العشوائية التي يطرقها طفلها بشكل يومي على هذه الآلة البلاستيكية هي موسيقا منظومة بإبداع وحرفية.


المدرسة استشعرت قدرة وموهبة طالبها حسام بسماعه لأي معزوفة ومحاولة تكرارها، وقررت والدته ارساله في الثانوية العامة لمعهد موسيقي تعليمي لتدرك أن ابنها متقن للعزف على آلة البيانو بحسب شهادة المختصين في المركز.


ترى والدة حسام أن مرض “العظم الرخامي” الذي يعيش معه ابنها حسام أبو خضرة منذ ولادته، لما له من حساسية على العظام وسهولة تكسرها، منع ابنها من الخروج بكثرة واختلاطه مع الناس، مما أضعف قدرته على التواصل، وهذا ما عالجته الموسيقا فيه، من خلال ذهابه لعزف الموسيقا في المعهد وصقل شخصيته مع أقرانه من الطلبة. ويرى حسام أن آلة “البيانو” عالماً يهيم فيه عند عزفه لأحد مقطوعاته الكلاسيكية.


ووفقاً لموقع ويب طب، فإن مرض “تصخر العظام” هو مرض عظمي يتسبب في زيادة كثافة العظام، ويُمكن أن يؤدي هذا المرض إلى كسر العظام بسهولة.

التردد الموسيقي “الوقع الأقوى”

“كل تردد موسيقي سمعه وطرقه خليل كان يبعث النبض بعيونه قبل قلبه”، تقول أم خليل عن طفلها من ذوي الإعاقة البصرية أن عزفه على آلة الطبلة كان له أثر كبير في انفصاله عن واقعه بكثير من الأوقات، حيث هذا الصوت القوي طرقه منذ نعومة أظفاره بقوّة على كل أواني البيت دون أن تعلم والدته أنه طفل موهوب.


لم يدخل معهد لتعليم الآلات الموسيقية، وكرّس وقته لتعلم الإيقاعات على الطبلة إلى جانب دراسته في المدرسة، وساعدته الإيقاعات على زيادة التركيز. وتضيف بلسان خليل “الطبلة آلة مشبعة بالصوت وتبعث في أرجاء جسد طفلها شعوراً بالقوة”، اكتشفت موهبته في رحلة مدرسية بالصدفة، وفي السادسة عشر من عمره ثم توجهت لجعل موهبته زخمة مُمارسة بقوّة في أحد معاهد عمان، المختصة بتعليم الموسيقا للأشخاص من ذوي الإعاقة البصرية بلغة برايل.


ووفقاً للعديد من الدراسات، فإن الموسيقا لها تأثير كبير على تقليل التوتر والقلق، وتحسين جودة النوم، معالجة الأمراض العقلية، وتطوير الإدراك المعرفي.


في دراسة أجريت قبل عامين للجامعة الأردنية بعنوان “ممارسات علاجية باستخدام الموسيقا لبعض الأمراض النفسية والإعاقات الجسدية”، فإن العلاج بالموسيقا يعتبر أحد الأساليب التحليلية في العلاج النفسي، والذي يؤدي دور فعال “غير لفظي” في معالجة الأمراض العصبية بشكل خاص. وأيضا، يعد محفزاً للتواصل عن طريق محاكاة استخدام الجسد في الإيقاع، فإن الموسيقا بميزتها غير اللفظية تقلل من حدة التأثير الانفعالي على فئات الأشخاص الذين يعانون من أي اضطرابات في السلوك، واعتبرت وسيلة مساندة لضبط مستوى انفعالاتهم.


تلك اللغة الموسيقية التي تبث بالقلب شعوراً من اللهفة التي لا يشبعها عطش العزف بجلسة أو اثنتين، فبحسب الموسيقي المختص بتعليم الغناء للأطفال من ذوي الإعاقة المغيرة عياد، فإن هذه اللغة العالمية المشتركة، لها المقدرة على تعزيز الأداء الحركي للطفل من ذوي الإعاقة وتقوية النطق عنده.


رنة الحرف “وظيفة الموسيقا”

رنين الحرف وبعد المسافات بالجملة الكلامية، عدا عن أنها عنصر جاذب تقوّمه الموسيقا في لغة الطفل؛ كما يقول عيّاد، إذ إن تأثير الموسيقا من وجهة نظره على الشخص من ذوي الإعاقة. ويقول إن “جميع أنواع الإعاقات تستجيب للرنين الصوتي والتردد التي تصدره أوتار العود أو إيقاع الطبلة بشرط أن يكن تصنيف الإعاقة خفيفة أو متوسطة”.


ويؤكد عيّاد أبرز المعيقات في إكساب الأطفال من ذوي الإعاقة تدريبات موسيقية، تكمن في الأبعاد النفسية للأطفال أنفسهم كدرجة الخوف والوحدة والتمرد لديهم أو صعوبة تواصلهم مع أقرانهم في المجتمع، وأيضاً البيئة المحيطة الموفرة من قبل الأهل كتجاهل موهبة أبنائهم أو قلة الوعي في استثمارها، موضحاً أن هذه الضغوط تُكشف من خلال “ترددات” الموسيقا، التي يعبر فيها الشخص من ذوي الإعاقة عن مكنونه النفسي ومشاعره الغزيرة بلغة مسموعة.


أثر قوي تتركه الموسيقا على الفص الأيمن من الدماغ، والأشخاص الصم يعلمهم عياد عن طريق الالآت الإيقاعية كالطبلة، حيث يمسك يدهم بالعود الوتري ليشعرون بالاهتزاز.


ويضيف عيّاد أن تعليم ميكانيك الآلة صعبة على بعض الأشخاص من ذوي الإعاقة، بسبب الاختلالات العصبية لديهم، لافتا الى أن الإيقاعات تكسبهم مهارة فصل الحواس، وتعزيز نطق مخارج الحروف باللغة العربية من خلال تعليم الموشحات وبمختلف الإيقاعات الموسيقية.


عادات قديمة.. خلّدها العلم بقوّة

الاختصاصي النفسي حسن الصباريني، يقول إن العلاج والتعليم بالموسيقا هي ممارسات قديمة أطلقها “الكندي والفارابي وابن سينا” وهم أول من أدخل مفهوم العلاج بالموسيقا في العصور القديمة إلى يومنا هذا.


ويشرح الأثر الإيجابي للعلاج بالموسيقا على الأشخاص ذوي الإعاقة، وأن حدة الإعاقة تختلف مع استخدام الموسيقا وتعتبر مساندة للعلاج وليست أساساً فيه، وأنها قادرة على تنمية مهارات التواصل لدى الشخص من خلال العمل الجماعي، ومن يعاني من إعاقة حركية فهي كفيلة أن تساعده على الحركة والتفاعل.


الموسيقا تساعد ذوي الإعاقة على تمييز الأصوات بدرجة كبيرة، ومساعدة الكفيف على التمييز بين الألوان، وتبعث شعور من الراحة النفسية والتفاعل مع الآخرين والخروج من الوحدة والعزلة، ولها أثر فعال على زيادة تركيز ومنع التشتت.

 

اقرأ المزيد: