الدفاع المدني ومقاصد الشريعة

د. أحمد ياسين القرالة

للدفاع المدني مكانة خاصة في نفسي فهو الجهاز الذي خدم فيه والدي رحمه الله سنين طويلة وأفنى زهرة شبابه ما بين إطفاء حريق وإنقاذ غريق أو إسعاف جريح، وهو المؤسسة التي تفتح وعيي على الدنيا وأنا أراها تقدم الخدمات المجانية العظيمة للمواطنين، يخاطر أفرادها بحياتهم فيتجشمون الصعاب ويتحملون قسوة الظروف ويسهرون الليالي الطويلة نجدةً للأردنيين وحمايةً لممتلكاتهم.اضافة اعلان
ولعل ما يدفعني للكتابة عن الدِّفاع المدني فضلاً عما سبق هو أن هذا الجهاز منسي لا يتذكره الناس إلا عند الكوارث والمصائب، عندها يفزعون إليه يستنجدونه ويستغيثون به، فيجدونه بعون الله أملاً يخفف ألماً وبلسماً يداوي جراحاً.
وتزداد الضغوط على الدفاع المدني في الظروف الاستثنائية غير الطبيعية كالمنخفضات الجوية التي تنقطع فيها السُّبل وتتعطل معها الطرق وتشح بها الموارد، فتكون الحاجة إليه أشدَّ بما يملكه من آليات مؤهلة وكوادر بشرية مدربة قادرة على التعامل مع هذه الظروف.
لذا كان من العدل مع هذا الجهاز والوفاء له أن نتذكره في الظروف الطبيعية ونقدم له الشكر والثناء ونشيد بأهميته ودوره في تقديم الحماية المدنية للمجتمعات، والإشادة بمدى التطور والحرفية التي وصل إليها.
أجد من الواجب عليَّ الثناء على هذا الجهاز خاصةً وأنه يعمل على المحافظة على مقاصد الشريعة في حفظ النفس الإنسانية وحمايتها ودفع الأضرار والأخطار عنها، من خلال عمليات الإسعاف والإنقاذ ومكافحة الحرائق وعمليات التثقيف ونشر والوعي بين المواطنين وتحديد مواصفات الأبنية وقواعد السلامة العامة، وهو عمل بلا شك عظيم يستحق فاعله أعظم الثواب وأجزل الثناء لقوله تعالى:" وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً" وإحياؤها يكون بحمايتها ووقايتها من الخطر وإنقاذها من الهلاك، ولا شك أن الدفاع المدني يقوم بهذه المهمة ويتولى هذه المسؤولية.
ونظراً لكون المال عصب الحياة وصنو النفس لا تستقيم حياة الناس إلا به؛ لذا كانت المحافظة عليه أحد مقاصد الشريعة الضرورية، وللدفاع المدني دور وقائي وآخر علاجي في تحقيق هذا المقصد الشرعي، فهو يعمل على المحافظة على أموال الناس وحماية ممتلكاتهم المنقولة وغير المنقولة وذلك من خلال مكافحة الحرائق والتقليل من آثارها والحد من أضرارها وتوجيه الناس نحو قواعد السلامة العامة والوعي الوقائي من الحرائق.
ليس كافياً منا تقديم الشكر والثناء لهذا الجهاز بل علينا التعاون معه ومساعدته بتحقيق عناصر الوقاية ابتداءً والتقيد بقواعد السلامة العامة والاستجابة لتوجيهاته، والابتعاد عن الاتكالية والانتهازية في الاستفادة من خدماته بتوفير طاقاته وقدراته للمحتاجين الحقيقيين لها، والتخلص من الفضول وحب الاستطلاع المَرَضي الذي يعيقه عن القيام بمهامه الإسعافية والإغاثية بسلاسة ومرونة، والابتعاد عن التجمهر حوله أو التدخل في أعماله وإفساح الطريق لمركباته وآلياته ليؤدي مهمته بأسرع الأوقات وأقل الخسائر والكُلف.