العولمة تردُّ

بينيت كوهين وجيري غرينفيلد، مؤسسا شركة "بن آند جيري" - (أرشيفية)
بينيت كوهين وجيري غرينفيلد، مؤسسا شركة "بن آند جيري" - (أرشيفية)

ريتشارد ن. هاس* - (مجلس العلاقات الخارجية) 26/7/2021
ترجمة: علاء الدين أبو زينة

اضافة اعلان

يُظهر الوباء المستمر والكوارث العالمية المتصلة بالمناخ عدم كفاية الجهود المبذولة لمعالجة الجوانب الإشكالية للعولمة. يجب علينا الإسراع في تطوير وتنظيم التقنيات الجديدة التي تعِد بإزالة ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي أو عكس ضوء الشمس بعيدا عن الأرض. وليست مثل هذه الاستجابات المحتملة لتغير المناخ غير مثبتة أو مثيرة للجدل. ولكن، إذا كان الفشل الجماعي في التعامل مع "كوفيد 19" يمكن أن يكون مؤشرا، فمن الأفضل أن نكون مستعدين للنظر في هذه الاستجابات عاجلا وليس آجلا. ليس ثمة مهرب من العولمة. والسؤال الوحيد هو ما إذا كنا سنختار إدارتها وكيف نقوم بذلك.

  • * *
    انطبع صيف العام 2021 إلى حد كبير بجائحة "كوفيد 19" المستمرة وتغير المناخ المتسارع. وكلاهما من تجليات العولمة وواقع عالم يتسم باطراد بالتدفقات الهائلة والسريعة عبر الحدود لكل شيء تقريبا، من السلع والخدمات ورأس المال، إلى البيانات والإرهابيين والأمراض.
    ثمة القليل في الوقت الحاضر مما يمكن أن يبقى محليا لفترة طويلة. لم يبق فيروس كورونا القاتل الذي ظهر لأول مرة في ووهان الصينية هناك، وغازات الدفيئات المنبعثة من أي مكان تدفئ الغلاف الجوي والمحيطات في كل مكان.
    وتُظهر هاتان الأزمتان القصور المؤسف للجهود المبذولة لمعالجة الجوانب الإشكالية للعولمة. وقد أظهر ما يسمى بالمجتمع الدولي مرة أخرى أنه كل شيء سوى أن يكون مجتمعا. الآن، تقل إمداد لقاحات "كوفيد 19" بمليارات الجرعات عن المطلوب. وبالمثل، تعاني الأموال اللازمة لدفع تكاليف التحصين العالمي من عجز بمليارات الدولارات. وتضع الحكومات مصلحة بلدانها أولاً، على الرغم من ظهور المتغيرات سريعة الانتشار من الفيروس بين السكان غير الملقحين في أماكن أخرى والتي لا تبالي مطلقاً بالحدود السياسية.
    نتيجة لذلك، ما يزال الوباء يشكل تهديدا شديدا. ويُقال إن عدد القتلى في العالم قد تجاوز حتى الآن أربعة ملايين، لكن الرقم الحقيقي أعلى بعدة مرات، ويرجع ذلك في بعض الحالات إلى أنظمة الإبلاغ المعيبة، والتخفيض المتعمد للأعداد المُعلن عنها الذي يمارسه القادة الشعبويون في البرازيل والهند والمجر وروسيا وأماكن أخرى. والعواقب الاقتصادية كبيرة بالمثل، حيث تشير التقديرات إلى أن الوباء أدى إلى انخفاض الناتج المحلي الإجمالي العالمي بأكثر من 3 في المائة. وقد وقع ما يقرب من 100 مليون شخص في العالم في براثن الفقر المدقع. كما تصاعدت بقوة معدلات عدم المساواة بين البلدان وداخلها.
    لعل ما يجعل هذه التطورات أكثر إحباطًا هو أننا نعرف ما يجب فعله حيال "كوفيد 19" ونمتلك الوسائل للقيام بذلك. ثمة العديد من اللقاحات الآمنة والفعالة بطريقة استثنائية. وما يتبقى هو زيادة الإنتاج من هذه اللقاحات لتلبية الطلب العالمي.
    وفي بعض البلدان، مثل الولايات المتحدة، ما يجب فعله هو العكس: زيادة الطلب لتلبية العرض الكبير المتاح. وقد انتشرت بشكل خطير ظاهرة التردد في أخذ اللقاحات، والتي تغذيها السياسات الحزبية، أو المعلومات المضللة التي يتم تداولها على وسائل التواصل الاجتماعي وفي برامج التلفاز والمذياع. وإذا ما تم استكمال التطعيم بتدابير الصحة العامة المعروفة لإبطاء انتشار المرض –مثل ارتداء أقنعة الوجه، والتباعد الاجتماعي، والاختبار الدقيق والمتوفر بسهولة للكشف عن الإصابات، وتتبع المخالطين، والحجر الصحي- فسيكون هناك عدد أقل بكثير من الإصابات وستصبح الحالات أقل خطورة، وسيتلاشي الوباء كما نعرفه.
    وصلت آثار الأزمة الأخرى، تغير المناخ، في وقت أقرب بكثير مما توقعه الكثيرون. لسنوات، كان الاتجاه هو تأجيل أي استجابة منسقة للتهديد الذي يشكله تغير المناخ، على الرغم من الأدلة الواضحة والمتنامية على ارتفاع درجة حرارة الكوكب. وكما هو الحال في كثير من الأحيان، فإن المستعجل والملح يزاحم المهم ويقصيه. لكن صيف العام 2021 يظهر أن تغير المناخ مهم وعاجل هو الآخر.
    وآثار التغير المناخي كثيرة. في الولايات المتحدة، تخرج حرائق الغابات في الغرب عن نطاق السيطرة مع ارتفاع درجات الحرارة، وقد غطى الضباب الدخاني مساحات شاسعة من البلاد. وتشهد أوروبا والصين فيضانات عارمة. وفي إفريقيا وأميركا اللاتينية والشرق الأوسط، هناك علامات على قدوم فترات جفاف مطولة. وكانت الخسائر في الأرواح نتيجة لهذه الظواهر متواضعة نسبيا، لكنها يمكن أن تزداد. وسوف تتصاعد الآثار الاقتصادية بالمثل أيضا. كما يتزايد عدد الأشخاص الذين يُهجرون داخليا أو يُجبرون على الهجرة إلى الخارج بشكل حاد بينما تصبح مساحات شاسعة من الأراضي غير ملائمة للحياة البشرية.
    هناك الكثير من الحديث حول كيفية إبطاء تغير المناخ أو إيقافه، ولكن الأمر لا يتعدى ذلك في معظم الأحيان. وسوف يواصل مؤتمر الأمم المتحدة المعني بتغير المناخ (COP26) الذي سيعقد في غلاسكو في تشرين الثاني (نوفمبر) التأكيد على إقرار نهج تقدم بموجبه البلدان الفردية التزامات طوعية بخفض انبعاثاتها.
    وهذا مهم، لكن من الواضح أن العديد من البلدان تركز بشكل أكبر على النمو الاقتصادي بأي ثمن، وهي غير قادرة على -أو غير راغبة في تبني مسارات للطاقة يكون من شأنها أن تقلل بشكل ملموس من مساهمتها في تغير المناخ. ويبقى أن نرى ما إذا كانت هناك إرادة لتبني التعريفات التي ترفع أسعار السلع المصنوعة في المصانع التي تعمل على الفحم، أو لفرض عقوبات على الحكومات التي ترفض وقف تدمير الغابات المطيرة التي تمتص ثاني أكسيد الكربون. كما يجب تحديد ما إذا كانت البلدان الأكثر ثراءً مستعدة لتوفير الأموال والتقنيات التي تحتاجها البلدان الفقيرة للتحول إلى مزيج طاقة أكثر اخضرارًا.
    في الوقت نفسه، يظل التركيز على إبطاء معدل تغير المناخ، مهما كان ضروريا، غير كاف. فقد حدث بالفعل قدر كبير من تغير المناخ، وسوف يحدث المزيد بغض النظر عما يتقرر فعله في غلاسكو. وستكون هناك حاجة أيضًا إلى بذل جهود للتكيف مع الآثار الحالية أو الحتمية لتغير المناخ، لجعل المدن والمناطق الريفية على حد سواء أكثر قدرة على تحمل الحرارة المنتشرة وحرائق الغابات التي تستهلك مساحات مترامية الأطراف، وزيادة تواتر العواصف والفيضانات، والمزيد من موجات الجفاف الشديد. ولن يقل الصمود أهمية عن الوقاية.
    أخيرًا، يجب علينا الإسراع في تطوير وتنظيم التقنيات الجديدة التي تعِد بإزالة ثاني أكسيد الكربون من الغلاف الجوي أو عكس ضوء الشمس بعيدًا عن الأرض. وليست مثل هذه الاستجابات المحتملة لتغير المناخ غير مثبتة أو مثيرة للجدل. ولكن، إذا كان الفشل الجماعي في التعامل مع "كوفيد-19" يمكن أن يكون مؤشرًا، فمن الأفضل أن نكون مستعدين للنظر في هذه الاستجابات عاجلاً وليس آجلاً. ليس ثمة مهرب من العولمة. والسؤال الوحيد هو ما إذا كنا سنختار إدارتها وكيف نقوم بذلك.

*Richard Haass: رئيس مجلس العلاقات الخارجية، شغل سابقًا منصب مدير تخطيط السياسات في وزارة الخارجية الأميركية (2001-2003)، وكان المبعوث الخاص للرئيس جورج دبليو بوش إلى أيرلندا الشمالية ومنسق مستقبل أفغانستان. وهو مؤلف للعديد من الكتب، أحدثها هو "العالم: مقدمة موجزة"، (مطبعة بنغوين، 2020).
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Globalization Strikes Back