المواطن بين مطرقة الحكومة ومافيا الأدوية

يبدو أن جماعات أو مصالح الضغط تصول وتجول في هذا الوطن، بلا حسيب أو رقيب، فبعد أن فرض أصحاب البنوك رأيهم بخصوص ضريبة الدخل على أرباح البنوك.. يواجه المواطن جماعات أخرى، ولكن هذه المرة تخص الدواء الأردني، الذي يجزم الجميع بأن معظم أصنافه مرتفعة الثمن مقارنة بدول أخرى، منها مجاورة.اضافة اعلان
وكالعادة الحكومة، بأذرعها المعنية، جاهزة للسيناريو المُعتاد، حيث قامت بتشكيل لجنة لدراسة واقع أسعار الدواء في الأردن، ولكن ما يُميز تلك اللجنة هذه المرة، بأنه تم تحديد موعد لها لا يتجاوز إجازة عيد الفطر، حتى تخرج بنتائج، وعدت الحكومة، على لسان مسؤولين فيها، بتنفيذها.
المواطن ينتظر أن تنصفه لجنة حكومية واحدة، ولو من باب "فش الغل"، فهو يعقد الأمل على أن تقوم اللجنة بإجراءات أو قرارات من شأنها الإسهام بتخفيض أسعار الدواء، يعود بالإيجاب والنفع على المواطن الذي بدأ يئن وبصوت عال جراء ارتفاع أسعار الأدوية.
من حق المواطن، أن يضمن توفير دواء له ولأفراد أسرته، إن لم يكن بالمجان على الأقل بأسعار رمزية، خصوصًا أنه أصبح يستدين لسداد فاتورة تعليم أو تشخيص طبي لأحد أبنائه، ولن نبالغ عندما نقول أنه قد يقترض من أجل تأمين طعام وخبز عائلته.
ماذا يمنع إعفاء الأدوية من الضريبة العامة على المبيعات، والبالغة 4 بالمائة لتصبح نسبتها صفرا بالمائة.. وللعلم فقط كانت هذه توصية لجنة الاقتصاد والاستثمار النيابية، أوصت بها يوم الثلاثاء الماضي خلال اجتماع عقدته مع الجهات المعنية من حكومة ونقابة الصيادلة وأصحاب شركات ومستودعات أدوية، خُصص لمناقشة مراجعة أسعار الدواء الأردني.
إن "البونص" الذي يُمنح للصيدليات عند شرائها أدوية من شركات ومستودعات أدوية، هو حق لهم، لا يستطيع أحد إنكاره.. ولكن ماذا يمنع من إصدار نظام يحد من هذه العملية "البونص"، وبالأخص إذا ما علمنا بأن بعض الأدوية يُحتسب عليها ضعف الكمية، فمثلًا يتم منح صيدلية عند شرائها مائة علبة دواء نحو مائتي علبة كـ"بونص"!
يُلاحظ من حجم "البونص" الممنوح للصيدليات، كم هو هامش الربح الذي يتحصلون عليه، فهو إن لم يكن كفيلا بحل مشكلة ارتفاع أسعار الدواء، يساهم بتخفيضها نوعا ما.
لماذا لا يتم إعداد دراسة حول موضوع "البونص"، تعود بالنفع على جميع الأطراف؟، رغم عدم وجود نص قانوني بمنع ذلك.
لا أحد يُنكر فضل أصحاب مستودعات الأدوية في جعل الدواء الأردني يُضاهي الدواء الأجنبي.. لكن بالمقابل كان الأفضل بهم لو يقوموا بإعادة النظر بنسبة الأرباح، البالغة 45 % موزعة ما بين 19 بالمائة لصالح مستودعات الأدوية و26 بالمائة.. فلا أحد يملك الحق في أن يمنع شركة ما أو مستودعا معينا من تحقيق أرباح، لكن بشكل معقول ومناسب بلا تغول على المواطن.
ضرورة أصبحت، وفي الوقت الحالي بالتحديد، عمل دراسة حقيقية واقعية لتحديد هامش الربح لشركات الأدوية الصانعة، وإقرار تسعيرة تراعي مصالح المواطن وقدرته الشرائية، فعندما يتم تخفيض سعر دواء ما من 26 دينارا إلى 14 دينارا، فهذا يفرض عمل دراسة وإعادة النظر بأسعار الأدوية جميعها، وبالأخص تلك باهظة الثمن.
هناك شركات ومستودعات أدوية تقوم بتحمل تكاليف تجهيزات عيادات لبعض الأطباء وكذلك تكاليف سفراتهم إلى خارج البلاد كـ"امتيازات" تُمنح لهم مقابل التركيز على دواء معين، وتكلفة ذلك يتحملها في النهاية المواطن، مع أنه بالإمكان أن تنعكس إيجابا على المواطن، وتخفيض سعر الدواء، في حال تم التعامل معها بطريقة صحيحة.
إن الدفاع عن المواطن والانحياز لمصالحه وحماية المستهلك، واجب وطني وضرورة تفرضها كل القيم والأخلاق والقوانين والأعراف، إذ يتوجب على الدولة أن يكون همها الوحيد هو التخفيف على المواطن.
قطاع الدواء الأردني، الذي يُشكل ركيزة للاقتصاد الوطني ووصل إلى 50 دولة في العالم، وكغيره من معظم القطاعات، يشوبه اختلالات بحاجة إلى مراجعة مستمرة.