حرب نصر الله في سورية قد تغرق لبنان

حسن نصر الله يلقي كلمته عبر الشاشة في ذكرى انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان - (أرشيفية)
حسن نصر الله يلقي كلمته عبر الشاشة في ذكرى انسحاب إسرائيل من جنوب لبنان - (أرشيفية)

روبرت فيسك –
(الإندبندنت) 26/5/2013
ترجمة: علاء الدين أبو زينة
لقد عبر السيد حسن نصر الله نقطة اللاعودة فعلاً.اضافة اعلان
زعيم حزب الله الذي قال قبل 13 عاماً بالضبط إن حركة مقاومته لن تقدم أبداً على عبور الحدود الإسرائيلية -لأنه من واجب الفلسطينيين "تحرير" القدس- أعلن أخيراً أنه عبر الحدود السورية فعلاً. وليس ذلك فحسب، فقد قال نصر الله في مطلع الأسبوع إنه سوف يقاتل "إلى النهاية" من أجل حماية نظام الرئيس بشار الأسد. وقال إن حزب الله يدخل "مرحلة جديدة تماماً"، ويمكنه أن يقول ذلك مرة أخرى.
كنت أقف على سطح أحد المنازل في بلدة بنت جبيل اللبنانية الجنوبية عندما سمعت ذلك الوعد من نصر الله قبل كل تلك السنوات. لن يتقدم حزب الله خطوة إلى داخل فلسطين. وقد تنفسنا الصعداء جميعاً آنذاك. فما الذي حدث؟ في تلك الأيام، ظهر نصر الله بشخصه ولحمه ودمه وهو يقف وسط مقاتليه المعجبين وأسرهم. لكنه أصبح يعيش الآن في الخفاء. فهل ثمة رؤية من داخل النفق هي التي قيد العمل؟ وقال إنه يتلقى رسائل من أسر تتوسل إليه السماح لأبنائها بالقتال في سورية. فهل تكون هذه رؤية تابوتية، أيضاً؟
كان ما حدث، بطبيعة الحال، أمراً حتمياً لا مفر منه. وفي الشهر الماضي فقط، اكتشفتُ رجال حزب الله وهم "يحمون" مسجد السيدة زينب في جنوب دمشق. وقال لي واحد منهم، رجل صاحب روح ودودة كان قد علق صورة لنصر الله وأخرى للمرشد الإيراني الأعلى علي خامنئي على جدار مكتبه: "لا تقل أنك رأيتني هنا،" وقال إنه جاء من بلدة بنت جبيل اللبنانية الجنوبية نفسها.
وبعد ذلك بيومين، اعترف مسؤولو حزب الله بأن رجالهم يقومون بـ"حراسة" المزار الواقع في خط المواجهة. ثم قالوا إن 12 من رجالهم قد قتلوا. ولا أعرف ما إذا كان محدثي الودود من بين هؤلاء القتلى. وكان حزب الله يعترف بهدوء، ولعدة أشهر، بأن مقاتليه يتولون أيضاً "حماية" القرى الشيعية داخل سورية، والتي كان سكانها من اللبنانيين. ثم بدأت الجثث بالعودة إلى الوطن؛ واحدة في البداية، ثم ستة، ثم جاء القتلى بالدزينة.
بمجرد أن التزم حزب الله بخوض المعركة من أجل القصير جنباً إلى جنب مع القوات السورية، ادعى متحدث باسم هذه الميليشيا الأكثر كفاءة والتي لا ترحم بأن بعض مقاتليها كانوا في طريقهم إلى الضريح في دمشق، لكنهم فقدوا الاتجاه ووجدوا أنفسهم عالقين في خضم معركة بالأسلحة النارية في أرض حرام لا تنتمي لأحد. وهي قصة ممكنة. وتقع القصير –الواقعة مباشرة على الطريق السريع إلى اللاذقية والساحل السوري- على بعد أكثر من 100 كيلومتر من دمشق. ثم عادت 30 جثة أخرى إلى الوطن في لبنان. وهكذا، يكون نصر الله قد قال فقط ما كان عليه أن يقول. ومع أنه كثيراً ما تحدث عن فلسطين والمسجد الأقصى، فإنه رجاله أصبحوا يتحركون منتقلين شرقاً الى سورية، وليس جنوباً إلى فلسطين، وسيحكم التاريخ على نصرالله فيما يتعلق بهذا الخطاب.
ثم تحدث نصر الله، بطبيعة الحال، عن خطر "المتطرفين" الذين يبذلون المحاولة للإطاحة بالأسد، مدعياً أنهم يشكلون خطراً على لبنان أيضاً، وبأن أسد سورية كان ظهر حزب الله وسنده، وبأن "المقاومة لا تستطيع أن تقف مكتوفة الأيدي ويكشف ظهرها ويكسر سندها".
لكن ما لم يقله هو أن ميليشياته الشيعية كانت تقاتل السوريين المسلمين السنّة –الذين يشكل شركاؤهم في المذهب نحو 30 في المائة من سكان لبنان أيضاً. وهذا هو السبب في اندلاع القتال بشراسة بين أهل السنة والشيعة العلويين في المدينة الشمالية اللبنانية، طرابلس، في اليوم الذي قرر فيه حزب الله الانخراط في القتال من أجل القصير إلى جانب رجال الأسد.
لكن هذا الواقع ينطوي بكل بساطة على احتمال أن يكون أكبر خطر يتهدد لبنان وشعبه -ناهيك عن سيادة الدولة الطائفية هناك- منذ الحرب الأهلية اللبنانية في السنوات 1975-1990.
"إذا سقطت سورية في أيدي أميركا وإسرائيل والتكفيريين [السنة المتطرفين]، ستتم محاصرة المقاومة، وسوف تدخل إسرائيل إلى لبنان وتفرض إرادتها." هذا ما قاله نصر الله من خلال شاشة ضخمة نصبت في بلدة مشغرة في الذكرى 13 لتحرير جنوب لبنان من الاحتلال الإسرائيلي ليلة السبت. وما كان يقصده هو أنه إذا سقط نظام الأسد، فإن الدعم السياسي الخاص بحزب الله وأسلحته –القادمين أصلاً من إيران- سوف يأتيان إلى نهاية. وعندئذ، لن يكون هناك حزب الله موجود ليتولى طرد الإسرائيليين عندما يعودون.
قبل أن نرفع عقيرتنا في نوبة من الضحك الأجوف، دعونا نتذكر فقط أن تدمير جمهورية إيران الإسلامية -كدولة ثيولوجية أنشأها آية الله الخميني في العام 1979- يشكل حالياً بداية كل شيء ونهاية كل شيء بالنسبة للسياستين الأميركية والإسرائيلية تجاه البلد الذي كان يسمى ذات مرة بلاد فارس. وكانت الحرب التي نشبت بين اسرائيل وحزب الله في العام 2006، بمثابة محاولة لتدمير حليف إيران الشيعي في لبنان. كما أن المعركة ضد الأسد –وهي صراع تدعمه الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وتلك الديمو-قراطيات الرائعة والمحُبة للحرية في الخليج- هو محاولة لضرب وإسقاط حليف إيران العربي الوحيد. وهكذا، تكون معركة الثوار المدعومين من الغرب في سورية بمثابة حرب بالوكالة ضد إيران. فلا عجب إذن أن يكون حزب الله مخلصاً وملتزماً بالحقيقة فيما يتعلق بتورطه هناك.
إذا كان  حزب الله -كما يصر نصر الله على القول- حركة "مقاومة" في الحقيقة، فكيف يحدث أنه لم يدعم المقاومة ضد الأسد؟ وبالإضافة إلى ذلك، إذا حزب الله كينونة لبنانية بحتة -ومرة أخرى، هذا هو ما يصر نصر الله على تأكيده- فأي حقّ له في إرسال المئات، بل الآلاف، من رجاله من أجل خوض معارك الأسد؟
على المستوى الرسمي، "نأى" لبنان بنفسه عن سورية. لكنه إذا كان المقاتلون من أكبر مجتمعاته المسلمة يذهبون للقتال من أجل الأسد، فما يتبقى من ادعائه التزام الحياد السياسي؟ قد يكون نصر الله زعيم حزب الله، لكنه ليس رئيس لبنان. وهذا هو السبب في أن الرئيس ميشال سليمان كان قد حذر قبل يوم واحد من خطبة نصر الله من أن حزب الله لا يجب أن يسمح بإغراق لبنان في حرب طائفية. وتساءل الرئيس سليمان: "كيف يمكن لأمة أن تقدم مثل هذا المثال الرائع للمقاومة والتضحية، ثم تقوم في الوقت نفسه بتعزيز الخلافات الطائفية؟" سؤال وجيه!
في خطابه، وعد نصرالله أنصاره بتحقيق "نصر جديد". ولم يكن ماكبث ليستطيع التعبير عن ذلك بطريقة أفضل. إن الدم سيجلب الدم، كما يقولون.


*نشر هذا المقال تحت عنوان: Hezbollah’s war in Syria threatens to engulf Lebanon