سيناريو ما بعد سيف القدس وخيارات "اسرائيل" للمرحلة المقبلة

بقلم: د . لواء متقاعد محمد النوافلة*

جاءت هذه المواجهة الحالية التي تحمل ((اسم حرب أيار، أو حرب مايو، او عملية سيف القدس )) ردا من المقاومة الفلسطينية في غزة على انتهاكات الاحتلال في المسجد الأقصى وحي الشيخ جراح بإطلاق صواريخ باتجاه القدس المحتلة، في 10 أيار(مايو) الحالي، وأطلق الاحتلال إثر ذلك حملة عسكرية وحشية ضد قطاع غزة استمرت 11 يوما، تسببت بنحو 250 شهيدا جلّهم من المدنيين، ولا سيما النساء والأطفال، وأصيب نحو 1910 بجروح مختلفة ، مقابل 12 قتيلا إسرائيليا ونحو 350 جريحا.
شكلت هذه الحرب والتي انتهت باتفاق هدنة بين "إسرائيل" وحماس (سيف القدس) منعطفا كبيرا في مسار القضية الفلسطينية عسكريا وسياسيا ولاسيما الرأي العام الدولي ونظرا للتخوف من هشاشة الهدنة تحرك وزير الخارجية الأميركي لمحاورة الطرفين من أجل تثبيت قرار وقف إطلاق النار، ورغم ارتفاع نسبة الضحايا في صفوف الفلسطينيين، يوجد شبه إجماع على اعتبار تحقيق المقاومة الفلسطينية انتصارا حقيقيا آخذا بعين الاعتبار السياق السياسي والعسكري، وذلك لعجز "إسرائيل" عن القضاء على المقاومة أو إبطال فعاليتها في ضرب العمق الإسرائيلي بالصواريخ، كما وحققت عودة القضية الفلسطينية إلى أجندة الرأي العام العالمي بقوة كبيرة.
يرى كثير من المحللين السياسيين والعسكريين أننا الآن على عتبة مرحلة جديدة من المواجهة. فعلى المستوى العسكري سيخرج العدو معلنا انتصاره، وسيضطر قادة العدو العسكريون، للمراجعة لفهم ما حصل واستنباط الدروس المستفادة، ثم تطوير وتحديث ما يلزم من أسلحة ومعدات، خصوصا منظومة القبة الحديدية، واستشراف كيفية التصرف في المرحلة المقبلة.
أما على المستوى السياسي، فقد صارت أزمات العدو الخارجية أكبر من الداخلية. وفقد الكثير من رصيده في السياسة الخارجية، بعد أن تبينت وحشيته في استهداف المدنيين والصحفيين والبنى التحتية، وبدت مظاهر ذلك التحول من خلال المظاهرات العارمة التي شهدتها الكثير من دول العالم التي تعتبرها "إسرائيل" صديقة لها. ولمن لا يعلم، فإن "إسرائيل" دولة تهتم كثيرا بالموقف الغربي من تصرفاتها، ويعرف قادة العدو أن الغرب لم يكن معجبا على الاطلاق بأداء العدو العسكري والسياسي. 
من المرجح أن خيارات "إسرائيل" الاستراتيجية لمرحلة ما بعد سيف القدس، هي التسويف والمماطلة ووضع العراقيل أمام جهود السلام الدولية المرتقبة، لتجنب الضغط على "إسرائيل" للقبول بحل الدولتين الذي يقبل به الفلسطينيون وتنادي به المجموعة العربية، وأصبحت الآن الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي أكثر قناعة " بأن حل الدولتين هو المسار السليم والوحيد لحل القضية الفلسطينية". وهذا ما لا يرضي "إسرائيل" وسيكون خيارها الاستراتيجي هو إفشال حل الدولتين من خلال اتباع نهج سياسي وإعلامي متقن لوضع اللوم على السلطة الفلسطينية والمقاومة الفلسطينية حماس، من خلال اتباعها الأساليب التالية:
اولا: سعي "إسرائيل" لمحاصرة حماس بتشويه سمعتها دوليا والحد من قدراتها والتخلص من أسلحه المقاومة ومنظومة الصواريخ تحت إشراف لجنة أممية بمساعدة الولايات المتحدة والدول الأوروبية، وان لا تكون قيادات حماس شريكا في التفاوض في المرحلة المقبلة ما لم تتخل عن اسلحتها، وهذا ما لا توافق عليه المقاومة الفلسطينية.
ثانيا: اتهام دولة مصر بالتواطؤ مع حماس في قضية السيطرة على المعابر والحدود، وأن مصر لا تقوم بما يلزم من أجل منع التهريب وتدمير الانفاق، لذلك سوف تسعى "إسرائيل" وبمباركة من بايدن لإحكام الخناق والحصار على غزة -برا وبحرا- والمطالبة بوضع معبر رفح تحت رقابة مشتركة تشارك بها "إسرائيل" بتأييد الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لضمان عدم ادخال الاسلحة وتشديد القيود على شاطئ غزة ومعبر رفح، وهذا ما سوف تؤيده أميركا ويحرج دولة مصر والسلطة الفلسطينية ولا توافق عليه المقاومة الفلسطينية (حماس).
ثالثا: اشتراط "إسرائيل" أن لا تفاوض مع المقاومة الفلسطينية (حماس) وان التفاوض من خلال ممثل شرعي ووحيد للفلسطينيين، الأمر الذي يتطلب المماطلة لحين إجراء المصالحة وانتخابات شرعية فلسطينية، سوف تشترط إسرائيل عدم مشاركة قيادات حماس في هذه الانتخابات باعتبارها منظمة غير مقبولة – حسب ادعاء "إسرائيل" والولايات المتحدة- وإذا ما حدث ذلك فانها ستعلن بأنها لن تتعامل مع قيادات المقاومة حال فوزها في الانتخابات، الأمر الذي يفرض على "إسرائيل" التدخل في الانتخابات الفلسطينية. وهذا ما لا يوافق عليه الفلسطينيون ولا يرضي حماس وفصائل المقاومة.
رابعا: من أجل كسب المزيد من الوقت ستسعى "إسرائيل" - كعادتها - إلى إجراء انتخابات رئاسة إسرائيلية لتغيير حكومة نتنياهو لاتهامه بأنه لا يقوم بما يلزم من أجل لجم حماس وفصائل المقاومة، ولم يحقق الهدوء والأمن لإسرائيل وبهذا الإجراء يتم تدويل القضية والمماطلة والتسويف من جديد.
من خلال هذا التحليل الموجز اعتقد أن حكومة نتنياهو ستجد لنفسها مخرجا من خلال سيناريو المماطلة والتسويف باتباع شروطها المعقدة، واللعب بأوراقها الثلاث (نزع أو إضعاف سلاح المقاومة، تشديد الحصار على غزه ، التدخل في الانتخابات الفلسطينية). بهذه الأساليب الثلاثة ستسعى "إسرائيل" لحشد التأييد والتعاطف الأميركي والأوروبي وتظليل الرأي العام بأن الفلسطينيين غير جاهزين للتفاوض بسبب رفضهم لهذه الشروط، وهنا تكون "إسرائيل" قد أخرجت نفسها من حرج التفاوض لحل الدولتين، وأبقت قضية القدس والشيخ جراح ومشروع يهودية الدولة، تتداوله الحكومات الإسرائيلية المتلاحقة لتقول (لا للقدس ،لا للمقاومة ،لا لحل الدولتين)، (نعم للتطبيع ، نعم للاستيطان وضم الأراضي، نعم ليهودية الدولة).
ويبقى السؤال: إذا كان خيار "إسرائيل" الاستراتيجي سياسيا هو" إفشال حل الدولتين من خلال اتباع أساليب المماطلة، والاحراج، وتظليل الرأى العام"، وعسكريا" القضاء على المقاومة وحماس. فما هي الخيارات الإستراتيجية من الجانب الفلسطيني والدول العربية لمجابهة هذا الجبروت؟.

اضافة اعلان

*خبير ومحلل استراتيجي