شبح البلطجة يعود من جديد

تأهبت الأجهزة الأمنية بعد حادثة صالح، طفل الزرقاء، وشنت حملات متعددة على بؤر البلطجة والخاوات في مختلف أنحاء المملكة، الحملة التي وصفت بالناجحة في تلك الأثناء، آلت إلى ما هو متوقع لاحقاً، وعادت أنشطة العنف والترويع من جديد، وفي الأيام الأخيرة شهدت الأردن اعتداءً في مدينة اربد أسفر عن مقتل شقيقين وإصابة والدهما بجروح خطيرة، واعتداء آخر على مشتغل بتوصيل الطلبات أسفر عن فقدانه لثلاثة من أصابعه أثناء مقاومته لمعتدين لا تربطه بهم سابق معرفة.اضافة اعلان
تعاني الأجهزة الأمنية من وجود المطلوبين وأصحاب القيود الجرمية في مختلف أنحاء المملكة بصورة تمثل إرهاقاً كبيراً لجهود رجال الأمن، ومع أن المواطن لا يجد غير الأمن العام لتوجيه النقد، فإن الحقيقة تبدأ من الإطار القانوني والصلاحيات الخاصة بالأجهزة القضائية التي تتابع هذه الأمور، وكان منها اطلاق سراح أحد معتادي الإجرام شريطة أن يقوم بأداء الصلوات في المسجد، وعلى الرغم من أن ذلك يعد بادرة طيبة تحمل في طياتها ما يؤشر لرغبة الشخص في التوبة، إلا أن الإجراء لا يمكن التعويل عليه، لأن تصرفات صاحب الأسبقيات أضرت بحقوق الآخرين، ويمكن أن تلحق الضرر بالمزيد، والدولة عليها أن تطبق القانون والعدالة على الأرض، أما الممارسة الدينية فمسألة تتعلق بالسماء وتعد شأناً إلهياً خالصاً، ولا يجب أن تتداخل الأمور بين دور الدولة في تطبيق القانون وحماية المواطنين، وبين التفتيش في القلوب والنوايا.
لنعترف بشيء من التجرد بأن الدولة لا تمتلك الإمكانيات لتحمل التكلفة العالية لتطبيق عقوبات الحبس، خاصة بعد أن أعلنت في إطار حوارات أخرى عن التكلفة المتعلقة بالإيداع في السجون، وكذلك، فإن متابعة المشتبه بهم من خلال الأدوات الإلكترونية ستضع مزيداً من التكلفة على الأجهزة الأمنية لتصبح مشتتة في متابعة المشتبهين، وكل هذه الأمور يمكن مناقشتها، إلا أنه أيضاً لا يجب إغفال الضغط الاجتماعي والجهوي الذي يحاول التدخل من أجل تكفيل المشتبه بهم، وأحياناً الاستعجال بقوانين العفو العام ليخرجوا من جديد للتعامل مع الأنشطة الجرمية من غير وجود استراتيجيات احتواء تستكمل عملية الإصلاح والتأهيل، هذا إذا ما كانت هذه العملية ممكنة بجانبها المهني داخل السجون، أو بجوانبها الاجتماعية حيث يبقى الفرد مشتبهاً بعد قضاء فترة عقوبته فلا يجد سوى العودة إلى سلوكه السابق، والدخول في نفس الدوامة.
فرض هيبة الأمن تتأتى من خلال حضوره وجاهزيته وصلاحيات رجال الأمن، وهذه معضلة كبيرة إذ تجري العادة بأن يلوذ المعتدون بالفزاعة التقليدية المرتبطة بحقوقهم الإنسانية والقانونية، ويجد رجل الأمن نفسه في معضلة، والدولة معه، فكل الحلول مكلفة، ومع ذلك، فإن العمل على الوصول الأمثل لاستغلال الموارد أمر ممكن، ولا سيما أن الأجهزة الأمنية تمتلك مرجعية مشتركة، ويمكن أن تقوم بالتوافيق والتباديل المطلوبة من أجل توفير الزخم الكافي لتواجدها في الشارع، بالطبع مع العمل على تعديل القوانين والإجراءات المطبقة ليتمكن رجال الأمن من العمل على الجانب الاستباقي وتعزيز قدرتهم على التدخل السريع.
تشديد العقوبات ليس الحل المنشود، فالعقوبة لا تعيد أحداً إلى الحياة، ولا طرفاً مبتوراً إلى مكانه، والقضية لا يمكن أن تطوقها الحملات المتواصلة، فرجال الأمن لا يمتلكون العصا السحرية، والأمور لا تدار بطريقة شرطي – حرامي وكأن الطرفين يعيشان في عزلة عن بقية العوامل المؤثرة، الاجتماعية منها والاقتصادية.