لصوص صغار أغبياء

أسوأ ما أنتجه السيد “غوغل” على مدى سنوات وجوده بيننا، هو أنه نشر التنبلة والغباء واللصوصية، وأوجد ملايين الاتكاليين الذين أصبحوا “كتّابا” لا يُشق لهم غبار على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة، وبلا أي جهد يذكر.اضافة اعلان
قبل أقل من عقدين، كنّا ندرك أن من يستشهد بمقولة لأحدهم، قد بذل جهدا كبيرا وهو يفتش عنها في صفحات الكتب، قبل أن يعمد إلى استخراجها من مكانها وتدوينها بعناية كبيرة في دفتر خاص بالمقولات التي تعجبه، أو بالآراء والأفكار التي تجد لها صدى خاصا عنده. كلنا امتلكنا مثل ذلك الدفتر، وكلنا كنا نعيد الفضل لأصحابه، وننسب الأقوال لقائليها.
اليوم، اختلف الوضع كثيرا؛ فالسيد “غوغل” اقترح الكسل بديلا عن القراءة والبحث، والانتحال بديلا عن الإحالة، والغباء بديلا عن الإبداع والابتكار، فكل شيء موجود في الفضاء الإلكتروني، وما على الأغبياء سوى الانتقاء من الخيارات المتعددة التي يتيحها لهم محرك البحث، ونقلها، ثم نسبتها إلى أنفسهم.
الانتحال موجود بشكل مزعج على مواقع التواصل. والمتابع لما ينشره الآلاف سوف يرى أن الجرأة على السرقة وصلت درجة الوقاحة لدى كثيرين لا يراعون، أحيانا، أنهم ينتحلون إبداعات مشاهير نعرف جميع ما كتبوا، والأنكى من ذلك والأشد سخرية واستخفافا، هو أنهم يتلقون الثناء على ما انتحلوه بوصفه إبداعا خاصا بهم!
الأمر منتشر إلى درجة الجنون؛ فكلهم يريد أن يضيف لقب “كاتب” إلى صفحته وسيرته الذاتية، ويجد أن أقصر طريق إلى ذلك هي بالسرقة والإيهام، وليس بالاجتهاد، متغافلا عن أن هناك آخرين يقرأون ما يسرقه، ويعرفون تماما مصادر تلك الإبداعات التي يزين بها البلهاء صفحاتهم.
مواقع التواصل الاجتماعي باتت، في كثير منها، “مناطق” خاصة باللصوص الأغبياء؛ يسرقون بلا أي تردد، ما يؤشر إلى عطب أخلاقي واضح لدى شريحة كبيرة من المجتمع العربي. وهو عطب ليس موجودا فقط لدى “العوام”، بل إن كثيرا ممن يفعلون ذلك، وبحسب المتابعة، هم من حملة الشهادات الجامعية، وعلى اختلاف مستوياتها؛ أي أنهم على علم تماما بأصول الاقتباس والتثبّت والإحالة، ما يجعلنا حائرين حول الكيفية التي أنجز فيها أولئك مشاريع تخرجهم!
ما يثير الضحك والسخرية على صفحات أولئك، هو امتلاؤها بالحكم والأخلاقيات والدعوات التي تحض على الصدق والأمانة والإنسانية، وبما يجعلنا نتساءل حقا: كيف للقبح والحسن أن يجتمعا على صفحة واحدة؟!
نتساءل بدهشة: إذا كان هذا اللص يستطيع أن يتمثّل جوهر الحكمة القائلة بأهمية الأخلاق، فكيف له أن ينساها في اللحظة التالية ليرتكب إثما قبيحا، وينسب إلى نفسه جهدا لم يتعب فيه بشيء؟ أهو الغباء المطلق، أم الفصام الذي تعيشه شريحة كبيرة من المجتمع، أم أن حب الظهور يلغي جميع الامتيازات التي تم منحنا إياها كبشر قادرين على وزن الأمور بميزان العقل؟
الأمر مثير للسخرية في جانب منه؛ فهناك من يعتقد حقا أن على الشعب بأكمله أن يصبحوا كتّابا ومنتجي إبداع، غير أنه من المعقول وربما من الأسلم، لو تركنا عددا معقولا منهم كجمهور وقرّاء ومصفقين، وأن لا نحشرهم جميعهم فوق المنصة. الأمر يستحق المحاولة، ولكن قبل ذلك، لا بدّ من ميثاق شرف شخصي لكل مستخدم لمواقع التواصل الاجتماعي، يعمد فيه إلى عدم جعل نفسه لصا غبيا أمام الآخرين.