هل تؤدي قمة بوتين وأردوغان ورئيسي إلى توغل تركي في سورية؟

الرئيس الروسي فلاديمير ورئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نفتالي بينيت في سوتشي، 2021 - (أرشيفية)
الرئيس الروسي فلاديمير ورئيس الوزراء الإسرائيلي السابق نفتالي بينيت في سوتشي، 2021 - (أرشيفية)

سونر جاغابتاي؛ وأندرو تابلر* - (معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى) 18/7/2022

قد توافق موسكو وطهران على قيام تركيا بتنفيذ عملية أخرى عبر الحدود نحو سورية، ولكن اختيار تركيا للأهداف سيعتمد على المصالح الأميركية والروسية والإيرانية المتعددة.

  • * *
    من المرجح أن تكون القمة التي انعقدت في طهران في 18 تموز (يوليو) بين الرؤساء رجب طيب أردوغان وفلاديمير بوتين وإبراهيم رئيسي قد حددت ما إذا كان التوغل التركي في سورية سيحدث بالفعل أم لا. وفي السنوات الأخيرة، ركزت أنقرة جهودها عبر الحدود على تقويض "وحدات حماية الشعب" التي يقودها الأكراد، والتي تسيطر على أجزاء من الأراضي الشمالية للبلاد. وإذا خلصت موسكو وطهران إلى إعطاء الضوء الأخضر لتنفيذ عملية توغل تركية أخرى، فمن المرجح أن تحدد مفاوضاتهما مع أردوغان المناطق التي تسيطر عليها "وحدات حماية الشعب" والتي تسعى تركيا ووكلاؤها المحليون إلى الاستيلاء عليها.
    أهداف تركيا
    دخلت الولايات المتحدة في شراكة مع "وحدات حماية الشعب" لمحاربة تنظيم "داعش" منذ سنوات عدة، لا سيما منذ انضواء الجماعة الكردية تحت راية "قوات سورية الديمقراطية". ومع ذلك، ما تزال أنقرة تركز على فكرة أن "وحدات حماية الشعب" تشكل فرعاً من "حزب العمال الكردستاني"، وهو جماعة تركية صنفتها أنقرة وواشنطن على أنها كيان إرهابي.
    في البداية، تقبّلت تركيا على مضض المساعدة الأميركية لـ"وحدات حماية الشعب" لأن واشنطن أشارت إلى أن الشراكة ستكون مؤقتة وتكتيكية ومرتبطة بالصفقات. ومع ذلك، من أجل منع عودة ظهور تنظيم "داعش"، تطورت السياسة الأميركية منذ ذلك الحين إلى التزام مفتوح مع "قوات سورية الديمقراطية" التي تقودها "وحدات حماية الشعب" -وهي سياسة ولدت من قدرة الجماعة المؤكدة على استعادة مساحات كبيرة من سورية من تنظيم "داعش" بمساعدة الولايات المتحدة. ورداً على ذلك، نفذت تركيا أربع عمليات توغل عبر الحدود منذ العام 2016، وفككت المنطقة التي تسيطر عليها "قوات سورية الديمقراطية".
    في إطار هذه الاستراتيجية المستمرة، وفي سياق قيام روسيا بسحب بعض قواتها تكتيكياً من سورية منذ غزوها أوكرانيا، تريد أنقرة الآن إنشاء شقوق جديدة في المناطق التي تسيطر عليها "قوات سورية الديمقراطية". ويبدو أن هناك ثلاثة أهداف محتملة على الأرجح: تل رفعت، و/أو منبج، و/أو كوباني.
    وستكون المنطقة المرشحة الأولى محور حوار أردوغان ورئيسي في طهران. وتنتشر حالياً الميليشيات المدعومة من إيران في نبل والزهراء، وهما قريتان شيعيتان تقعان بالقرب من تل رفعت، ولذلك ستحتاج أنقرة إلى إقناع إيران بعدم الوقوف في طريقها إذا كانت ترغب في الاستيلاء على هذه المنطقة المحصورة. ومع ذلك، من المرجح أن يصر رئيسي على قيام تركيا بالبحث عن أهداف أخرى، وقد يوافق أردوغان بالفعل نظراً إلى اتباع البلدين مؤخراً سياسة تجنب الاشتباكات العسكرية المباشرة وعدم تعارض مصالحهما.
    ومن المرجح أن يدفع بوتين أيضاً أردوغان إلى النظر في النقاط الواقعة شرق تل رفعت، ولا سيما منبج وكوباني. لكن الولايات المتحدة تعتبر كوباني مهمة رمزياً، باعتبارها مهد العلاقة الفعلية بين الولايات المتحدة و"وحدات حماية الشعب" بعد أن فك الشريكان حصار تنظيم "داعش" هناك في العام 2014 بطريقة دراماتيكية. وسيثير تنفيذ هجوم مماثل حفيظة واشنطن، وهذه نتيجة سيستمتع بوتين بالتأكيد تحقيقها. إلا أن أردوغان ما يزال يتودد إلى الرئيس بايدن، ويريد على ما يبدو تجنب تعكير العلاقة الدبلوماسية العامة في واشنطن.
    لذلك، يبدو أن هدف تركيا الأكثر ترجيحاً سيكون منبج، أو ربما تنفيذ عملية توغل محدودة في تل رفعت. وستتطلب أي من الخطوتين موافقة موسكو، التي كان بوتين مستعداً لمنحها في السابق مقابل تبادل الأراضي -أي استيلاء تركيا على الأراضي التي تتواجد فيها "وحدات حماية الشعب" الكردية مقابل حصول نظام بشار الأسد على الأراضي التي يسيطر عليها المتمردون المدعومون من تركيا في سورية. ومع ذلك، تقلصت مؤخراً بشكل كبير مساحة الأراضي التي يمكن أن تتبادلها أنقرة. ويقع جزء كبير منها في محافظة إدلب السورية، حيث من المحتمل أن يتجه مئات الآلاف، إن لم يكن الملايين، من السوريين النازحين أساساً إلى الحدود إذا تمت مبادلة مناطقهم وأعطيت للأسد -وهو سيناريو يأمل أردوغان بلا شك في تجنبه بالنظر إلى المشاكل الاقتصادية المتزايدة والمشاعر المعادية للاجئين في بلاده.
    لتفادي هذه العقبة المحتملة المتعلقة باللاجئين، قد يقرر أردوغان الاستفادة من حرب أوكرانيا. وعلى وجه التحديد، يمكنه عرض تقديم المساعدة لبوتين في إنشاء "ممر قمح" يسمح بتصدير الحبوب من الموانئ الأوكرانية التي تحتلها روسيا ومواقع أخرى على البحر الأسود مقابل موافقة موسكو على التوغل في سورية.
    حسابات الأسد
    بالنسبة لنظام الأسد، سيشكل أي توغل تركي ضربة أخرى لهدفه النظري المتمثل في استعادة السيطرة على كامل سورية. وحتى إذا قرر بوتين وأردوغان منح الأسد قسماً من الأراضي في إدلب، فإن أي منطقة من هذا القبيل ستكون معادية لحكمه، مما يجبره على تكريس موارد ثمينة للاحتفاظ بها. وسيحرم التوغل في تل رفعت النظام من موردين حيويين هما: إمدادات المياه، والمطار المحلي. كما أنه سيحط من قدر الميليشيات المدعومة من إيران ويضعفها ويرسلها جنوباً. وفي غضون ذلك، سيتم دفع رجال الميليشيات الكردية المتحمسين للغاية والمنتشرين في تل رفعت إلى الشرق، ومن بينهم أولئك العناصر الذين يقال إنهم ذوو أصول علوية مشتركة مع نظام الأسد.
    في الواقع، قد يؤدي التوغل التركي إلى تقريب "قوات سورية الديمقراطية" من دمشق، وربما من طهران أيضاً، كجزء من المساومات الدائمة التي تقوم بها الجهات الفاعلة المختلفة التي قسمت البلاد إلى مناطق نفوذ خاصة. وسيذعن نظام الأسد على الأرجح لهذا التحول لأنه في حاجة ماسة إلى المزيد من الطاقة الكهربائية وإمدادات الوقود، والتي يمكن الحصول عليها بسهولة أكبر من خلال زيادة عمليات نقل النفط والغاز الطبيعي من المناطق التي تسيطر عليها "قوات سورية الديمقراطية" في الشرق. وستصبح تجارة الطاقة الآن أكثر سهولة بعد صدور قرار "مجلس الأمن الدولي" رقم 2642 الأسبوع الماضي بشأن المساعدات عبر الحدود، والذي يدرج الكهرباء على وجه التحديد كجزء من أنشطة التعافي المبكر المسموح بها.
    توصيات في مجال السياسة العامة
    إذا تم إعطاء الضوء الأخضر لتنفيذ التوغل التركي وانتهى به المطاف في تل رفعت، فإن ذلك يعني أن تركيا تتطلع إلى استغلال قوة ميزتها بينما تعيد روسيا نشر بعض القوات خارج سورية -ولمنع إيران من الاستفادة من ذلك. وقد يمثل ذلك أيضاً السيناريو "الأقل سوءاً" بالنسبة للولايات المتحدة، نظراً لأن تل رفعت لم تشكل أبداً جزءاً من مجال النفوذ الأميركي أو الاتفاقيات السورية المتعددة لتفادي التضارب. وستكون النتيجة الأسوأ هي التوغل في كوباني، الأمر الذي من شأنه أن يخل بالوضع الراهن ومن المرجح أن يقود "قوات سورية الديمقراطية" إلى التوصل إلى تسوية غير مؤاتية مع نظام الأسد، مما يحد من قدرة واشنطن على المناورة ضد دمشق -وربما ضد تنظيم "داعش". وفي المقابل، من المرجح أن يؤدي تنفيذ عملية محدودة في تل رفعت أو منبج إلى رد أميركي أقل سلبية.
    قد يحدد موقف تركيا من انضمام السويد وفنلندا إلى حلف شمال الأطلسي، "الناتو"، شكل الاستجابات أيضاً. فقد وصلت علاقات دول الشمال مع "وحدات حماية الشعب" إلى منعطف حرج بسبب القرارات الأخيرة المتعلقة بتوسيع حلف الناتو، لذلك ستحرص واشنطن على تجنب حدوث أزمة جديدة مع أنقرة بشأن القضايا الكردية. وعلى الرغم من تجنب المأزق الأولي، ستظل تركيا تتمتع بحق النقض بشأن المحاولات السويدية والفنلندية للانضمام إلى الحلف خلال العام المقبل.
    وإذا أتم إرجاء التوغل عن طريق الصدفة بسبب اعتراضات روسيا أو إيران، فستحظى واشنطن بمجال أكبر قليلاً لالتقاط أنفاسها من أجل العمل لهدف تحقيق نتيجتها المثالية على المدى الطويل. وبشكل عام، قد يستلزم ذلك الاعتراف بمخاوف تركيا في سورية، مع الحد من نزوح "قوات سورية الديمقراطية" طالما يستمر القتال ضد تنظيم "داعش".
اضافة اعلان

*سونر جاغابتاي: زميل "باير فاميلي" ومدير "برنامج الأبحاث التركي" في معهد واشنطن، ومؤلف كتاب "سلطان في الخريف: أردوغان يواجه قوات تركيا التي لا يمكن احتواؤها". أندرو تابلر: "زميل مارتن ج. غروس" في المعهد والمدير السابق لشؤون سورية في "مجلس الأمن القومي" الأميركي.