النساء ‏وهاجس المواصلات العامة في الأردن

أريج حلبية ، فرح المور، نسيبة أبو ربيحة، بيان الصمادي، رفعت الفريحات، محمد أبو العدس* ‏لدى النساء احتياجاتٌ وسلوكياتٌ مختلفة عندما يتعلق الأمر بقضايا المواصلات والتنقل. في حين أنه من السهل إلى حدٍ ما التنبؤ بتنقل الرجال، يعد تنقل النساء أكثر تعقيدًا؛ بسبب تعدد الأدوار الاجتماعية لها، وتحديداً الأدوار المنزلية ورعاية الأطفال. تُواجه النساء في اليوم الواحد سلسلة من الرحلات متعددة الأغراض والمحطات؛ لتلبية حاجات المنزل، وتوفير احتياجات رعاية الأطفال، ومساعدة العائلة، والتوقف للبقالة والحضانة. وعليه، تفضل النساء الحصول على وظائف أقرب للمنزل ضمن ساعات عمل أقل وأكثر مرونة، بينما قد يقبل الرجال بأعمال بعيدة الى حد ما وتنقلات أطول. أظهرت أوراق سياسات أَعَدّها قسم العدالة الاجتماعية في معهد غرب آسيا وشمال أفريقيا حول النساء والمواصلات العامّة، رفض النساء العمل، أو الانسحاب من سوق العمل بسبب عدم وجود منظومة نقل عام قادرة على أن تفي باحتياجاتهن. المواصلات العامة في الأردن تعد هاجسا يؤرق حياة النساء اليومية، وتدفعهُنّ للتخلي عن حق من حقوقهن الأساسية والقانونية وهو العمل، وأن يُصبحن عُضوات منتجات فاعلات في المجتمع. بحسب منتدى الإستراتيجيات الأردني، تبلغ نسبة المُشاركة الاقتصادية للنساء في الأردن من مجموع القوى العاملة فقط 16 %، ما يجعلها من أقل النسب عالمياً. تتعدد الأسباب المؤدية لذلك: اقتصادية وتشريعية وسياسية واجتماعية وثقافية، إضافة لتحدياتٍ خدماتية تتضمن تدني جودة النقل العام، وما تواجهه النساء أثناء استخدام وسائط النقل العام المُختلفة للوصول للعمل. تدني جودة منظومة النقل العام عائق حقيقي أمام زيادة مشاركة النساء في الحياة العملية والمهنية، ويُعد انتشار الملكية الفردية لوسائل النقل العام في الأردن أول أسباب تدني الجودة، ويقصد بها تركز ملكية وسائل النقل العام من باصات وحافلات وتكاسي من قبل أفراد عِوَضاً عن مؤسسات أو شركات، ليصبح قطاع النقل محكوماً بمزاجية المشغلين الفرديين، وعرضة لتجاوزات مثل: عدم الالتزام بالمسارات والأجرة والمواعيد. السبب الآخر هو مركزية القرارات المتعلقة بإدارة قطاع النقل العام في المحافظات، فالحكومات المحلية ممثلة بالبلديات في مراكز المحافظات، باستثناء أمانة عمان الكبرى، لم يُسمح لها، إلى الآن، بالمشاركة الحقيقية في عملية تنظيم قطاع النقل العام من حيث تحديد المسارات والخطوط، أو تحديد التَعرفة المدفوعة مقابل خدمة النقل العام، أو الإشراف على ترخيص وسائل النقل العام ضمن حدود صلاحياتها. يؤدي ذلك لإقصاء هذه الجهات بدلاً من أن تكون فاعلة في مجتمعها المحلي، فهي على دراية كافية باحتياجات مجتمعاتها وأفرادها، خصوصا قضايا النساء، والمشاكل التي يواجِهنها أثناء استخدام النقل العام. الإستراتيجيات والسياسات المُتعلقة بقطاع النقل العام، كذلك، لا تظهر أي مراعاة للفروق الجندرية، مثل: (مسار الرحلات وعددها، وأوقاتها، والمسافات المقطوعة)، أو حتى التطرق إلى الاختلافات بين النساء والرجال أثناء استخدام وسائل النقل العام عند صياغة وإعداد هذه الاستراتيجيات والسياسات، ما يَحول دون وجود إرادة سياسية قوية منظمة، وخطط واضحة مستندة إلى أدلة علمية يتم اتباعها لحل مشكلات النساء أثناء استخدام وسائل النقل العام. العمل على تحسين منظومة النقل العام في الأردن يتطلب التوجه نحو تحويل ملكية وسائل النقل العام إلى ملكية الشركات الموحدة بعيدًا عن الملكية الفردية، عن طريق متابعة تنفيذ المادة (13) من قانون تنظيم نقل الركاب لسنة 2017، والتي تنص على وجوب قيام العاملين على خطوط نقل الركاب بموجب تراخيص فردية تصويب أوضاعهم بالاندماج في شركة واحدة أو الاشتراك في شركة إدارة الخط الواحد أو مجموعة الخطوط التي تخدم منطقة واحدة. كما يتطلب التوسع في منح الإدارات المحلية صلاحيات أكبر في تنظيم وإدارة منظومة النقل داخل حدودها، وأن تصبح جهات فاعلة في هذا الجانب؛ للاستفادة من الرخصة التي منحها لها المشرّع في القانون السابق، حيث سمح لبلديات مراكز المحافظات بالتنسيق مع هيئة تنظيم النقل البري بتولي مجموعة كبيرة من الصلاحيات، منها: تخطيط شبكة نقل الركاب، العمل على تلبية الطلب على خدمات النقل المنتظم وتوفيرها بالمستوى اللائق، ومنح التصاريح لتقديم خدمات نقل الركاب المنتظم. ولضمان ملاءمة النقل العام مع أوضاع النساء، لا بد من إشراك النساء من المجتمع المحلي في إعداد السياسات العامة والإستراتيجيات المتعلقة بقطاع النقل العام؛ بما يضمن الوقوف على مختلف التحديات التي تواجهها، والعمل على تقديم الحلول المناسبة لذلك من وجهة نظرهنّ. وفي الختام، وضع إستراتيجية عملية وواقعية طويلة المدى من شأنها تحسين واقع منظومة النقل العام كاملاً في الأردن وبشكلٍ تدريجي، بما يضمن توسيع نطاق شبكة النقل العام لجميع محافظات وقرى المملكة وأن لا تقتصر فقط على العاصمة، وأن تأخذ بعين الاعتبار احتياجات شرائح مهمة في المجتمع كالنساء والأشخاص ذوي الإعاقة. * متدربون في قسم العدالة الاجتماعية بمعهد غرب آسيا وشمال افريقيااضافة اعلان