النظر للأشياء بعمق يعطيها قيمة كبيرة

العادات التقليدية التي تملأ حياتنا تفقدنا القدرة على النظر للأشياء بشكل صحيح -  (ارشيفية)
العادات التقليدية التي تملأ حياتنا تفقدنا القدرة على النظر للأشياء بشكل صحيح - (ارشيفية)

عمان- اعتاد المرء القيام بالكثير من الأمور بطريقة آلية ومن أهم هذه الأمور رؤيته للأشياء من حوله. فهو غالبا من ينظر لكل شيء بعينين قديمتين. فهو يذهب لمنزله وينظر نظرة مجردة، يخرج مفتاحه بطريقة آلية ويدخله في ثقب الباب بطريقة تلقائية فهو لا يحتاج لأن ينظر طالما أنه يحفظ مكان كل شيء في منزله. أي أن المرء لا يضطر لأن يستخدم عينيه إلا في حال، على سبيل المثال ولسبب ما، لم يدخل المفتاح في ثقب الباب، وقتها سينظر ليعرف السبب بهذا.اضافة اعلان
تؤدي تلك العادات التلقائية التي تمتلئ حياتنا بها إلى أن يفقد المرء قدرته على النظر بشكل صحيح، بمعنى آخر فإنه يصبح أعمى بإرادته فهو ليس بحاجة لاستخدام عينيه. هذه الحقيقة لا تنطبق على الأشياء من حولنا فحسب، وإنما تمتد لتشمل الأشخاص أيضا! ترى متى نظرت لزوجتك آخر مرة؟ متى نظرت لأطفالك؟ حاول الإجابة بينك وبين نفسك وستندهش من النتيجة.
هل سبق، لسبب أو لآخر، أن اضطررت للطلب من أحد زملائك في العمل أن يوصلك للمنزل بسيارته؟ لا بد وأنك تذكر انطباعك عن تلك السيارة وقتذاك وكيف شعرت بأنها مريحة وتحتوي على الكثير من الإضافات اللافتة. لكن لو حاولت أن تخبر صديقك عن انطباعك هذا فقد يصاب بالدهشة، وهذا لكونه اعتاد على سيارته ولم يعد ينظر لها بعينيه وإنما أصبح يتعامل معها آليا.
من خلال ما سبق يمكننا القول إن النظر للمرة الأولى يحتاج من المرء أن يستخدم عينيه، وفي المرة الثانية تخف هذه الحاجة، أما في المرة الثالثة فإنه لا يكون بحاجة لاستخدام عينيه مطلقا! علينا أن ندرك حقيقة أن الأشياء والأشخاص يتغيرون، لا شيء في الحياة يبقى كما هو، عندما تنظر لزوجتك فإنك تنظر دون أن تستخدم حاسة البصر لديك، الاعتياد على الشيء جعلك تهمل هذه الحاسة باعتبار أن كل ما حولك يتكرر مرة بعد أخرى وهذا ليس صحيحا إطلاقا، فطفلك بالأمس ليس هو طفلك اليوم، لكن اعتيادك رؤيته جعلك تفقد متعة  ملاحظة نموه سواء أكان هذا النمو تابع لشخصيته أو لجسده.
تتميز الحياة بالسرعة والتحول، وبالتالي فإن كل لحظة تختلف عن سابقتها وعن اللحظة التي تليها، شروق شمس اليوم لن يتكرر غدا، ففي الغد ستشرق الشمس بطريقة جديدة، مختلفة، تحمل معها أحداثا تخص ذلك اليوم. ومع هذا فإنك تحصر نفسك بالاعتقاد بتكرار الأشياء بطريقة تصيبك بالملل.
نستخدم في بعض الأحيان العبارة المعروفة "لا جديد تحت الشمس" لكن الواقع أنه لا قديم تحت الشمس سوى أعيننا وطريقة استخدامنا لها. يشعر الأطفال بالحماسة لأقل الأشياء، فربما تجد الطفل يمتلئ سعادة لمجرد رؤيته قطة صغيرة تعبر الطريق، لكن بالنسبة لك لو وجدت المارد الموجود في مصباح علاء الدين فقد تندهش للحظات وبعدها تقول "نعم أعرفه، لقد قرأت عنه كثيرا في طفولتي"!!
من خلال نظرة الطفل للعالم من حوله يمكننا أن نصل لقاعدة تقول بأنه عليك أن تنظر للأشخاص والأشياء بنظرة "طازجة"، نظرة كأنها الأولى لك. فمن خلال هذا الأسلوب ستشعر بأنك تمكنت من التعمق أكثر في حقيقة العالم الذي نعيش به، حسب ما ذكر موقع "InnerSelf".
تنطبق تلك القاعدة على كل شيء يمكن أن يخطر ببالك، ترى هل سبق وأن نظرت لحذائك بعينيك وليس بطريقتك الآلية؟ جرب وستندهش من اختلاف نظرتك تلك.
الفنان العالمي فان غوخ قام برسم لوحة نادرة لحذائه، لم تظهر اللوحة سوى حذاء مهترئ تبدو عليه الكآبة. لكن لو دققت باللوحة أكثر ستجد بأن هذا الحذاء يمكن أن يخبرك الكثير عن صاحبه وهذا يدل على الطريقة التي ينظر بها فان غوخ للأشياء.
قد تملك أنت نفس حذاء فان غوخ لكنك لم تنظر له من قبل، ولم تلحظ كيف عاملته طوال فترة استخدامك له، لكنه لو امتلك القدرة على الحديث فيمكنه ذكر الكثير عن حياتك وطباعك، كيف عاملته عندما كنت تشعر بالسعادة وكيف كان أسلوبك يختلف عندما تقاسي إحدى مصاعب الحياة. كل هذا استطاع فان غوخ التعبير عنه والسبب أنه يعرف كيف يستخدم بصره بطريقة صحيحة، ولكي تتقن فن الرسم يجب أن تتقن أولا استخدام حواسك بالشكل الصحيح.
الرسام الفرنسي سيزان قام في إحدى لوحاته برسم كرسي عادي، لدرجة قد تجعلك تتساءل ما الذي يجعل هذا الرسام يهدر كل هذا الوقت فقط من أجل رسم كرسي؟! لكن سيزان استغرق أشهر عديدة لإنهاء لوحة الكرسي تلك، والسبب أنه يمتلك النظرة البشرية للأشياء وليس مجرد لمحة آلية عابرة.
حاول أن تعتاد النظر لكل شيء وكأنها المرة الأولى وستدرك كم من الجمال الذي تفتقده عندما تلغي دور عينيك، لا تترك الاعتياد يجعلك تعيش أعمى، لأنه هذا هو العمى الحقيقي، فحتى الشخص الكفيف يستطيع أن يشعر بالجمال من حوله من خلال استشعاره كل ما يدور حوله ورغبته بالاستكشاف. لذا فلنتجنب أن نستسلم للعمى بإرادتنا.