تاريخ العالم في إراقة الدماء وهوس السلطة

إعدام لويس السادس عشر في 21 كانون الثاني (يناير) 1793 – (المصدر)
إعدام لويس السادس عشر في 21 كانون الثاني (يناير) 1793 – (المصدر)
ديفيد كرين – (ذا سبيكتيتور) 12/11/2022 ترجمة: علاء الدين أبو زينة

بالنسبة لأي قارئ ينطوي على استعداد للقراءة عن إراقة الدماء والطموح المدفوع بشهوة السلطة؛ ولأي شخص لديه ذائقة للمعرفة عن فساد السلالة البطلمية، أو الذي يرغب ببساطة في قضاء بعض الوقت مع الخصيان الإمبراطوريين في الصين، فإن “العالم” الذي يحدثنا عنه سيباغ مونتيفيوري -العالم وفقا للإسكندر الأكبر وأتيلا وجنكيز وتيمورلنك ومجموعة لا حصر لها من القتلة الآخرين، القدامى والحديثين– سوف يقدم له ذلك وأكثر منه، بالأكوام… إن الثيمات الرئيسية لكتاب سيمون سيباغ مونتيفيوري التي يطرحها بجسارة وبلا خجل هي: الإمبريالية، والغزو، والتعذيب والجنون، والاغتصاب والإعدامات.

* * * من الصعب تخيل لماذا قد يرغب أحد في فعل شيء كهذا، ولكن إذا كان يجب أن يكون هناك تأريخ للعالم كله، فينبغي أن يكون سيمون سيباغ مونتيفيوري Simon Sebag-Montefiore مرشحا جيدا لكتابته أكثر من أي أحد آخر. يبدو أنه قرأ جيدا كل ما كُتب على الإطلاق، وزار كل مكان يتمتع بأهمية تاريخية على هذا الكوكب. كما أنه تمتع -بفضل وباء “كوفيد” والإغلاق الذي صاحبه- بالوقت الكافي لكتابة الكتاب الوحيد الذي كان يتطلع دائمًا إليه. التاريخ الوحيد الذي “نعشقه”، حسب الرئيس ماو (والذي سعى إلى أن يعرفه)، هو تاريخ الحروب. وفي كتابه “العالم: تاريخ عائلي” The World: A Family History، أخذ سيباغ مونتيفيوري هذه الرسالة على محمل الجد. يحتمل كثيرًا أن تكون هناك عائلة ناشزة لا يخنق فيها الإخوة بعضهم البعض بشكل روتيني، ولا يعمي فيها الأطفال والديهم أو يمحو فيها الآباء ورثتهم من الوجود؛ بل إنها قد تكون هناك عائلات تفضل بناء توسعة علوية للمنزل بدلاً من بناء برج من الرؤوس المقطوعة، ولكن إذا كان هناك شيء من هذا القبيل، فليس ثمة علامات كبيرة على وجوده هنا. “العائلة” كما كتب سيباغ مونتيفيوري بينما كان ماو في ذهنه، كانت دائمًا “تحت رحمة السلطة”، وهذا كتاب عن السلطة، وهو لذلك يتحدث فقط عن السلالات العظيمة التي مارست هذه السلطة. ثمة واحات من الهدوء والتعقل هنا وهناك تتخلل الفوضى. لكنَّ “عالم” المؤلف، كما يعرضه بلا خجل ولا رتوش، هو عالم “لعبة عروش”؛ عالمٌ من الممالك والإمبراطوريات الصاعدة والهابطة، والمعارك، والحصارات، والتعذيب، والجنون، والنهب –وتخصص مقلق ومزعج- هو الإعدامات من نوع لا يني يزداد فحشًا وفظاعة. “سلالة أرارا ” (مملكة كوش النوبية)، “سلالة تيغلاث بلسر الثالث” (آشور) –حتى عناوين الفصول هي إيماءات مبكرة إلى “لعبة العروش”، ولعل المفاجأة الوحيدة في تاريخ يمتد من أول أشباه البشر القتلة، وصولاً إلى بوتين وكيم في عصرنا، هي أن “سلالة لانيستر” أو “باراثيون” مفقودتان من السرد. وبالنسبة لأي قارئ ينطوي على استعداد للقراءة عن إراقة الدماء والطموح المدفوع بشهوة السلطة؛ ولأي شخص لديه ذائقة للمعرفة عن فساد السلالة البطلمية، أو الذي يرغب ببساطة في قضاء بعض الوقت مع الخصيان الإمبراطوريين في الصين، فإن “عالم” سيباغ مونتيفيوري -العالم وفقًا للإسكندر الأكبر وأتيلا وجنكيز وتيمورلنك ومجموعة لا حصر لها من القتلة الآخرين، القدامى والحديثين– سوف يقدم له كل ذلك وأكثر منه، بالأكوام. هذه “اللعبة العالمية”، كما يسميها، كانت لها مكافآتها التي منحتها للرجال، بطبيعة الحال؛ أما بالنسبة للنساء -على الرغم من بذل المؤلف قصارى جهده للكشف عن أي أحد “أظهر قوة متحدية في مواجهة قسوة الذكور” (تمامًا كما سماها التتار)- فكانت الصورة سوداء، سوداء حقًا. كانت هناك بالتأكيد نساء من حوض النيل ونهر التيبر إلى السهوب الآسيوية، ممن أظهرن درجة هائلة من الفاعلية. وكانت هناك نساء من أقدم العصور مارسن سلطة حقيقية. ولكن بالنسبة لعشرات الآلاف اللواتي يملأن هذه الصفحات في أدوار الزوجات والمحظيات والعبدات والأضحيات، فإن أفضل ما يمكن الأمل فيه -إذا لم يسجنك عدو أولاً أو تجدك جحافل تيمورلنك- قد يكون قتلاً سريعًا ودفنا تضحويا طقوسيا بسبب موت السيد. إذا كان قد يبدو غريبا أن يذهب مؤلف حساس للغاية لمخاوف كتابة التاريخ المعاصر إلى شيء قديم الطراز مثل تاريخ الأسر الحاكمة، فإنه يتبين أن الأمرين متوافقان جيدًا إلى حد مدهش. في قلب هذا الكتاب توجد كل تلك الإمبراطوريات –المصرية، والنوبية، والآشورية، والصينية، والعربية، والمغولية، والهندية، والإنكا- التي حاربت من أجل حكم العالم لجزء كبير من تاريخ البشرية. وإذا كان الاجتياح العالمي للسرد يوضح أي شيء، فهو أن النظرة الأنجلو-أوروبية، أو المتمركزة- أوروبيًا للماضي لن تعلمنا سوى القليل جدًا عن تراثنا العالمي. في الواقع، ربما يكون الإنجاز الرئيسي للمؤلف هو جعلنا نرى العالم من خلال عدسة مختلفة -جعل غير المألوف مألوفا، والأهم من ذلك، جعل المألوف غير مألوف. كان البريطانيون والقوى الاستعمارية الأوروبية الأخرى سيصلون إلى وقت توهجهم؛ ولكن قبل وقت طويل من أن يصنعوا التاريخ ويأخذوا الكثير من أجزاء الكوكب لهم؛ قبل أن تفتح “شركة الهند الشرقية” أو “شركة الهند الشرقية الهولندية” الشرق، أو أن تبدأ تجارة الرقيق الأطلسية، كانت الأساطيل الصينية تعبر المحيط الهندي، وكانت القوافل العربية تنقل العبيد -ستة ملايين منهم بين القرنين الحادي عشر والسادس عشر- في عالم مرتبط مسبقًا متطور ومعقد بالتجارة، والسياسة، والأديان، والعبودية (وذلك المؤشر الأكثر غرابة لـ”نجاح الأنواع”) الأوبئة. وسوف تتمكن أوروبا من أكثر من مجرد اللحاق بالركب، بطرق أخرى أيضًا -اضطهاد اليهود هو ثيمة متداولة في الكتاب، وليس هناك ما هو أكثر قوة من القسم المتعلق بالهولوكوست- لكنَّ هذا العالم الآخر هو الذي يجلبه هذا الكتاب إلى الحياة بشكل أكثر وضوحًا، وبطريقة محمومة تقريبًا. وهو موضوع ضخم؛ ولكن عندئذٍ هو ذا كتاب هائل سميك، يمتد إلى عدد يخدر الأطراف من الصفحات التي تزيد عن 1.262 صفحة. وهنا تكمن المشكلة. لم يكن من أجل لا شيء أن يصادف غوليفر (في كتاب جوناثان سويفت “رحلات غوليفر”) غرفة مخصصة لتاريخ مُمكنن لكل شيء في أكاديمية لاغادو، لأن هناك في نهاية المطاف شيئا غير عملي بطريقة هازمة للذات في إنتاج كتاب بهذا الحجم والطموح. على الرغم من أنها لا تكاد توجد فقرة مملة هنا، إلا أنه من المؤكد أن هناك حدًا لما يستطيع القراء تحمله، وربما تصل أكثر من 1000 صفحة من رواية القصص المنغمسة في الذات إلى أكثر من الحد. تلقيت ذات مرة رسالة من سيدة ساحرة ويقظة للغاية في منتصف التسعينيات من عمرها كانت تقرأ كتابًا كتبته عن الكابتن سكوت. قالت لي كم كانت تستمتع به، وأنها وصلت إلى مائتي صفحة وأكثر قليلًا، ولكن هل سأمانع كثيرًا إذا لم تكمل قراءة الكتاب لأنها، على حد تعبيرها، لم تكن تريده حقًا أن يكون آخر كتاب تقرؤه على الإطلاق. سيكون من العار أن ينتهي الأمر بالقراء في أوائل العشرينات من أعمارهم، وهم ينظرون إلى الجبل الذي ما يزال ينتظرهم في الأمام، إلى أن يرسلوا إلى سيباغ مونتيفيوري نفس النوع من الاعتذار. بطاقة الكتاب: العالم: تاريخ عائلي المؤلف: سيمون سيباغ-مونتيفيوري الناشر: فايدنفيلد ونيكولسون، 1262 صفحة * * ديفيد كرين David Crane: كاتب ومنتج أميركي، ولد في 13 آب (أغسطس) 1957. اشتهر بأنه أحد المبدعين المشاركين في المسلسلات التلفزيونية Friends وEpisode. *نشرت هذه المراجعة تحت عنوان: The history of the world in bloodshed and megalomania

اقرأ المزيد : 

اضافة اعلان