رهانات المشاركة السياسية والاستقرار

في أجواء حملة العلاقات العامة والتسويق السياسي والاجتماعي، التي أخذت البلاد تشهدها في الترويج لقانون الانتخابات الجديد، سيدور النقاش المحلي حول تفاصيل هي في المحصلة شكلية، بعدما حسمت القضايا الكبرى حول نوع النظام الانتخابي وإدارة العملية الانتخابية وعدد الدوائر ونوعها، فيما يبقى الرهان متواضعا على إدارة مناقشة وطنية جادة حول المشاركة السياسية والتنمية ومستقبل استقرار البلاد.

تعبّر آلية صنع القرار السياسي عن الفجوة بين إدراك مصادر الاختلالات السياسية وبين القدرة على تطوير الحلول والبدائل. فما تزال الخطة البديلة غير ناضجة، ما قد يُدخل البلاد في نوع من الفراغ السياسي مع استمرار تراكم أنماط مباغتة من أزمات الاختلالات السياسية والاقتصادية الاجتماعية.

هذه التطورات تثبت أن قرارات الإصلاح المفصلية لا تعبر عن سياسة محلية واقعية أكثر من كونها تعبيراً صريحا عن انعكاسات للتطورات الإقليمية والدولية. ولم يطور صناع القرار الأردني إلى هذا اليوم نموذجهم الخاص بالبحث عن بدائل الإصلاح التي تخدم الأهداف الاستراتيجية للدولة الأردنية.

يكفي أن ننظر إلى أجندة إشباع مقاعد المرأة في البرلمان وتوسيع بعض الدوائر الانتخابية، وكأننا ندير الملفات الداخلية عبر السياسة الخارجية، وليس العكس كما يحدث عادة في دول العالم.

المفارقة في هذا الشأن أن حلفاء الأردن الاستراتيجيين، وعلى رأسهم الولايات المتحدة، غير معنيين بشكل جدي بإصلاحات سياسية حقيقية ومرتبطة بمستقبل التنمية والتحديث في البلاد، حيث لم يرد اسم الأردن على مدى سنوات على لائحة الدول العربية التي تستوجب اصلاحا سياسيا برأي الإدارة الأميركية، وهناك تفهم أميركي أوروبي للمعادلة بين الدور الأمني الذي يقوم به الأردن في مكافحة الإرهاب وبين استحقاقات الإصلاح السياسي.

الحقيقة الأردنية التي تثبتها التحولات الاجتماعية والاقتصادية المركزة خلال السنوات الأخيرة، تقول إن إصلاح المشاركة السياسية وربطها بالتنمية مصلحة أردنية صرفة وقضية مصيرية لحفظ معادلة الاستقرار التي راهن الأردن عليها على مدى عقود طويلة.

إن مصادر تهديد الاستقرارعلى المدى البعيد داخلية بالدرجة الأولى، وترتبط بالتحولات الاقتصادية والاجتماعية التي عملت على مدى هذه السنوات على تهميش أكثر من ثلثي البلاد، وجعلت المجتمعات المحلية تعيش حالة من الحرمان والغربة عن الدولة بعد الاختلالات التي أحدثتها إعادة صياغة العلاقة بين الدولة والمجتمع والسوق، التي يجب في ضوئها قراءة حل مجلس النواب السابق، حينما عجز عن تكوين كتلة ممثلة للمجتمع ومقنعة له، وحينما عجز عن التفاعل الإيجابي مع متوالية الأزمات المجتمعية وحالة الاحتقان والعنف والتعبيرات السياسية الشاذة التي شهدتها البلاد مؤخراً.

يكشف هذا الاستنتاج عن عمق أزمة المشاركة، فكما تقول القاعدة التي يقوم على أساسها التحديث إن لا ضرائب من دون تمثيل فإنه لا وقف لدور الدولة الاجتماعي من دون مشاركة، ويبدو ذلك شرعيا في الدول التي أسست شرعيتها كحالة الأردن على أساس تنازل الفقراء عن حقوقهم السياسية مقابل منافع مادية تقدمها الدولة.

اضافة اعلان

وفي ضوء ضعف استجابة التحديث السياسي يبقى خيار الإصلاح الأردني هو خيار المشاركة والتنمية قبل أي خيار آخر، حيث يكمن في العمق المجتمعي للتمثيل وفي عدالة التنمية. 

[email protected]