مدن "فيسبوك" تنظم نفسها بنفسها

بدأت المدن ساحات منحها الناس القداسة والاحترام يلتقون فيها للاحتفال والتجارة والتقاضي، وصارت هذه الساحات قلب المدن ومركزها، واليوم يبدو "فيسبوك" عودة إلى تلك الساحات التي تعيد تنظيم أفكار الناس ومواردهم. لقد تحول "فيسبوك" إلى أسلوب حياة بما في ذلك من مساوئ وحسنات، لكن لم يعد ممكنا تخيل الحياة بدونه، تقول أوليفيا لاينغ (كتاب المدينة الوحيدة) كم سأكون ضائعة ووحيدة بدون الموبايل، والحال أن لاينغ تعكس شعور غالبية الناس الذين اكتشفوا في هدوئهم وعزلتهم وانطوائهم قوة جديدة ومؤثرة تسهم في تغيير العالم .. أو الاستغناء عنه!اضافة اعلان
يضع الناس في ساحات "فيسبوك" أفكارهم ومشاعرهم ويشاركون في العالم، كما هو أيضا سوق عظيمة لعرض وتداول المنتجات والخدمات والسلع والمعارف والمهارات والأفكار. صحيح بالطبع أنه ليس ساحة خارقة ولا تمنح النجاح والتأثير تلقائيا؛ إذ لا تكفي الإتاحة لينجح المدون أو الفرد في العمل والتسويق والتأثير، يجب أن يكون لدى "المشتبكين" ما يجعلهم مقبولين ومؤثرين، لا يحول "فيسبوك" الفاشلين إلى ناجحين، لكنه يتيح للمحرومين والمهمشين الفرصة للمشاركة في هذا العالم، إنه قلعة الفرد في مواجهة قلاع السلطة والأوليغاركيا!
"فيسبوك" يفيد ويخدم أولئك الذين لم يكونوا يملكون مجالا أو فضاء للتعبير والتأثير والمشاركة، وهؤلاء أيضا اكتشفوا (يجب أن يكتشفوا) أنه لم يكن كافيا امتلاك منصة لإسماع الرأي والصوت ومحاولة المشاركة والتأثير أن ينجحوا في ذلك بالفعل، بل يجب أن يبذلوا جهدا كبيرا في تقديم أفكارهم وتطويرها ومحاولة إيصالها إلى المستفيدين الفعليين والحقيقيين، وأن يتأكدوا أنها تنشئ الأثر المطلوب أو هي تسير في هذا الاتجاه. "فيسبوك" فضاء جميل وضروري ومبدع لكن ذلك لا يكفي!
وكما تنظم السوق نفسها بنفسها بنسبة كبيرة وحاسمة، فإن ساحة "فيسبوك" تنظم نفسها بنفسها، بدأ التدوين فكرة بسيطة وجميلة ومغرية للمشاركة والصداقة، ويبدأ المدون فيه متحمسا ومنفتحا على العالم الجديد المبهر، لكنه يجد أنه محاط بأصدقاء يغلب عليهم أنهم لا يهمونه ولا يهمهم وأن كل واحد يغني على ليلاه، فالصداقات وعرضها وطلبها مليئة بالمتسولين والمتطفلين والمتخلفين والمزعجين. ويتقدم في حوار على الخاص مع الأصدقاء المفترضين، ويشارك في المجموعات ويعلق على المدونات ويرد على الرسائل والتعليقات ويقدم الإعجابات. وتتشكل مخططات وأحلام للنجاح والتأثير والمشاركة السياسية والفكرية والانتخابية، والتجارية أيضا. لكن، وبسرعة دخل المدونون (أفرادا ومؤسسات) في مرحلة من النكوص والإحباط. لم تكن العملية بالسهولة والتلقائية التي تبدو فيها للوهلة الأولى، هي عملية إعلامية وفكرية وتسويقية لا تختلف جوهريا عن عمل المؤسسات الصحفية والفكرية والتجارية، فالمؤسسات ليست مكاتب.
ويتقدم الجادون والمهتمون في خطوة جديدة من النشوء والارتقاء، أما المؤسسات فتجد أنها في حاجة إلى كادر من المتفرغين المبدعين أو أن يقودهم مبدعون، عمليات التدوين ليست مجرد إدخال بيانات! وتبين الخيط الأبيض من الخيط الأسود، وصار "الفيسبوكيون" يميزون بين الحقيقة والوهم وبين الواقع والخيال، تتغير العناوين والإعدادات، وتختفي الأسماء الوهمية والصور الجميلة والمجموعات الغرائبية، وتتعرض للحظر  جماعات المزرعة السعيدة والألعاب والأبطال والنرجسيون والمقاومة والإفتاء والدعوة والمعارضات ما يزيد على الواقع المتقبل؛ إذ تكتشف سريعا أنه لا يمكن في "فيسبوك" أن تكون أكثر معارضة أو تدينا أو مقاومة من الواقع خارج فضاء الشبكة، وما كان في الشبكة زيادة عما هو خارجها فليس سوى فشل أو مرض عقلي!
ثم تقلل وترشد من استخدامك محاولا أن تجعل الوقت المخصص فعالا وحتى لا تهدر وقتك وجهدك وعينيك، فتشغل نفسك بعملك الحقيقي والمنتج ورسالتك التي تؤمن بها.