حياة من هي التي تهم..؟

شهد لبنان الشقيق مؤخراً جدلاً مع بدء حملة إعطاء اللقاحات هناك، حين رشح أن مجموعة من النّواب تلقوا المطعوم في مبنى مجلس النواب. ومع أن أعمار هؤلاء النواب كانت فوق السبعين، رأى الناس في البلد المثقل بالأزمات في ذلك تجاوزاً على الأولويات والآليات المعلنة لتوزيع اللقاحات في البلد.اضافة اعلان
كان وجه الاعتراض هو أن النواب المعنيين تلقوا اللقاح من دون التسجيل على المنصة الوطنية أو انتظار دورهم مثل الآخرين. وأعلن رئيس اللجنة الوطنية للقاح كورونا نيته الاستقالة من رئاسة اللجنة، (تراجع بعد ذلك) احتجاجاً على تلقي هؤلاء النواب اللقاحات في المجلس من دون موافقة اللجنة الوطنية. واعترض مواطنون حتى على عدم ذهاب النواب إلى مراكز التطعيم مثل غيرهم وإرسال اللقاحات إليهم حيث هُم.
برر وزير الصحة اللبناني إجازته لهذا الاستثناء بأنه أراد مكافأة النواب على جهدهم لإقرار القانون المطلوب لإجازة اللقاح في البلد، كشرط مسبق لتزويد البلد بالمطاعيم، في وقت قصير. وحذّر المدير الإقليمي للبنك الدولي (يبدو أن للبنك دورا في تمويل اللقاحات اللبنانية) من مواجهة عواقب إذا تبيّن أنّ هناك من حصل على اللقاح في غير دوره. وطلب البنك الدولي من المراقبين التحقق من التزام مراكز التطعيم بالقواعد.
بطبيعة الحال، كان هذا الحادث ليمر تحت الرادار، كما يحدث دائماً في البلدان التي تفتقر إلى الشفافية، لولا خصوصية الوضع اللبناني. ويغلب أن تحدث تجاوزات أنكى في توزيع اللقاحات في معظم الدول المعروفة بالمحسوبيات وتخصيص الامتيازات وتجاوز القواعد، لكن الفوضى التي تضرب لبنان ربما تكون هي التي أتاحت فضح التجاوزات من دون توقع ردّ فعل قاسٍ من الساسة والنافذين.
من المفارقات أن تكون الفوضى الشاملة هي التي قد تتيح إمكانية تعرية الفساد ورداءة الأداء العام باستغلال «فلة الحكم»، في حين يشكل الفساد وعدم الكفاءة هما المقدمة الأكيدة للفوضى. وقد أضاف سوء إدارة الوباء –ومنه «امتيازات اللقاح»- فقط إلى المقدمات التي أفقرت لبنان وجوعت الناس ودفعت الأمور إلى الانفجار.
تجلب مسألة «كوفيد» واللقاحات، بإلحاحها وأهميتها الوجودية، مسألة تعريف المواطنة مرة أخرى إلى دائرة الضوء. والسؤال المطروح هو: حياةُ مَن هي التي تهُم؟ عالمياً، يُجاب عن هذا السؤال، عملياً، بأن حياة مواطني الدولة الغنية والقوية هي التي تهم، وبعدها تأتي حيوات «الفائضين» في الدول الأفقر والأضعف. وعلى المستويات المحلية في الدول التي تسير كيفما اتفق، يغلب أن تكون الإجابة أن حياة الأغنياء، والنافذين، والساسة والمسؤولين، والمتمتعين بالاتصالات المهمة، هي التي تَهُم (باعتبار هؤلاء هم الذين لا يمكن الاستغناء عنهم).
سيكون مثل هذا الترتيب في مسألة توزيع اللقاحات المنقذة للحياة مُحبطاً للغاية في أي مكان. سوف يقهرك حقاً أن ترى أناساً أقل منك استحقاقاً للحماية وهم يتلقون اللقاحات المنقذة للحياة من الأبواب الخلفية بسبب اتصالاتهم أو تعريفهم بأنهم أكثر أهمية. وفي الحالة المثالية، يجب الحرص على تجنب هذه الممارسات، وعدم التستر عليها ومحاسبة المسؤولين عنها. فبالإضافة إلى إهانتها للمواطنين، سوف تساعد هذه الاختلالات في إحباط الاستراتيجيات الوطنية لمكافحة الوباء، وتؤدي إلى وفيات كان يمكن تجنبها لولا التصنيف المتجني للمواطنية والأهمية.
الآن، يعيد الارتفاع المتسارع لأعداد الإصابات والوفيات مرة أخرى التذكير بأن تنفيذ عملية التطعيم بكفاءة وبلا أخطاء وفي أسرع وقت ممكن هو الطريق الأقصر –وربما الوحيد- إلى استعادة نوع من الحياة الطبيعية، وإنقاذ أكبر عدد ممكن من الأرواح، والشروع في إنعاش الاقتصاد وتشغيل القطاعات والتقليل من الشكوى.
في مسألة اللقاحات، سيعادل العبث بالأولويات حكماً ضمنياً بالإعدام على أبرياء بتأخير الحماية عنهم حيث كل دقيقة يمكن أن تُحدث فرقاً. وبنفس المقدار، سيكون إحجام كبار السن عن تسجيل أنفسهم على منصة اللقاحات وأخذها في موعدها انتحاراً. وسيكون «نصحهم» بعدم أخذ اللقاحات وتخويفهم منها شروعاً في القتل العمد.
في هذه المرحلة الدقيقة، يتطلب التعافي من المستهترين الكف عن العبث بأرواحهم وأرواح الآخرين وعدم التهرب من استحقاق أخذ المطعوم. ويتطلب من المسؤولين احترام الأولويات المعرّفة في البروتوكولات العالمية، واستدعاء الأخلاقيات والتخلي -ولو مرة- عن انتزاع الاستحقاق بالنفوذ، أو الواسطة أو الأثرة، لعل الفرج يكون قريباً.