التمويل الأخضر لمشاريع مستدامة

إن تقييم السياسات ومسارات الاستثمارات المراعية لتغير المناخ، من شأنها أن تطلق الطاقات الاقتصادية الكامنة للمملكة، وتعمل على تحسين النواتج التي يسعى إليها الشعب الأردني، ويشمل ذلك الحلول المتكاملة للتحديات المشتركة بين المياه والطاقة والأمن الغذائي، وتعزيز قدرة النقل والمدن على خفض الانبعاثات الكربونية والصمود في مواجهة الصدمات، وإطلاق التمويل لتحقيق التنمية المراعية للمناخ وخلق فرص العمل، مع ضمان استدامة المالية العامة في الوقت نفسه.

اضافة اعلان


وبين تقرير المناخ والتنمية الخاص بالأردن الصادر عن مجموعة البنك الدولي، أن الأردن يحتاج إلى استثمارات بقيمة 9.5 مليار دولار في مواجهة شح المياه الشديد والنمو السكاني السريع ومحدودية قاعدة موارده الطبيعية، ولذلك تحرك الأردن مبكراً واضعاً الالتزامات المناخية والعمل المناخي في صميم نموذج التنمية في المملكة. ووفقاً للتقرير، هنالك حاجة لحلول تمويل مبتكرة مرتبط بالحوكمة البيئية من أجل تحقيق الأهداف الطموحة للمملكة على صعيد العمل المناخي، وتعزيز التنمية للمضي قُدماً نحو تحقيق التنمية منخفضة الانبعاثات الكربونية وتشجيع اقتصاد أكثر خضرة ومراعاة للبيئة.
وفي الوقت الذي تراجعت فيه التحديات المتعلقة بفيروس كورونا، واجه الاقتصاد العالمي عددا من التحديات المتداخلة والمستمرة بما في ذلك أزمة الأمن الغذائي، وتحديات الوصول إلى المياه والطاقة، وارتفاع مستويات الديون، مما أثر بشكل مباشر على التنمية في البلدان ذات الدخل المنخفض، مما يتطلب دورا اكبر من بنوك التنمية متعددة الأطراف، التي تعتبر أحد السبل الرئيسية لدعم التنمية المستدامة عالمياً، وذلك عبر توفير حلول لقضايا التنمية، عبر تقديم جهود منسقة عالمياً وأكثر طموحاً ومدفوعة بأولويات البلدان على المستوى الوطني.


المتحمسون لقضايا المناخ يقرون بالتحديات التمويلية ويبحثون عن حلول مالية مناسبة، حيث يحتاج العالم إلى 5.9 تريليون دولار لتمويل مشاريع البيئة والمجتمع بحلول 2030، فعلى الرغم من إصدار وثيقة المبادئ العامة للسندات الخضراء من قبل منظمة الأسواق المالية العالمية، إلا أن العملية ما تزال تواجه عدة تحديات من ارتفاع تكلفة الفائدة وشح السيولة، وكذلك صعوبة تحديد المشاريع المستحقة للتمويل الأخضر.


تستطيع المؤسسات المالية الدولية إثراء معلومات الحكومات والمواطنين والقطاع الخاص وشركاء التنمية وتمكين المشاركة في أجندة التنمية والمناخ. من خلال تقييم المخاطر المتصلة بتغير المناخ والكوارث وآثارها على البيئة، وكذلك اعتماد المعايير البيئية للشراكات بين القطاعين العام والخاص، وحشد الشراكات الدولية لتحقيق انتقال عادل للطاقة وبناء أنظمة مائية وغذائية أكثر مرونة عن طريق الأدوات المالية الفعالة، اهمها السندات الخضراء التي تدعم التحول نحو الاقتصاد النظيف في المنطقة ومواجهة التحديات الاجتماعية والاقتصادية المعقدة.


إن إمكانات نمو السندات الخضراء كبيرة، فقد بدأ إصدار السندات الخضراء في عام 2008 استجابة للقلق المتزايد بشأن تغير المناخ والاستدامة. وقامت مجموعة من صناديق المعاشات التقاعدية السويدية بالتواصل مع البنك الدولي بحثاً عن مُنتجِ دخلٍ ثابت يتسم بالسيولة وقابلية التداول ومن شأنه أن يساند الحلول المراعية للمناخ. ومهدت تلك اللحظة الطريق لأول سند أخضر يصدره البنك الدولي، وبالتالي اعتمادها في الأسواق المالية، حيث بلغ حجم سوق السندات الخضراء 2.5 تريليون دولار، ومن المتوقع أن تحقق بنهاية 2023 أعلى حجم لإصداراتها، بحسب مجموعة بي إن بي باريبا المصرفية.
تشكل السندات الخضراء في الأسواق الصاعدة فرصةً جذابة ومتزايدة للمستثمرين في أدوات الدخل الثابت، حيث تميز الجهات المصدرة للسندات وثائق اعتمادها الخاصة بالاستدامة بأهداف مُحَسَّنَة وأطر واضحة للتصدي للتحول المناخي ومخاطر المناخ، فضلاً عن أهداف الاستدامة الأوسع نطاقاً، حيث كشف تقرير شركة بوسطن كونسلتينغ (BCG) ، ارتفاع معدل إصدار السندات الخضراء من جانب حكومات الشرق الأوسط بأكثر من 4 مرات خلال عام 2021 مقارنة بعام 2020، رغم النقص النسبي في تنظيم الأدوات المالية الخضراء.


التمويل الأخضر بحاجة الى تشريعات وقوانين، تمكن البنوك والصناديق الاستثمارية من تطوير وإتاحة آليات ومنتجات مالية مبتكرة تراعي وتدعم الجهود الدولية وجهود الحكومة في تحفيز الاستثمارات الخضراء والتمويل المناخي، تسمح بإصدار أنواع مختلفة من السندات المستدامة التي تدعم الأعمال التي تتوافق مع أنشطة التنمية المستدامة، وتعزز استثمارات رأس المال الخاص، من خلال تحسين عوائدها وتقليل مخاطرها، وزيادة الشفافية بالإفصاح عن الممارسات البيئية والاجتماعية والحوكمة (ESG). 


بالإضافة إلى استكمال الأعمال اللازمة لتفعيل السوق الطوعي لتداول شهادات خفض الانبعاثات الكربونية والذي يحفز الكيانات الاقتصادية المختلفة بتخفيض انبعاثاتها من الغازات الدفيئة عبر تمكينها من إصدار شهادات ائتمان كربون عالية الجودة، تتماشى مع معايير (كورسيا) المسجلة في برنامج (فيرا)، بما يسهم بدعم الشركات والقطاعات في المنطقة، ولتمكينها من الوصول إلى الحياد الصفري، بالإضافة إلى ضمان شراء أرصدة الكربون لتخفيض الانبعاثات الكربونية في سلاسل القيمة.

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا