إستراتيجية الأردن للهيدروجين الأخضر

يسعى قطاع الطاقة العالمي لإعادة تشكيل نفسه على إثر الضغوطات التي يواجهها؛ لذلك شرعت العديد من البلدان في جميع أنحاء العالم نحو الهيدروجين الأخضر، حيث يوصف الهيدروجين بأنه «وقود المستقبل». ومع الزخم العالمي لتحقيق إزالة الكربون المترافق مع طرح أهداف وتشريعات جديدة والتقدم الحاصل في مجال تكنولوجيا انتاج الهيدروجين، بات بمقدورنا تحقيق ذلك المستقبل اليوم. ومع هذه المجموعة الواسعة من الاستخدامات الممكنة، فمن المتوقع أن يصل الطلب العالمي على الهيدروجين الأخضر إلى حوالي 30 مليون طن سنوياً بحلول عام 2030، ومواصلة النمو بشكل كبير ليبلغ 610 ملايين طن سنوياً بحلول العام 2050. 

اضافة اعلان


ومن شأن الهيدروجين النظيف إحداث تحول بالغ في البيئة الجغرافية-السياسية للطاقة كما نعرفها اليوم. وقد يكون الأردن مركزاً مهماً لإنتاج وتصدير الهيدروجين، تماشياً مع الرؤية الملكية، وأن يصبح من كبار مصدري الوقود الأخضر أو من مواقع التصنيع الأخضر لقيادة التكنولوجيا في قطاعات مهمة من سلسلة القيمة للهيدروجين. وبوجه عام، يمكن لتوسيع نطاق الهيدروجين النظيف أن يعزز المنافسة الجغرافية الاقتصادية القوية، وأن يشجع وجود تحالفات وأوجه تعاون جديدة، ويشكل نقاط قوة جديدة في مراكز إنتاج واستخدام الهيدروجين المستقبلية. فالوكالة الدولية للطاقة والوكالة الدولية للطاقة المتجددة، تتوقعان أن يلبي الهيدروجين من 12 % إلى 13 % من الطلب النهائي على الطاقة بحلول 2050، صعودا من صفر تقريبا في الوقت الحالي.


وتشير تحليلات IRENA إلى أن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لديها أعلى إمكاناتٍ فنية لإنتاج الهيدروجين الأخضر في العالم، بلغت 2,023 إكساجول. وحسب دراسة مجلة «Energize» العلمية، يستطيع الأردن إنتاج ما يصل إلى 709,560 طنا في السنة، وكذلك تقليل انبعاثات الكربون بواقع 3042 طنا في السنة. إذ يمكن استخدام مياه البحر الأحمر كمصدر للمياه في عملية إنتاج الهيدروجين الأخضر، بالإضافة إلى ذلك، يمكن لميناء العقبة دعم عمليات تصدير ونقل الهيدروجين من خلال توفير البنية التحتية لتخزينه ونقله وتوزيعه.


وبناءً على هذه الإمكانات الهائلة واحتياجات السوق، يهدف الأردن لإطلاق إستراتيجية وطنية للهيدروجين الأخضر، يمكنها أن تصبح رائدة عالمياً في مجال الطاقة. ولتحقيق ذلك، ستتبنى المملكة نهج المبادرة واتخاذ الخطوات السباقة من خلال التطوير والاستثمار في مشاريع إستراتيجية وبناء منصات قابلة للتوسع والتطوير في الأسواق الرئيسة. ما يؤكد النهج الحكومي لمعالجة أزمة المناخ، وتحقيق شبكة كهرباء خالية من الكربون، واقتصاد خالٍ من الانبعاثات بحلول العام 2050، بالإضافة إلى تطوير صناعة الهيدروجين الأخضر المحلية بما يحقق قيمة كبيرة ويسهم في تنويع الاقتصاد، وبناء صناعات عالية القيمة.


هذه الإستراتيجية يجب أن تشكل إطار عمل مستدام لتسريع إنتاج الهيدروجين النظيف ومعالجته وتسليمه وتخزينه واستعماله، بوصفه ناقل طاقة متعدد الاستعمالات ومرن يُمكن إنتاجه دون أيّ انبعاثات، والتي ستضمن استعمال الهيدروجين النظيف في القطاع الصناعي، والنقل، وتخزين الكهرباء طويل الأمد للتهيئة لشبكة نظيفة. كذلك ستركّز الإستراتيجية على خفض تكلفة الهيدروجين النظيف عن طريق تحفيز الابتكار، وفتح التنافس لجذب استثمارات القطاع الخاص، وتطوير سلسلة توريد الهيدروجين النظيف والصناعات المصاحبة، ما يتيح الاستفادة القصوى من الاستثمار في البنية التحتية، وتسهيل انطلاق السوق، مع الاستفادة من الفرص القائمة على المكان لتحقيق الإنصاف والإدماج والعدالة البيئية.


كذلك يعتبر تحويل شبكات نقل وتوزيع الكهرباء الأردنية إلى شبكاتٍ كهربائية ذكية عاملاً مهماً لتطوير الهيدروجين الأخضر في الأردن. حيث تستخدم تقنيات رقمية لمراقبة وإدارة تدفق الكهرباء من التوليد إلى الاستهلاك، وبالتالي تحسين كفاءة وموثوقية وأمان واستدامة النظام الكهربائي من خلال دمج مصادر الطاقة المتجددة وتمكين الاستجابة للطلب وتقليل الخسائر والانقطاعات وتسهيل التجارة عبر الحدود.


وهنا تكمن حاجة الأردن لتطوير اقتصاد الهيدروجين وحاجتها إلى تلقي الدعم اللازم فيما يتعلق بالآليات والإطار المؤسسي اللازم والتكنولوجيا والإطار القانوني والتشريعي لتحفيز مشروعات الهيدروجين ومشتقاته من الأمونيا الخضراء والميثانول، وكذلك توقيع اتفاقيات التعاون مع المُطورين الدوليين في ظل توافر الموارد الهائلة من الطاقة المتجددة. حيث يتطلب هذا الإنتاج واسع النطاق لتنفيذ مشروعات عملاقة لطاقة الرياح والطاقة الشمسية حشدًا ضخمًا للعديد من أنواع الموارد المستدامة والتقنيات الداعمة للمناخ، وتسويق الأردن خلال استضافة الإمارات لمؤتمر الأطراف «COP-28».


تحتاج المملكة إلى النظر في نوع الحوافز والمساعدات التي يحتاجها اللاعبون في مجال الهيدروجين الأخضر من أجل المساعدة في جذب المزيد من الاستثمارات بها، تشتمل على الإعفاءات الضريبية والجمركية، كذلك دمج الإجراءات لضمان تحقيق جميع المصالح المشتركة، وإنشاء كيان واحد مختص لمشروعات الهيدروجين، كي يستطيع المستثمرون المهتمون التعامل مع جهة واحدة لديها كل الصلاحية التي تمكنها من إنجاز كل ما يحتاجه القطاع. وايضا تمكين تنمية رأس المال البشري من خلال البرامج التعليمية والدورات التدريبية الخاصة بالقطاعات لدعم تنمية المهارات والكفاءات. فهذه الطاقة ستخلق أكثر من 100 ألف وظيفة جديدة.

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا