"السلطة"/ "فتح".. رهان "خاسر-خاسر"..!

تطرح الهجمة الوحشية على الشعب الفلسطيني في غزة مرة أخرى سؤال مكان «السلطة الفلسطينية» في قضية التحرر الوطني الفلسطيني. وكما يبدو، لا يقتصر موقف «السلطة» من المعركة المصيرية الحالية على تجنب المشاركة في الصراع والوقوف متفرجة على مذبحة الشعب الذي «تمثله»، وإنما تتلقى الشكر، من بلينكن مثلا، على «إبقاء الضفة هادئة». وعندما يشكرك عدوك الصريح الذي يتزعم المذبحة ضد شعبك على موقفك، فإن هذا يحدد إلى حد كبير انحيازك.

اضافة اعلان


عندما يستنجد أهل غزة بأحد ربما يغيثهم مما هم فيه، فإنهم يستغيثون حتى بالدول العربية، على طريقة (لا سمحَ الله)؛ بالعالم الإسلامي؛ وبالعالم الحر، وإنما ليس بالقيادة الفلسطينية ومؤسستها. وكأن أهل غزة نفضوا أيديهم تماما من إمكانية أن ينتصر لهم مواطنوهم المفترضون الذين انفصلوا عن تاريخهم النضالي القديم وأنكروه وعن أي تقدير عاقل لديناميات الصراع ومساراته التي لم تخدم على مدى 30 عاما سوى العدو.


الآن، تحاول «السلطة» أن تجد لنفسها دورا في مرحلة «ما بعد سحق المقاومة» الفلسطينية. ويعرف القاصي والداني أن الشعب الفلسطيني مستهدف كله في أي مكان يكون فيه، بما في ذلك الضفة المحتلة. وأن شرط «الحياة» للفلسطيني هو أن لا يكون محايدا فحسب، وإنما أن يكون بلا أي ملمح للفلسطينية في شخصيته ومستعدا لعدم إزعاج المستوطنين والمستعمرين بكلمة ولا فعل.


لكنّ الفلسطيني في أي مكان لا بُد أن يتساءل بينما تستمر المذبحة في غزة: كيف لا يتحرك شيء في مقاتلي/ شرطة وأمن «فتح»/ «السلطة» أصحاب البنادق؟ هل «طق شرش» الغيرة والحياء؟ ألم يكتفوا من الإذلال والاتهام، حتى من يهود تقدميين، بأنهم عملاء عند الاستعمار وأن بقاءهم مشروط بالعمل بشروطه؟ وبعيدا عن عاطفة الوطنية الطبيعية: ألا يرون أنهم الهدف التالي؟ أنهم الهدف الحالي والسابق؟ أيستمرئون دور المتفرج على ذبح شعبهم طمعا في قبض ثمن الصمت في شكل دور إضافي في مشروع تصفية فلسطين؟


ربما يكون في الحقيقة أوفياء وأخلاقيون إلى حد الخجل من استعمال البنادق التي زودتهم بها أميركا لغير ما منحتها لهم لأجله: رفعها على مواطنيهم حصرا لقمع الاحتجاجات ضد الاحتلال و»السلطة»؛ لإحباط عمليات المقاومة ضد الاحتلال؛ لإخضاع واعتقال المقاومين وأصحاب الآراء الأخرى من الفلسطينيين؛ ربما.


منذ «أوسلو»، أصبح الشعب الفلسطيني هو فقط «فتح» والمؤيدون لخط «فتح» الجديد. أما ملايين الفلسطينيين في الوطن والشتات، الذين لا يؤيدون نهجها وليسوا أعضاء فيها، فليسوا فلسطينيين لأنهم ليسوا «الشعب» الذي تمثله. ومع ذلك، تطرح الحركة من موقع «السلطة» المقبولة لدى «المجتمع الدولي» المعادي بوضوح للفلسطينيين، رؤيتها غير الشعبية باعتبارها رؤية الشعب الفلسطيني –رؤية المسكنة والتنازل المطرد عن الحقوق. ومن المستغرب ألا تكون تجربة الثلاثين عاما الماضية من الفشل المطلق، قد أقنعت أحدا من كل عشرات آلاف الفلسطينيين العاملين مع «السلطة» بتغيير رأسه والوقوف مع أبناء شعبه في وقت المحنة على الأقل.


كتب جوناثان كُتاب، الناشط الفلسطيني في حقوق الإنسان وناشط السلام:
«بعد وفاة عرفات، ومع الافتقار المخيب للآمال لإحراز تقدم في «عملية السلام» وتعليق المفاوضات مع إسرائيل في نهاية المطاف، نشأ وضع جديد. كان الناشطون في «فتح»، ومن بينهم سجناء سابقون ومقاتلون عائدون من منظمة التحرير الفلسطينية، يحصلون على وظائف ومناصب داخل السلطة الفلسطينية، بينما يتركون المعارضة الفعلية للاحتلال لـ»السلطة الفلسطينية» في شكل المفاوضات مع إسرائيل».


ويضيف كُتاب: «كانت القواعد غير راضية بشكل متزايد عن إدارة «النضال الوطني» وعن فساد حجز مناصب قوية لقيادة فتح القديمة. ومع ذلك، فإن ثقافة النظر إلى المناصب في الحكومة على أنها مكافآت على الولاء، بدلا من كونها مناصب خدمة شعب فلسطين، أصبحت جزءا من ثقافة «فتح»، على الرغم من استمرار خيبة الأمل والنقد لمثل هذه الثقافة باعتبارها فاسدة». ‏


اليوم، يقترح الأميركيون أن «السلطة» في حاجة إلى إعادة تأهيل لتصبح أكثر انسجاما مع التصورات الأميركية المعروفة لمستقبل الفلسطينيين. ويهاجمها قادة العدو الصهيوني باعتبار أنها لا تفعل ما يكفي لإخضاع الشعب الفلسطيني، برغم أن قوات الاحتلال تقتل مواطني «السلطة» بالمئات وتعتقلهم بالآلاف في كل مناطق السلطة دون أن يرفع «أمن» السلطة أصبعا لحماية شعب السلطة.


كتب ناثان براون، أستاذ العلوم السياسية والشؤون الدولية في جامعة جورج واشنطن:


«السلطة الفلسطينية قوة بائدة. ومنظمة التحرير الفلسطينية مجرّد قوقعة فارغة... حركة «فتح»، ولا سيما في الضفة الغربية، ما تزال منظمة منقسمة حول الأشخاص والسياسة. وقد خسرت أيضا جزءا من صدقيتها، وليس لديها توجّه واضح... هل ستلجأ أجزاء من»فتح» إلى المقاومة المسلحة؟ هل ستبرز فتح من جديد في غزة، بعدما كانت حماس قد أبقتها تحت السيطرة»؟


حتى الآن، اختارت «السلطة»/ «فتح» خيار (خاسر-خاسر). فلا هي في خندق شعبها الذي لن يسامحها على موقف المتفرج ولن يقبلها على الإطلاق، كما أحسب، ولا هي ستُحصِّل أي مكاسب وطنية للشعب الفلسطيني –حتى على حساب دماء المناضلين الفلسطينيين -بنهجها المجرّب. وعلى الأغلب، ستخرج هذه التركيبة المضطربة من رهانات الشعب الفلسطيني برسوبها الفادح في اجتياز فحص الفرز الذي لا يكذب في معركة غزة.

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا