انهيار السلطة "زعتري 2"

حسب اتفاقيات أوسلو كان نجاح السلطة الفلسطينية يعني أن تنتهي خلال خمس سنوات من تاريخ تأسيسها في عام 1994، يتم خلالها التفاوض مع إسرائيل للوصول لحل الوضع النهائي، وهو للفلسطينيين إقامة دولة فلسطينية على حدود السادس من حزيران وعاصمتها القدس الشرقية.

اضافة اعلان


اليوم، وقد بلغ عمر السلطة حوالي الثلاثين عاما، تبين أن الحل النهائي بالنسبة لإسرائيل هو أي شيء سوى دولة فلسطينية، مع استمرار كسب الوقت - تحت شعار عملية السلام - لقضم الأرض، وذلك بزرع المستعمرين في الضفة والقدس، والذين بلغ عددهم الآن حوالي مليون مستعمر، ودوليا إلقاء كرة حل الدولة الواحدة أو الدولتين في ملعب العلاقات الدولية لتتلهى به الدول، وتعقد له الورش والمؤتمرات، بينما تعمل إسرائيل لتكريس دولة يهودية تمثل النموذج الجديد لدولة الفصل العنصري!


دور السلطة الفلسطينية حاليا اقترب كثيرا من أن يكون هيئة إسرائيلية لشؤون “السكان” الفلسطينيين، تكفي إسرائيل مؤنة إدارة حوالي ثلاثة ملايين فلسطيني، تحفظ الأمن بينهم، وتقدم لهم الخدمات الأساسية من مواصلات وصحة وخدمات بلدية وغيره، ولها نظام قضائي ومحاكم تقضي بين الناس، والأهم أنها تقوم بالتنسيق مع إسرائيل أمنيا لضبط إيقاع المقاومة الشعبية والفصائلية.


منذ عقدين من الزمان وأمام فشل الوصول لحل نهائي، ومحاصرة السلطة والسيطرة عليها وإفشال إسرائيل لنموذج السلطة شعبيا؛ وبالتالي نجاح نموذج حماس، يطرح موضوع انهيار السلطة الفلسطينية، وقد هدد به الرئيس عباس غير مرة، كأنه يهدد إسرائيل بـ “الفوضى الفلسطينية” وبإعادة الاحتلال الإسرائيلي المباشر للضفة الغربية، بما في ذلك من مخاطر على دولة إسرائيل أمنيا واقتصاديا ودوليا.


القرار الدولي الأميركي، ومن ورائه الأوروبي هو استمرار السلطة بدورها “البلدياتي” والتنسيق الأمني، وقد دفعت هذه الدول في هذا المشروع ملايين الدولارات، واعتقد أنها غير قلقة من مغادرة عباس، وقد تقدم لشغل المنصب عندها أكثر من شخص، وجاهز ليحل محل الرئيس عباس.


إسرائيل اليمين أضعفت السلطة، وتضيق عليها ماليا، حتى أن الأخيرة تدفع رواتب منقوصة لموظفيها وأفراد الأمن عندها، وقد اشتغلت إسرائيل بذلك كوكيل دعاية وإعلام لحماس، وصارت حماس أمرا واقعا في الضفة الغربية، ولو أجريت انتخابات حرة في الضفة، فإنها مرشحة للفوز بفرق كبير! والواقع السياسي صار واضحا على الأرض باستحالة حل الدولتين، وأن أي حل - إن كان لا يتضمن طرد الفلسطيني-، فإنه سيكون “حل السجن” وهو تشكيل سجن شعبي كبير في الضفة الغربية تماما مثل سجن غزة.


السجن قائم حاليا في الضفة، والعمل جار على تطويره نحو مزيد من القمع والسيطرة ومحاولة طمس الهوية الفلسطينية السياسية، والأحلام الفلسطينية بدولة مستقلة، إضافة إلى تراجع المساعدات المالية للسلطة وتنزيل مستواها السياسي من قبل أميركا وإداراتها، هذا السجن هو قنبلة موقوتة بالنسبة للأردن وهو تهديد حقيقي للمصالح العليا الأردنية.


في مطبخ القرار السياسي الأردني هناك من ما يزال يرى أن حل الدولتين ما يزال ممكنا، وأن اتفاقية ما بقرار دولي ستقيم دولة فلسطينية، بغض النظر عن الواقع الفلسطيني، وقد يكون هذا صحيحا لحد ما، وصحيح أيضا أن الشعب الفلسطيني لن يقبل أي مشروع لوطن بديل، ولن يقبل أي مشاريع ترانسفير، ولكن تصرفات وزراء الحكومة الحالية وما يصدر عن مكتب نتنياهو من تصريحات يثبت أن “الخيار الأردني” حاضر في أجنداتها.


بأخذ معطيات الواقع ومضاعفات المواقف الدولية، فإنني أرى أن إنهاء السلطة أو استمرار عملها زمنيا هو قرار إسرائيلي، وإسرائيل من ستحدد ساعة الصفر لهذا الانهيار، وما نحذر منه هو أن حكومة اليمين الإسرائيلي -وقد أصبحت إسرائيل كلها يميناً- ستعمل في الوقت الملائم لها على قيام حالة فراغ أمني وإداري في الضفة بتحويلها لمنطقة كوارث وفوضى سياسية، تقيم حالة إنسانية واقعية تجعل الترانسفير للأردن ليس سياسيا، بل إنسانيا ومتطلبا دولياً، وقد نجد أنفسنا في حالة مشابهة لما حصل على الحدود السورية، حيث تضطر مؤسسات الدولة الى تيسير قبول “اللاجئين من الضفة الغربية”، ونقيم زعتري2! انتبه لهذا جنابك!!

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا