بعد عام استثنائي.. التعليم إلى أين؟

كان عاما صعبا. اليوم الخميس، يطوي امتحان الثانوية العامة أوراقه ويمضي، ويطوي معها عاما استثنائيا بجميع المقاييس، اختبر فيه الطلبة والمعلمون والوزارة ما لا يحصى من تحديات في ظل نمط غير اعتيادي من التعليم فرضته جائحة كورونا.اضافة اعلان
مضى العام، بحلوه ومره، بإنجازاته وأخطائه واخفاقاته. فهل يتوجب علينا أن نجلد أنفسنا على ما لم نستطع تحقيقه خلاله؟ هل ينبغي لنا أن نكون سوداويين فقط فلا نلاحظ النصف الممتلئ من الكأس؟
في التعليم عن بعد، وفي امتحان التوجيهي حدثت أخطاء كثيرة. بعضها كان يمكن تلافيه، وكان يجب أن يأتي بصورة أفضل مما تم تقديمه، خصوصا من قبل وزارة التربية والتعليم؛ الممثل الشرعي الوحيد لإدارة عملية التعليم في الأردن. لكن إرباكات أخرى لم يكن من الممكن تجنبها، في ظل الخضوع لحظر وإجراءات فرضتها الجائحة على العالم كله، وتوجه للتعليم عن بعد، وجدت الدولة نفسها أمامه بلا سابق إنذار. فقدمت، وضمن إمكانياتها، ما رأت أنه مقبول وقادر على إدامة عملية التعليم.
ندرك جيدا أن نسبة من الطلبة لم يتمكنوا من الاندماج في عملية التعليم عن بعد. لكن عدالة الوصول إلى وسائل التعلم عن بعد وأدواته قضية تتعدى مسؤولية وزارة التربية بما هي مؤسسة ضامنة للتعليم، نحو مسؤولية المؤسسات الرسمية جميعها التي فشلت في توزيع مكتسبات التنمية بشكل عادل، فظهرت فجوات كبيرة قسمت المجتمع إلى فئات تم تصنيفها على أساس طبقي؛ كمجتمعات غنية، ومتوسطة، وجيوب فقر.
هذا الأمر لا تتحمل مسؤوليته وزارة التربية والتعليم. وليس من واجبات الوزارة توفير أجهزة ذكية أو أجهزة تلفاز للطلبة وعائلاتهم. في مسألة كهذه ربما تتجه أنظارنا نحو وزارة التنمية الاجتماعية، أو وزارة التخطيط. وتتجه أيضا نحو منظمات مجتمع مدني تعمل ببرامج ضبابية لم نر حتى هذه اللحظة أثرها الحقيقي على أرض الواقع، وكان يمكن لها أن تضع بصمتها أثناء الجائحة من خلال استهداف المجتمعات الفقيرة. ولا ألغي هنا قيمة الجهود والمبادرات المقدمة من بعض هذه المنظمات، لكنني أقول إن هذه الجهود كانت هزيلة وعشوائية وغير منظمة فبقيت محدودة الأثر.
نستطيع إذن إعفاء وزارة التربية والتعليم من المساءلة عن كثير من الإرباكات التي حدثت خلال العام الدراسي الماضي، كون الجائحة لم تستأذن أحدا، ولم تمنحنا فرصة طويلة للتفكير بآليات تدبر الأمور، واضطرت الوزارة معها إلى اتخاذ قرارات وإجراءات لم تملك حيالها خيارات كثيرة.
لكن الوزارة لا بد ستكون مسؤولة عن تقييم التجربة، والتأشير بوضوح على جميع نقاط القوة التي امتلكتها، مرفقة بنقاط الضعف التي ظهرت جلية. كما ينبغي لها أن تضع خطة واضحة لتلافي الضعف في العام الجديد، وخطة أيضا لتعويض الطلبة عن الفاقد التعليمي جراء إخفاقات أو إرباكات العام الماضي.
اليوم تزف الوزارة إلينا خبر عودة الطلبة إلى مدارسهم في الأول من أيلول المقبل، واعتماد التعليم المباشر في المدارس، مع إبقائها الباب مفتوحا على كل الخيارات لمواجهة أي طارئ، بما في ذلك التعليم المدمج، والتعليم عن بعد كخيار أخير.
هذا التعدد والتنوع في الخيارات أمر صعب جدا. ندرك ذلك تماما، ويمكننا القول بأن قلوبنا مع الوزارة وهي تخطط لهذه الخيارات. نقول: قلوبنا معها اليوم، فهي تملك الوقت الكافي للتخطيط ولوضع الاستراتيجيات لكل خيار. لكننا غدا لن نتعاطف ولن نسامح ان اشتملت العملية على أخطاء كان يمكن تجنبها.
وزارة التربية والتعليم هي أكبر مؤسسة مدنية وطنية، وقد سوقت التعليم الأردني في كل العالم، ووضعت بصمتها بوضوح في معظم دول العالم العربي. لذلك نحن نؤمن أن بإمكانها القيام بهذا الدور الكبير بلا أخطاء وبدون خسائر. فوزارتنا لديها من الإمكانيات والكوادر ما يؤهلها لذلك. ونحن لا نريد أن نتبع درب المتنبي بالقول « ولم أر في عيوب الناس شيئا … كنقص القادرين على التمام».