حرب المخدرات، مثلا.. والمعضلة الأخرى!

الحرب ضد المخدرات تدور، في الأساس، حول حماية المجتمع، والحفاظ على فاعليته وتماسكه. وفي الوقت الذي تجتهد فيه دول وأنظمة وميليشيات بإغراق البلد بكميات ضخمة من هذه السموم، يواجه الأردن الرسمي معضلة أخرى حقيقية، تكمن في "ضعف التعاطف" الشعبي مع النضال الرسمي لمحاصرة الظاهرة التي غرقنا فيها منذ عقد تقريبا.

اضافة اعلان


تكمن الأسباب، المسكوت عنها في الغالب، إلى عدم امتلاك نسبة لا بأس بها من الأردنيين مفهوما جامعا للهوية، والتشوه الذي يطال مفهوم المعارضة للسلطة، والفجوة بين الشارع والسلطة.


رغم أكثر من قرن على نشوء الدولة الأردنية، إلا أن الهوية الجامعة لم تتشكل بعد، ولهذا أسباب كثيرة، أهمها "عدم توحيد الرؤية" تجاه الدولة الأردنية، إذ ما تزال نسبة كبيرة من الأردنيين تنظر إلى الأردن على أنه "كيان مصطنع مؤقت"، وأنه لا يمتلك المشروعية نفسها التي تمتلكها البلدان الأخرى، كسورية والعراق ومصر، وحتى لبنان. هذا الأمر يمنع من التعاطي بموضوعية مع التهديدات التي تحيط بالأردن، وغالبا ما يجعل هذه الفئة تنحاز ضد المصالح، حتى لو كانت برأيها هذا تنحاز إلى الدكتاتورية.


هذا الانحياز الأعمى، يجعل من السهل على أصحابه التبرير للنظام السوري، ومنحه تعاطفا لا محدودا، وترديد الأسطوانة المشروخة نفسها والقائلة بـ "الاستهداف". غير أن سلوك أردنيين تجاه أنظمة عربية ضد توجهات بلدهم، لا يتوقف عند الأزمة الأخيرة لسورية، فقد رأيناه في مفاصل تاريخية عديدة، حتى أن بعضها كان يحمل تحديات كبيرة كتوجيه جيوش وغزو الأراضي الأردنية، ومع ذلك لم تتورع فئة كبيرة من الانحياز ضد المصالح الوطنية.


الأمر يؤشر بوضوح إلى غياب مفهوم الهوية الوطنية الجامعة، وهو أمر لا تتحمل مسؤوليته الجهات الشعبية وحدها، بل والدولة كذلك، فالهوية الجامعة تتشكل من مفاهيم العدالة والمساواة في الفرص، وسيادة القانون على الجميع، وهي ممارسات لم تتجذر حتى اليوم في الأردن، ما يجعل نسبة لا بأس بها من الأردنيين ترى نفسها خارج المعادلة الوطنية، بالتالي تمارس قناعاتها وفق رؤيتها الخاصة.


في مسألة المعارضة والسلطة، نرى شرخا واضحا في زاوية النظر الشعبية لهذا الأمر. مفهوم المعارضة ينبغي أن يقوم على نقد سياسات الدولة؛ السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وطرح بدائل موضوعية لها. غير أن ما تمارسه التنظيمات التاريخية عكس ذلك تماما، فهي تعارض وجود الدولة من الأساس، وتقلل من شأن وفرص بقائها، وقد رأينا كيف تجلى ذلك في أوقات تاريخية مفصلية؛ إبّان المد الناصري، وأيضا في أعقاب فوز "الإخوان المسلمين" برئاسة مصر، كمثالين واضحين على سلوك المعارضة.


ممارسات التنظيمات الأردنية والعابرة للحدود، "ألهمت" الجماهير إلى سلوك معارضة غير صحيّة، وقللت من شأن الأردن لمصلحة دول وتنظيمات أخرى، بحجج متهالكة، وتحت عناوين "شعبوية" خاطبت العواطف، رغم أنها لا تستطيع الصمود أمام المنطق.


في مسألة الفجوة القائمة بين الشارع والسلطة، يكمن الخلل في ضعف التمثيل الشعبي الحقيقي لإرادة المواطن. مجالس النواب، مثلا، قدمت أداء هزيلا، حتى في مفاصل تاريخية، وظل قرارها غير نابع من القواعد الشعبية، لذلك تراجعت الثقة بها لدى الشارع، إلى الحد الذي طرح بعضهم الاستغناء عنها وتوفير المخصصات المالية التي تصرف عليها.


المواطن يستطيع أن يقدم تضحيات كثيرة في سياق العمل الوطني الذي يقتنع به، لكنه يريد أن يرى نفسه مشاركا في القرار. ردم هذه الفجوة، ينبغي أن يتم من خلال تعزيز الثقة بمجلس النواب، بانتخبات نزيهة، وأداء لا يتم التدخل فيه. ربما بهذه الطريقة نستطيع أن نعيد ثقة الشارع تدريجيا بالسلطة.


لو أن أجهزة الدولة أجرت استفتاء شعبيا حقيقيا حول تهريب المخدرات من سورية للأردن، فلربما تفاجأت من حجم التشكيك بالأرقام التي توردها تباعا. ولو عمدت إلى إجراء استفتاء حول استضافتها للاجئين السوريين، فستكتشف أن المواطن يعتقد أن الدولة الأردنية كسبت المليارات من وراء ذلك، رغم أن الأرقام تنشر من قبل هيئات أممية. ولو تتبعت أي مسألة تكون السلطة طرفا فيها، لاكتشفت عدم الثقة بأي رواية تخرج عنها.


حقيقة مثل هذه ينبغي أن لا يتم المرور عنها بسرعة، فهي تشكل ظاهرة خطيرة يمكن لها أن تنخر عميقا في الجذور. وبالعودة إلى مثال "حرب المخدرات"، فسيكون مقبولا جدا عدم الاتفاق على قانون مثل الجرائم الإلكترونية، الذي يورد تعريفات فضفاضة لبعض المخالفات، ويمنح السلطات "أريحية" بتفسير وتكييف التهم. لكن حربا تخوضها المؤسستان العسكرية والأمنية لحماية المجتمع والوطن ينبغي أن لا تكون محل اختلاف أو نقاش. إنها، ببساطة، حرب من أجلي وأجلك.

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا