حكومة الرزاز بين القبول والرفض

ربما لم تحظَ حكومةٌ من قبل بهذا الاستقبال الشعبيّ المضطرم كما حظيت حكومةُ الرزاز، وهذا بحدِّ ذاته مؤشِّرٌ إيجابيّ، في رأيي، من ناحيتين؛ الأولى، هي وعيُ الشَّعب الذي مثّلته الشرائح التي اعتصمت في الدوار الرابع قبلَ وبعد إقالةِ الحكومة السابقة، وانخراطُه في بلورةِ خطابٍ سياسيٍّ انتقل من "إسقاط حكومة الملقي"، كمطلبٍ فوريّ، إلى "تغيير النّهج" السياسيّ في الحكم، كمطلبٍ نهائيٍّ. والثانيةُ، وضعُ هذه الحكومةِ، وأيِّ حكومةٍ مقبلةٍ، في وضعِ المساءلةِ الشعبيّة التي لا هزلَ فيها، بحيثُ ينتقلُ الرقيبُ الخارجيّ (الذي هو الشعب) ليصبحَ رقيباً داخليّاً؛ أي ضميراً للحكومةِ لا مناص من أن يكون مستيقظاً.اضافة اعلان
ولكنَّ هذا الاستقبالَ الشعبيَّ ليسَ جميعُه متفائلاً مستبشراً، أو محيِّياً مُرحّباً، فقد أتى هذا الاستقبال على درجاتٍ ثلاثٍ؛ من الترحيب بالرزاز والثقةِ فيه وفي خياراته، إلى خيبةِ أملٍ جزئيَّةٍ ولكن "لتُعطَ الحكومةُ فرصةً"، إلى الرفض التام على أساس أن "المكتوب مقروءٌ من عنوانه"، وأن لا خير في 15 وزيراً ووزيرةً من الحكومة السابقة قد حصلَ تجريبهم/ن، وأنَّ سيرةَ الرئيس المكلَّف تنبئُ عن اتجاهٍ نحو مصالح البنك الدوليّ والليبراليّة الجديدة، وأنَّ بعضَ الوزراء الجدد لا يستحقُّ التوزير، وأن ثمةَ إملاءاتٍ على الرزاز من الدولة العميقة (وهذه بعض ملاحظاتُ اليسار المتشدّد).
ومن نافلِ القولِ أنَّ عدداً من الانتقادات والملاحظات الشائعةِ لا يجانبُها الصوابُ؛ فخيبةُ الآمال كانت قاسيةً على شرائح كانت تنتظر تشكيلةً جديدةً كلّياً و"من خارج الصندوق"، وهو أمرٌ يحدث، ضمن معطيات الواقعِ الأردنيّ، في الأحلام فقط. بل هناك من "نصح" الرزازَ بُعَيْدَ تكليفِه بأن لا يقبلَ التكليفَ "حتى لا يُمنى بالإخفاق، لأن الإخفاقَ واضحٌ ومقروء"! ومع خيبةِ الأملِ الجزئيّة إلا أن هذه الشريحة، التي رأيتُ من متابعتي لمنابر التواصل الاجتماعيّ أنها الأكبر، قد منحت الرزازَ الثقةَ مشروطةً بالإنجازِ المأمول، الذي يتلخّصُ في القبضِ على الفاسدين، ووضع منهجيّة واضحةٍ لمنعِ الفساد، والنهوض بالاقتصاد وبالعدالة الاجتماعيّة وبالحريات، والإصغاء إلى نبضِ الشارع وهمومه؛ وكلٌّ من هذه يتطلّبُ حكماً شفافاً، ورؤيةً عميقةً وجرأةً على تخطّي التحديات.
ومن نافلِ القول أن التعليقات التي عبرت من العام إلى الشخصي، ومن النقدِ إلى الشتم والتشهير (وخصوصاً إذا كان أصحابُها من الملتزمين فكرياً)، لا تقعُ في خانة المطالبِ الشعبيّة ولا في خانة النقد السياسيّ، فهي (إن أحسنّا الظنَّ كثيراً) حالةٌ من الانفلات اليائس الذي يسهلُ حدوثُه إثرَ ضغطٍ طويل، مع أنَّ هذه الظاهرة في غالبِ الأحوال ليست سوى نقصٍ شديد في درجةِ الوعي الشعبي، بل وفي أخلاقِ الشاتمين ومفهومهم لمعنى الحريّة وحرية التعبير والسلوك الديمقراطي، وهو ما أردُّه إلى إخفاقٍ جذريٍّ في المنظومة التربوية التي لم تُعنَ بهذه الحيثيّة الجوهريّة في التواصل والتعبير، وإلى أنها وسيلةٌ شعبويّةٌ لِطَيْفِ الإسلام السياسي في ترويعِ خصومه.
وعليه، فيبدو لي أنَّ الأكثرية مع "إعطاءِ فرصةٍ" للحكومة الجديدة، مبنيّ جزئياً على ثقةٍ بشخص الرزاز وبعض وزرائه، وجزئياً على ضرورة الأمل في سياقٍ مرتبك. وذلك يستدعي من الحكومةِ ما تعلمه حقَّ العلم "الشفافيةَ" في التعامل، وعدم حجبِ المعلومات وتدفقها، و"تطويل البال" على أشكال النقد والهجوم، والعملِ على حل الأزمات التي أرهقت المُواطن/ة وجرّعته/ها مُرَّ الأسى.
لا ننتظرُ معجزةً، وما ينبغي لنا، ولكن ننتظر اختلافاً واضحاً عما ألفناهُ من سياساتٍ استبداديّةٍ يلفُّها الغموضُ، وإجراءاتٍ غيرَ تجميليّة تبشِّرُ بنهوضٍ. وإلا فالحراكُ جاهزٌ للاعتراضِ ولإثارةِ القلق.
دعونا لا نفقد الأمل!