محكمة "النصح" الدولية،،،

في قراءته العامة للقرار، يستبشر دولة الدكتور عون الخصاونة بقرار محكمة العدل الدولية بخصوص الحرب على غزة من حيث ان المحكمة قبلت الدعوى ولم تردها ابتداء، وفي تصريحات صحفية نسبت للدكتور الخصاونة - يؤيدها الدكتور الخبير انيس القاسم والباحث الرصين الأستاذ بسام أبو رمان-  يرى ان قرار المحكمة من حيث صياغته لا يمكن تنفيذه إلا بوقف اطلاق النار، اي ان الأمر بوقف إطلاق النار يستنبط من القرار استنباطا.  

اضافة اعلان


احتفت جنوب افريقيا بالقرار الصادر في قضيتها أمام المحكمة واعتبرته نصرا قانونيا وسياسيا- رغم انها عبرت عن خيبة امل ضمنية لعدم صدور قرار واضح بوقف اطلاق النار على غزة-،  أن جنوب أفريقيا هي الأحق بتقييم هذا القرار، بعد ان قدمت هذه الدعوى” فزعة”  قانونية وحضارية وانسانية لقضية ابادة الشعب الفلسطيني وعلى مرآى ومسمع اصحاب القضية؛ الأمتين العربية والإسلامية المتخاذلتين في اتخاذ اي جهد صادق لوقف الحرب والإبادة على غزة. 


القرار رفض طلب اسرائيل بشطب الدعوى، ولغايات الاستمرار في نظر الطلب المستعجل ثبت في حيثياته وجود “نزاع” بين جنوب أفريقيا وإسرائيل وثبث ان أهالي غزة هم جزء من الشعب الفلسطيني وجديرون بالحماية حسب اتفاقية “منع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها”، وثبت ايضا ان الأفعال المنسوبة لإسرائيل بموجب الدعوى هي افعال ابادة جماعية، لكنه ثبت في نفس القرار ان هذه الاستنتاجات هي فقط لغايات استصدار امر مستعجل وان اي منها ليس قرار نهائياً ولا يمنع إسرائيل من الطعن باختصاص المحكمة وموضوعها في معرض البت النهائي في الدعوى. 


في قراءتي المتواضعة فإن في القرار المستعجل بعض “الفهلوة” لتجنب اصدار امر واضح بوقف عمليات الابادة، ففي قرار مشابه في قضية أوكرانيا وروسيا، امرت المحكمة بوقف العمليات العسكرية التي بدأها الاتحاد الروسي فورا على أراضي أوكرانيا. 


أما قرار المحكمة الصادر بخصوص غزة فقد جاء بلغة مختلفة بأنه سوف تتخذ دولة إسرائيل وقواتها المسلحة بأثر فوري وفقا لالتزاماتها بموجب اتفاقية منع الابادة الجماعية والمعاقبة عليها كل التدابير الممكنة لمنع ارتكاب الأفعال في نطاق المادة 2 من هذه الاتفاقية ومنها قتل أفراد الجماعة وتعريضهم للأذى الجسدي وإخضاعهم، عمداً، لظروف معيشية يراد بها تدميرهم المادي كلياً أو جزئياً.

 

بالاضافة الى منع ومعاقبة التحريض على جرائم الابادة الجماعية وتوفير الاحتياجات الانسانية الملحة في غزة واتخاذ الاجراءات الفورية للتأكد من منع تدمير الأدلة حول ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية. على أن تقدم تقريرا للمحكمة حول كافة التدابير التي اتخذتها خلال شهر واحد من تاريخ إصدار قرار المحكمة.  

 

يتضح من القرار انه يمنع القتل في سياق مفهومه في المادة (2) من اتفاقية الابادة الجماعية، واسرائيل أصلا تزعم بأنها تقوم بالقتل دفاعا عن النفس ولهذا أعاد القرار الامر ليكون في نطاق المجادلات عن الطبيعة القانونية لما تقوم به اسرائيل. لغة القرار أقرب الى النصح، بالرغم من التباين الواضح في حجم الدمار والاصابات والجرحى في حالة غزة التي كانت أضعاف ما كان عليه الحال في قضية روسيا وأوكرانيا، فقد صدر القرار كما أشرنا بالنزاع الاوكراني الروسي بوقف العمليات العسكرية وبدأ الاتحاد الاوروبي بتنفيذ القرار مباشرة. 


قد يقال إن الوضع مختلف في غزة كون أن النزاع هو بين دولة وحماس، وحماس ليست دولة، والحقيقة ودون التطرق لمصطلحات قانونية معقده فإن اتفاقية منع الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها تجعل من إسرائيل ملزمة بوقف أعمال الإبادة الجماعية بما في ذلك وقف اطلاق النار في مواجهة جنوب افريقيا حتى وإن لم تكن هذه الاخيرة الطرف المتضرر من تلك العمليات العسكرية كما هو الحال في قضية منيمار وغواتيمالا.


الغريب العجيب في قرار المحكمة هو تعريجها على موضوع الاسرى وهو الأمر الذي لم تطالب به إسرائيل وكأن المحكمة قد أتعبها ضميرها في اصدار هذا القرار الفهلوي، فقررت أن تدعم إسرائيل بالمطالبة بتحرير الاسرى، فماذا عن حوالي 10 آلاف أسير فلسطيني الذين تم اسرهم في الضفة وغزة بعد السابع من أكتوبر. 


في نهاية الأمر، ليس للأمة العربية وإسلامية المتخاذلة عن دورها في الدفاع عن غزة، أن تتفلسف وتطالب المحكمة بأي شيء “ شحاد ومشارط” حتى دوليا ما بتزبط، ليس لنا سوى متابعة القرار ومحاولة الاستفادة منه قدر الامكان فهل يصحو ضمير الأمة العربية والإسلامية ويعوض عن عجزها السابق بمحاولة متابعة القرار ولو أن الأمل ضعيف والله غالب جنابك.  

 

للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنا 

ذات صلة
placeholder

تحقيق التوازن

29 كانون الثاني 2024
placeholder

هذه روايتهم،

23 كانون الثاني 2024
placeholder

مائة يوم من الأسئلة

16 كانون الثاني 2024
placeholder

الركمجة السياسية

14 كانون الثاني 2024