نحو تجريم أممي للإساءة للأديان

خالد دلال لعل من القضايا التي لها قدسية بالغة في مختلف الأديان السماوية، ومنها ديننا الإسلامي بطبيعة الحال؛ احترام معتقدات ومشاعر معتنقي هذه الأديان وعدم الإساءة إليها بأي تصرف جارح طائش أهوج يخرج عن إطار المجادلة الحسنة والنقاش الموضوعي لأي فكر ديني مهما زاد أو قل أتباعه. ومن هنا يأتي الاستنكار الواسع الذي ساد عالمنا الإسلامي والعربي بعد قيام قلة مريضة نفسيا في السويد وهولندا، قبل أيام، بحرق نسخ من المصحف الكريم، ولا هدف من ذلك إلا إظهار كرههم المقيت لما يزيد على ملياري إنسان؛ أي نحو ربع سكان المعمورة، يعتنقون الدين الإسلامي الحنيف. الأمر جلل، ولا يجوز أن يذهب أدراج الرياح، بل لا بد من خطوات عملية لحماية القرآن الكريم وكل الكتب الدينية المقدسة ضد من يلجأون إلى أساليب دنيئة لإثبات وجودهم، في محاولة لنيل شهرة زائفة كما تزين لهم عقولهم الهمجية المختلة، إن كان لهم عقول. ورغم قيام المتحدثة باسم مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، رافينا شامداساني، بوصف "حرق وتمزيق القرآن الكريم في السويد ومن قبلها هولندا بأنه سلوك غير محترم وغير مسؤول"، إلا أن الأمر لا يجب أن يقف عند ذلك، بل لا بد أن نصل إلى تشريع دولي حاسم، وعلى نطاق الأمم المتحدة، يجرم كل فعل يهدف إلى الإساءة إلى الأديان، وأن تقوم الدول بسن قوانين تتماشى تبعا لذلك. ومن ذلك أيضا البناء مثلا على المبادرة التركية، التي "أعلنها رئيس الشؤون الدينية في تركيا، علي أرباش، بأن بلاده سترفع دعاوى أمام المحاكم في 120 دولة، لاتخاذ موقف ضد الاعتداءات على الإسلام ورموزه". قد يجادل البعض أن هذا يتعارض مع حقوق حرية الرأي والتعبير، خصوصا تلك التي تتغنى بها الدول الأوروبية تحديدا، لكن الحرية، وكما هو معلوم، تنتهي عندما تبدأ حرية الآخرين، ولا بد من التفريق بين الحرية وبين تجاوز الخطوط الحمراء والإساءة المتعمدة والازدراء المقصود لمعتقدات البشر الدينية، وما ينتج عن ذلك من تأجيج لخطاب الكراهية والفرقة والتناحر والاقتتال بين الشعوب. على حكومات العالم العمل على نشر قيم الحوار والتسامح والتعايش والمحبة بين بني البشر، وألا تترك تصرفات فردية أن تمر بلا حساب، خصوصا إن كان لها أثر كارثي في تعريض السلم والأمن المجتمعي للخطر، لا أن توفر لهم حماية الشرطة للقيام بأعمالهم الدنيئة من كل منظور. ويبقى القول إنه، ورغم كل المحاولات على مدار تاريخ البشرية للإساءة للقرآن الكريم، ما كان منها وما قد يكون، نبقى أن نتذكر قول الباري، عز وجل، "إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ". وفي ذلك طمأنينة لنفوس مئات الملايين من المسلمين على وجه الأرض بأن قرآنهم محمي بقوة رب الكون إلى أن يرث الباري الأرض ومن عليها. ومن كان الله معه، فمن عليه؟ المقال السابق للكاتب: اضافة اعلان

في مدرسة الأم