الثانوية العامة لن تختفي والتعديلات تتعلق بالآليات

"اختفاء التوجيهي".. تغيير جوهري أم شكلي؟

طلاب يدبكون ابتهاجا بنتائجهم في "التوجيهي"- (تصوير: أمير خليفة)
طلاب يدبكون ابتهاجا بنتائجهم في "التوجيهي"- (تصوير: أمير خليفة)

فتحت عبارة أطلقها وزير التربية والتعليم والتعليم العالي والبحث العلمي د. عزمي محافظة مؤخرا، من "أن التوجيهي سيختفي بعد سنتين"، شهية التساؤلات، حول ما إذا كان "الشكل الجديد للامتحان، سيضمن تحقيق تحسينات جذرية ملموسة وليست شكلية فقط؟"، و"ما هي متطلبات النجاح، لنصل فيه لامتحان خال من التوتر وضغط؟".

اضافة اعلان


وكان محافظة، كشف في تصريحات له "أن التوجيهي سيختفي بعد سنتين"، موضحا أن الطالب سيتقدم للامتحان بعدها على سنتين، بحيث يقدمه بـ4 مواد في الصف الـ11، وفي الصف الـ12 يختار الامتحان مواد حسب رغبته في الدراسة الجامعية.


قبل ذلك، خضع "التوجيهي" وفي مراحل مختلفة لتعديلات وتغييرات طفيفة وجوهرية، فطيلة 16 سنة (2002-2018) عقد وفق نظام الدورتين: شتوية وصيفية، لكن في العام الدراسي 2018- 2019، صار يعقد بدورة واحدة تسمى الامتحان العام.


كما أن طبيعة الأسئلة وطريقة احتساب العلامات فيه، خضعت لتعديلات وتغييرات عديدة في مراحل مختلفة من عمره، فمثلا مع بدء جائحة كورونا في العام الدراسي 2019- 2020، وفي ظل الإغلاقات وحرصا على السلامة العامة، وتعذر إيجاد مراكز تصحيح في الميدان، اضطرت الوزارة للتغيير في نمط الامتحان، لتصبح أسئلته من نوع "اختيار من متعدد"، وأعلنت للمرة الأولى عن الأوزان النسبية للوحدات الدراسية في جميع المباحث، وبقيت الأسئلة في العامين اللاحقين 2021 و2022 تراوح بين المقالي والموضوعي.


خبراء تربويون عرضوا لملامح النظام الجديد لـ"التوجيهي" المقبل، وشروط النجاح فيه، لكنهم لا يخفون مخاوفهم من الفشل، في حال عدم تجاوز تحديات بعينها، ومنها تطوير "النظام التعليمي بأكمله، وضرورة تأهيل الكادر التعليمي، وتوفير الإمكانيات المادية" لإنجاحه.


وفي وقت كشفت فيه نتائج استطلاع للرأي العام لمركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الأردنية العام الماضي حول "التوجيهي"، أن أكثر من 36 % من الأهالي و41 % من الطلبة، يطالبون بإلغائه، وإيجاد بديل عنه، كما اظهرت أيضا أن الغالبية العظمى ممن تقدم أبناؤهم له، يرون بأن عيش تجربته تؤدي للتوتر والضغط النفسي (46 %)، وتسبب حالة طوارئ منزلية (14 %).


حتى لا يظل التغيير شكليا


وزير التربية الأسبق د. تيسير النعيمي، أكد أن محاولات تطوير "التوجيهي" السابقة شكلية، وما نطمح له في الشكل الجديد، ان يكون جذريا وجوهريا، بتطويره، باعتباره جزءا اساسيا من تطوير واصلاح التعليم برمته، والذي يجب ان يكون مرافقا ومزامنا لتطوير المناهج، وتقييم الطلبة، بحيث يكون هناك تحول نوعي وعميق في استراتيجيات التدريس المتبعة، تركز على الحفظ والاستذكار والاستراتيجيات لتنمية مهارات البحث والتفكير الناقد والتحليل.


وقال إن "التوجيهي" لن يختفي او يلغى، ولكن ما سيحصل لاحقا، هو اختفاء صورته الحالية، المتعلقة بتوزيع الطلبة لمسارين: اكاديمي او مهني، وفق الآلية المعمول بها حاليا، وتوزيع المواد الدراسية، ليتقدم بها الطلبة خلال عامين: في نهاية الصف الـ11، يتقدمون بمواد مشتركة، وفي نهاية الصف الـ12 بمواد تخصصية واختيارية، ترتبط بحقل التخصص العام في التعليم العالي، وفقا لخياراتهم.


واشار النعيمي، إلى أن النظام سينتقل من مرحلة توزيع الطلبة لفروع التعليم بصورتها الجامدة، الى مسار واحد عام، يتضمن خيارات متعددة ومتنوعة، تتناسب مع قدرات الطلبة وميولهم واستعداداتهم.


واكد ان متطلبات نجاح خطة تطوير "التوجيهي" عديدة، ابرزها اعادة تنظيم المناهج والخطة الدراسية، بحيث يعاد تنظيم المناهج وفق مصفوفة المدى والتتابع، ما يتطلب تنظيم الخطة لتنظيم المناهج ونتاجات التعلم بصورة محكمة، واتاحة الفرصة امام الطلبة لتمنحهم خيارات تعددية أوسع من المواد الدراسية، مؤكدا أن ذلك ليس سهلا، ويجب تطويره على مراحل، لنحسن تنفيذها والتخطيط لها.


اما متطلب النجاح الثاني، بحسبه، فيتمثل بإعادة تنظيم وتفعيل توجيه وارشاد الطلبة، عبر اعادة تأهيل وتدريب المرشدين التربويين، ليكون الارشاد منظما ومتدرجا ومستمرا بصورة تراكمية عبر الصفوف، وليس موجها لمن يريد الاستشارة في موضوع ما.


وقال النعيمي، ان متطلب النجاح الثالث، تحد للوزارة، يتمثل بان تفي المدارس بالمدى الواسع من تخصصات المعلمين على مستوى المدرسة الواحدة، ولا بد عند تنظيم الخطة الدراسية للمباحث التخصصية والاختيارية، ان يكون هناك معلمون اكفياء لتدريسها.


وبين، ان المتطلب الرابع، ركن في تطوير منظومة الامتحان، يتمثل ببناء بنك اسئلة بطريقة علمية ورصينة، لضمان تكافؤ الاسئلة من دورة امتحانية لأخرى، ما يستدعي وجود مراكز امتحانية، يتقدم الطالب فيها للامتحان بصورة محوسبة، وفق مواعيد تطرحها الوزارة، ويختار ما يناسبه منها، لافتا الى ان ذلك يتطلب توفير بنية تقنية متطورة وانظمة حماية وغيرها.


وأوضح النعيمي، ان هذا النظام يتطلب اعادة نظر في اسس قبول الطلبة في التعليم العالي، بحيث لا تكون كما هي حاليا، بل يعاد النظر فيها ليصبح القبول مرتبطا بحقول معرفية على اساس وجود متطلبات، يجب ايفاء الطالب بها في المرحلة الثانوية كما هو معمول به في الانظمة التعليمية في العالم، مبينا ان كل هذا لن يحقق النجاح وحده، وعلينا ادراك ان تطوير الامتحان، جزء من تطوير النظام التعليمي.


ولفت الى ان هذا النظام، يتمتع بمزايا عدة، كالمرونة في اختيار المواد، ومواءمته بين قدرات الطالب واستعداداته وميوله، مع خياراته الدراسية في مرحلة الثانوية العامة، ثم في مرحلة التعليم الجامعي، ما يجعلة كفيلا بتحقيق مواءمة بين مخرجات التعليم وسوق العمل، لكن يجب ان ترافقه إجراءات وسياسات واسعة تتعلق بإعادة توجيهه، ليكون اكثر التصاقا باحتياجات التنمية الاقتصادية والاجتماعية وسوق العمل، وتطوير استراتيجيات وسياسات وبرامج التعليم العالي، لتركز على المهارات والمعارف التي تمكنه من توسيع خياراته في سوق العمل.
نظام جديد يشبه الأنظمة الأجنبية


الخبير التربوي د. صالح بركات، قال إن ما طرأ من تغيرات على الامتحان منذ العام 1960 حتى الآن، طفيف يتعلق بآلية عقده، وليس جوهريا، يشمل إعادة النظر في مرحلة الثانوية العامة بكل مكوناتها، مبينا أن النظام الجديد للامتحان بعقده خلال عامين، خطوة في الاتجاه الصحيح.


وقال بركات، ان الطالب وفق النظام الجديد الذي سيبدأ العمل به اعتبارا من العام بعد المقبل، سيقسم المباحث الدراسية على عامين، بحيث يأخذ 4 مواد مشتركة في الصف الـ11 وهي اللغتان العربية والانجليزية وتاريخ الاردن، والتربية الاسلامية، وفي نهاية العام الدراسي سيمتحن بها الطالب مدرسيا، وفي حال نجاحه سيؤهل للامتحان الوزاري المحوسب.


واضاف، ان الطالب سيتقدم للامتحان المحوسب وفق مواعيد تحددها الوزارة، وعند إنهاء تقدمه له، ستظهر علامته فورا، مشيرا الى انه في الصف الـ12 سيأخذ الطالب 4 مواد تخصصية، وفق ما سيدرسه في الجامعة وسيمتحن بها في نهاية العام الدراسي مدرسيا، وفي حال نجاحه سيؤهل للامتحان المحوسب.


وأكد بركات ان هذا النظام، مشابه لانظمة IG,IP,SAT الغربية، لافتا الى أن هناك مزايا عديدة له، تتمثل بان الطالب سيتقدم للامتحان في أوقات يرغبها، كما وانها ستخفف الاعباء المالية على اسر الطلبة، وتخفف من عبء لجوء أبنائها الطلبة للدروس الخصوصية والمراكز الثقافية والمنصات، وستربط الطالب بالمدرسة، كونه لن يتأهل للامتحان المحوسب، إلا إذا نجح مدرسيا في المباحث، بالاضافة لالتزامه بالحضور للمدرسة وعدم تغيبه كثيرا.


وبين بركات، ان النظام الجديد سيلغي القبول الجامعي، ما سيقلل من توتر الطلبة وذويهم عند ترقب ظهور نتائج القبول، وسيستعاض عنه بامتحان قدرات، تجريه الجامعات، مشددا على أن هذا النظام سيفرض على الجامعات بان تعنى بالجانب النوعي للخريجين وليس الكمي، بتزويد الطلبة بالمهارات المطلوبة لسوق العمل.


ومن مزاياه ايضا، تقليل الرهبة والقلق التي تهيمن على مشهد الامتحانات للطلبة وذويهم والتقليل من كلفة وجهد عقد الامتحان، وما يرافقه من مشاكل، مؤكدا ان النظام الجديد سيحتاج الى قاعات مركزية واجهزة حاسوب، وبنك اسئلة، بدأت الوزارة بالعمل عليه.


واشار بركات، الى ان التحديات الرئيسة التي تواجه هذا النظام، تتمثل بتأهيل الكادر التعليمي وفق المستجدات، وتوفير الإمكانيات المادية لتطبيقه، وتطوير المناهج، والبنية التحتية للمدارس، بخاصة التقنية، لافتا الى ان التغلب على هذه التحديات وتجاوزها، ستضمن نجاحه وتحقيق غايته في الإصلاح التربوي.


المطلوب.. شمولية التغيير


وشاطرهم الرأي، مدير إدارة التخطيط والبحث التربوي بالوزارة سابقا د. محمد ابو غزلة، قائلا إن التطوير لا يمكنه الانطلاق من إصلاح عنصر واحد من المنطومة التعليمية، ويجب النظر إليه أو الانطلاق به، بتطوير عناصر المنظومة كاملة، مجددا تأكيده على إجراء الوزارة دراسة علمية، بمشاركة كل الأطراف لتطوير الامتحان وشكله ومضمونه وآليات انعقاده، على ألا يقتصر ذلك على الشكل فقط وبعض عناصره، حتى لو أقر على عامين، بل على جميع عناصر المنظومة التعليمية؛ ومنها الامتحانات واعتمادها على بنوك الاسئلة، حتى لا يتكرر ما حدث من أخطاء علمية او تقنية او بشرية، وتوفير سبل إنجاح منظومة الامتحانات من تطوير للمناهج وتدريب للمعلمين على استراتيجيات التدريس والتقويم، وغيرها.


وبشأن عقد "التوجيهي" على عامين، رأى ان هذا الطرح برغم إقرار الوزارة له، لن يحقق هدفه بتمكين الطلبة من المسارات التعليمية وتأهيلهم لدخول الجامعات بمهارات وكفايات عالية، تساعدهم بالنجاح في التخصصات المختلفة إذا اعتمدنا 3 الى 4 مواد فقط للأول الثانوي، لا تتصل بالمواد نفسها في الثاني الثانوي، فحتى لو وضع وزن نسبي لها، فهذا أمر لن يحقق ما ينتظر من التطوير.


وأشار أبو غزلة، الى انه اذا كان الهدف استثمار التعليم في الصف الأول الثانوي الذي يستغله الطلبة عادة للتحضير للصف الثاني الثانوي، فيمكن استثماره لو اعتبر مسارا أساسيا يعتمد عليه مسار التخصص المتقدم في الصف الثاني الثانوي، حتى وإن لم تحسب له علامة تجمع مع علامة السنة الثانية من المرحلة الثانوية.


ودعا ابو غزلة الوزارة لهيكلة المواد التعليمية للصف الـ10، بحيث تكون للمواد الأساسية للطلبة كمسار عام، أما المرحلة الثانوية فيحدد لطلبة الصف الأول الثانوي مواد تتراوح بين 5 الى 6 للتخصص في المسار الأساسي التخصصي الذي يختاره الطالب، في ضوء تشعيبه بعد الصف الـ9.


ولفت الى ان جميع المواد للصف الاول الثانوي، تصب في هذا المسار، وكذلك الصف الثاني الثانوي بالنسبة لمواد التخصص، ولكن يكمن الفارق فــي كثافــة المـواد المتخصصة التي يدرسها الطلبة.


وأكد ضرورة البحث عن بديل بالتعاون مع الجامعات، فلا يعقل ابقاء امتحان الثانوية العامة على سنة او سنتين، لتقرير مصير طالب درس لمدة 12عاما، لذا لا بد من البحث عن بدائل ليستقر الأمر.

 

اقرأ المزيد : 

حمزة الحاج علي يتفوق على السرطان بـ 99.1 في التوجيهي