هل دعمت المنصات الرقمية السينما الفلسطينية؟

السينما الفلسطينية - (من المصدر)
السينما الفلسطينية - صورة تعبيرية

 السينما فعل مقاومة وصمود، وهي الأقدر على تقديم الرواية الفلسطينية في ظل حرب الوجود التي يشنها الاحتلال الصهيوني على كل ماهو فلسطيني، في محاولات بائسة لطمس ما تبقى للفلسطينيين من أرض وتراث، بعد تشريد الشعب في المهاجر، وتغيير مسميات الأمكنة والمدن والقرى.

اضافة اعلان

 
وفي ظل أحداث 7 تشرين الأول (أكتوبر)، والتي تستمر تداعياتها إلى اليوم عبر عدوان إسرائيلي همجي على قطاع غزة، تتعاظم الحاجة للمحتوى الفلسطيني من خلال السينما التي تحمل لغة عالمية تكسر كل الحواجز، وتوثق اللحظات، لتحكي الرواية الحقيقية التي يحاول الاحتلال إخفاءها قسرا بأحقية الأرض، وعبر القوة القاهرة.


ومع الحاجة لوصول أكبر، وفرت منصات محلية وعربية وعالمية هذه الأفلام لتعرض حقيقة ما يدور، وتروي من خلال قصص سينمائية حكاية نضال الشعب الفلسطيني وصموده. 


وبدلا من التركيز على المواجهة المباشرة مع الاحتلال، تظهر هذه الأفلام تجارب شخصية وعاطفية للفلسطينيين في مواقف مختلفة، سواء كانت مضحكة أو مؤلمة أو محرجة. 


وتعكس هذه التجارب العلاقة المعقدة بين الفلسطينيين وجدار الفصل العنصري، الذي يقسم أرضهم ويحد من حريتهم، وبينهم وبين جنود الاحتلال الصهاينة، الذين يتعاملون معهم بعنف ووحشية. 


وتوضح هذه الأفلام أيضا كيف يستخدم العنف الصهيوني لحماية نظام أبارتايد عنصري، وكيف يؤثر ذلك على الذات والهوية الفلسطينية. 


هذه الأفلام، وغيرها من أفلام الجيلين الأول والثاني من المخرجين الفلسطينيين، تقدم رؤية متعددة ومتنوعة للواقع الفلسطيني، تتحدى الرؤية الصهيونية الأحادية والمشوهة.


"الغد" رصدت عددا من المنصات التي تعرض هذه الأفلام من خلال متابعة عميقة لأهم الأعمال وعددها التقريبي، والتي لوحظ فيها أن المنصات الأجنبية قد وفرت محتوى فلسطينيا أكبر، مقارنة بالعربية، فيما المحلية كانت هي الأكثر دعما.


تبدو الأفلام الفلسطينية كمرآة للواقع، تعكس العواطف والخيال والرموز، دون تجاهل الجوانب القهرية وتفاصيل الواقع القاسي. أعمال مثل "رجل يغرق" لمهدي فليفل و"السلام عليك يا مريم" لباسل خليل يبرز التجدد وأهمية التغيير في المقاربة السينمائية.


ومن بين الأفلام الفلسطينية التي تتناول الواقع الجغرافي والسياسي الذي يفرضه الاحتلال على الشعب الفلسطيني، نجد "العبور" (2017) لأمين نايفة، وهو فيلم قصير، و"200م" (2020)، و"الهدية" (2020) لفرح النابلسي.

 

وتبرز هذه الأفلام تأثير الحواجز وجدار الفصل العنصري على حياة الفلسطينيين اليومية، وكيف تحاول سلطات الاحتلال الصهيوني فرض رقابة وعقاب على الجسد والهوية الفلسطينية. 


"استكانة".. الداعم المحلي الأكبر

 


قرابة 57 محتوى فلسطينيا متنوعا بين أفلام روائية ووثائقية ومسلسلات ومقابلات، توفرها المنصة الأردنية استكانة التي تعرض الأفلام الأردنية والعربية الكلاسيكية والمستقلة وتدعم صناعة السينما العربية على مستوى العالم.


وأتاحت المنصة مشاهدة هذه الأفلام مجانا لوصول المشاهدين إليها بشكل أكبر، ولنشر الرواية الفلسطينية في مواجهة أكاذيب الاحتلال الصهيوني وحربه الإعلامية وتعتيمه على جرائمه وسعيه لكسب تأييد دولي وسط ادعاءات كاذبة.


ومن أهم الأعمال التي توفرها المنصة أفلاما قصيرة وطويلة مثل: "أحلام المنفى، هذه صورتي وأنا ميت، جنين جنين، رجل عاد، رحلة في الرحيل، غريبة في بيتي القدس، زخاريف، ناجي العلي فنان ذو رؤيا، خمس كاميرات محطمة"، وغيرها الكثير الذي يعزز حضور المحتوى الفلسطيني على المنصات الرقمية.


"شاهد".. محتوى محدود

 


في المقابل، توفر منصة شاهد، المملوكة لمجموعة إم بي سي، مجموعة محدودة من الأعمال وفي غالبيتها وثائقيات مثل: "عائدون: قصة النكبة".


ويروي هذا الوثائقي تاريخ النكبة الفلسطينية في 1948 ويعرض أبعاد مبدأ حق العودة. وفي "ذكرى أوسلو اين فلسطين؟" الذي أنتج في العام 2018، يبحث في النتائج التي حققتها اتفاقية أوسلو بعد مرور ربع قرن على توقيعها.


إلى جانب "وعد بلفور أصل الشرور"، وهو ثائقي يغوص في خطوة الغرب الأولى لإقامة دولة الكيان الصهيوني على أرض فلسطين.


أما "القدس جوهر الصراع والمواجهة" فيقدم هذا الفيلم الوثائقي نظرة على رمزية مدينة القدس المقدسة في مواجهة الفلسطينيين للصهيونية.


إلى جانب "الجدار العنصري أوصاف عديدة وهدف واحد"، يناقش فيه مجموعة من الخبراء القانونيين والباحثين أبعاد جدار الفصل العنصري في فلسطين والدور الذي يلعبه في تعزيز إستراتيجية الاحتلال الصهيوني، و"50 عاما على النكسة"، الذي أنتج في الذكرى الخمسين لنكسة فلسطين والعرب، حيث احتلت إسرائيل في العام 1967 شبه جزيرة سيناء المصرية وقطاع غزة ومرتفعات الجولان.


واللافت أن الأعمال الروائية قليلة على شاهد منها فيلم "عمر"، و"صالون هدى" ومسلسل "التغريبة الفلسطينية".


"سينما فلسطين".. توثيق حي 

 

 
موقع سينما فلسطين الذي تأسس عام 2013، يوفر قاعدة بيانات تحتوي على مراجع لأفلام تظهر واقعهم، وتكمن أهميته في توفير جملة كبيرة من الأفلام المتاحة للمشاهدة المجانية، ومنح مساحة أكبر للرؤية الفلسطينية من خلال الفيلم.


آلية عمل الموقع سهلة، حيث يمكن البحث عن أفلام عن منطقة أو بلد أو مجموعة: فقط أدخل اسمها خلف البحث عبر إدخال مجموعة من الكلمات الرئيسية.


المحتوى الفلسطيني على المنصات الغربية

 


على سبيل المثال، في أميركا قام مركز الحياة الإسلامية العالمية ببناء قاعدة بيانات عالمية لبث الأفلام الإسلامية كجزء من مشروعه البحثي، "حالة الأفلام الإسلامية العالمية- من البث المباشر إلى أسواق الأفلام المحلية". 


وفي خضم أحداث 7 أكتوبر وعملية طوفان الأقصى التي تحولت لحرب إبادة جماعية يشنها الاحتلال الصهيوني على قطاع غزة، جمع أكثر من 30 فيلما يمكن مشاهدتها ويتم عرضها حاليا على منصات البث المباشر المختلفة حول العالم، مثل منصات نتفلكس، أمازون وديزني وغيرها.


والمثير للاستغراب أن نتفلكس هي الرائدة من حيث المحتوى الفلسطيني؛ لأنها قامت بأكبر استثمار في تنمية الجمهور العالمي عبر اللغات حول العالم. 


ولعل الأمر الأكثر إثارة للدهشة هو قلة المحتوى الفلسطيني على بقية منصات البث المباشر مع Disney+ والشركات االتابعة لها والتي لا تحتوي على أي أفلام، ومنصة Warner Brothers Max التي تضم واحدة من أكبر مكتبات المحتوى مع عدد قليل فقط من الحلقات التلفزيونية التي تضم فلسطينيين على المنصة بأكملها. 


ومع ذلك، من خلال التحليل الشامل للمحتوى للمركز، الذي وجد أن أسوأ هذه المنصات هي أمازون برايم، وعند النظر إلى المحتوى المتاح مجانًا لمشتركيها، هناك فيلمان عن فلسطين وهناك 9 أفلام وبرامج تلفزيونية عن الاحتلال.

 

ويتضمن ذلك مسلسلا تلفزيونيًا كاملاً عن قوات دفاع الاحتلال يسمى "الحياة بالسيف"، وينطبق هذا بشكل خاص على منصات مثل Hulu وAmazon Prime التي يكاد يكون من المستحيل أن تجد فيها أي نتيجة للبحث عن فيلم فلسطيني.


وتوفر نتفلكس قرابة 36 فيلما فلسطينيا، حيث قررت في تشرين الأول (أكتوبر) 2021، عرض 21 فيلما فلسطينيا، وهذا شكّل انتصارا للسينما الفلسطينية، خاصة الأفلام القديمة نسبيا التي جسدت معيارا جماليا مختلفا ضمن السينما العربية.

 

كما أضيفت أفلام جديدة أنتِجت بعد عام 2010. قبل "نتفلكس" كان الفيلم الفلسطيني قد حقّق حضوره السينمائي عربيا وعالميا، وشكّل أبعادا جديدة لدى المتلقي العربي والعالمي عموما.


ويبلغ عدد مشتركي نتفلكس عالميا 260 مليون مشترك في 190 دولة مما يعني وصولا أكبر للرواية الفلسطينية وأفلامها التي من أهمها ويعرض حاليا، "بين الجنة والأرض، المر والرمان، ملح هذا البحر، فرحة، يد إلهية، مولود في غزة"، وغيرها التي تستحق المشاهدة وتقاوم بطريقتها وتنشر الحقيقة.


بالإضافة إلى المنصات الرئيسية في الولايات المتحدة، يمكن أيضا العثور على مجموعة جيدة من الأفلام الفلسطينية مجانا على Kanopy.


يوتيوب

 


نرى على يوتيوب مجموعة من الأفلام الفلسطينية، مثل "غزة تناضل من أجل الحرية" للمخرج آبي مارتن من عام 2019، وتم تصويره في ذروة احتجاجات "مسيرة العودة الكبرى"، وهو يعرض لقطات حصرية للمظاهرات التي قُتل فيها 200 مدني أعزل على يد قناصة الاحتلال الصهيوني منذ 30 آذار (مارس) 2018. 

 


وهناك الكثير من المحتوى الفلسطيني على اليوتيوب، ولكن أكثرها أثار جدلا مؤخرا هو فيلم "الطنطورة" الوثائقي من إخراج ألون شفارتز، الذي يوثّق مجزرة القرية الفلسطينية عام 1948 على يد الاحتلال الصهيوني، فيما فيلم "الخلق والكارثة: 1948" إخراج أندي تريمليت والدكتورة أحلام محتسب 2023، الذي يروي قصة قيام دولة الاحتلال من خلال عيون الناس الذين عاشوها. 


ولكن بدلا من أن يكون درسًا في التاريخ، يعد هذا الفيلم الوثائقي بمثابة تمهيد للحاضر. من غير الممكن ببساطة فهم ما يحدث اليوم دون فهم أحداث عام 1948.

 

وكان هذا الفيلم الوثائقي فرصة للعديد من شخصيات الاحتلال والفلسطينية لسرد رواياتهم المباشرة عن إنشاء دولة الاحتلال وطرد الفلسطينيين، الذين عايشوا شخصيا الأحداث في حيفا ويافا ودير ياسين وعكا والقدس والرملة واللد وغيرها. وتكشف هذه الأحداث الصادمة والدرامية جوهر ما يحرك الصراع اليوم.


كما يمكن إيجاد العديد من الأفلام الفلسطينية على يوتيوب والتي حققت مشاهدات عالية منذ 7 من أكتوبر 2023.


الأفلام الفلسطينية في مواجهة الاحتلال الصهيوني

 

 
في الألفية الجديدة، أثبتت السينما الفلسطينية وجودها بأعمال قوية مثل "يد إلهيّة" لإيليا سليمان و"الجنة الآن" لهاني أبو أسعد، واللذان تناولا الواقع الفلسطيني برؤية حازت على جوائز عالمية، مما يلفت الانتباه إلى قضايا الاحتلال وحقوق الإنسان.


لكن مع تقدم المنصات الإلكترونية، تغيرت ديناميات السينما، فالأجهزة اللوحية أصبحت منبرا لتحرير الفن من السيطرة الإعلامية الإسرائيلية، فالمنصات تخلق مساحات فردية للوعي والتعبير، التي تحاول رقابة الاحتلال السيطرة عليها والتغطية عليها، هذا إن لم تعمل على حجبها.


قبل "نتفليكس"، كان السينمائي الصهيوني يسيطر على السرد، لكن اليوم تقدم "نتفليكس" أكثر من 35 فيلما فلسطينيًا، مما يعزز التواصل مع جمهور عالمي ويوسّع الوعي بالثقافة الفلسطينية.


وبهذا تمكنت "نتفلكس" من كسر جدال الواقع الذي خلقته هي سابقا حين اكتفت بعرض الفيلم والمنتج والرؤية الصهيونية فقط.

 

وانتهى الجدال الواقع على أحاديّة الطرح، هناك رواية أخرى وتاريخ لأفكار مختلفة سيشاهدها الجميع الآن. لم يعد للرسالة الإسرائيلية ذات المنشأ العنفي والتاريخي أبدية إشهارية عبر المنصات ووسائل المشاهدة الأكثر حداثة. هذان الجدال والعرض سينهيان مفهوم أبدية الفكرة الإسرائيلية عن فلسطين المكان، وفلسطين الشعب.  


وصول الأفلام الفلسطينية إلى نتفلكس يشكل تحولا في تمثيل الواقع الفلسطيني، تعبر عنه المقارنة بين المحاكاة الفلسطينية والإسرائيلية على المنصة.

 

هذا التواجد يقف في وجه التصوير الإسرائيلي الذي اعتمدته إسرائيل منذ 1948 لصياغة واقعها الخاص، ويمثل عالما مرئيا يتفوق على الواقع، مما يجعلها وسيلة قوية لتشكيل الصورة الفلسطينية.


ومن خلال هذه الأعمال، تظهر الصراعات الثقافية والسياسية، وتبرز أهمية السينما كوسيلة لنقل الحقائق وتشكيل الوعي.


أفلام أثارت غضب الاحتلال

 


في عام 2020 شن الاحتلال الصهيوني حملة تحريض على فيلم "فرحة" للمخرجة الأردنية دارين سلام، والذي يعرض على شبكة "نتفلكس"، تزعم أنه يظهر جنود الاحتلال كقتلة.

 

توقيت شهرة الفيلم وانتشاره عبر "نتفلكس"، فبعدما ترك الصهاينة ماضيهم، وملّوا تكرار ثيمة المحاكاة الكاذبة عبر الفنون، جاء الفيلم الأردني كإعادة ومواجهة لمحاكاة ساذجة وغير واقعية عملت دولة الاحتلال سنين على بنائها.


ويأتي الفيلم الأردني لمواجهة ثيمة المحاكاة الكاذبة التي عملت دولة الاحتلال على نشرها، في حين يتناول فيلم "أطفال الحرب" المفارقة المثيرة للإسرائيليين حول توقيت انتشاره وشهرته عبر منصة "نتفلكس"، بعد ترك الصهاينة لماضيهم، فيلم آخر مهم هو "مولد في غزة" (2014)، إخراج هيرنان زين، يسلط الضوء على حياة الأطفال والفتيان في ظل الحرب والصراع.

 


الفيلم يتيح للأبطال الأطفال التعبير عن مآسيهم وإصاباتهم بشكل انسيابي، مع تسليط الضوء على حياتهم اليومية وآلامهم. يركز المخرج على تنسيق الصورة ببطء كمضاد للغة ما بعد الحداثة، مما يسمح بإبراز أبعاد مسرحية لأطفال مصابين.


عرض الفيلم عبر "نتفليكس" حقق شهرة كبيرة، يسلط الضوء على واقع صعب في منطقة تعتبر واحدة من أخطر مناطق العالم. يستنطق الأطفال في غزة واقعهم بشكل مركز، ويظهرون وعيا وإدراكا أكثر من سلطة الاحتلال. الفيلم يحافظ على نزعة سلمية تتناقض مع الحرب، مما يجعله تعبيرا فنيا قويا.


هذا الانفتاح يهدد سيطرة الاحتلال على السرد، حيث يصعب السيطرة على مشاهدات كل فرد، وفي النهاية، تُظهر هذه المنصات الرقمية أنها ليست مجرد وسيلة ترفيه، بل أداة للتغيير الاجتماعي ونقل القصص الصامتة، وتشكل الأفلام الفلسطينية التي تحقق انتشارا عالميًا، جزءا من مقاومة فنية تُحدث تحولا في وعي العالم بالقضية الفلسطينية.

 

اقرأ أيضا:

أيام فلسطين السينمائية.. صوت النضال والمقاومة من خلال الأفلام

السينما كأداة للمقاومة.. النضال الفلسطيني في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي