الشرق الأوسط الجديد: الرابحون والخاسرون‏

‏فلسطينيون يدوسون على صور للرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في احتجاج في غزة - (أرشيفية)
‏فلسطينيون يدوسون على صور للرئيس الأميركي دونالد ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في احتجاج في غزة - (أرشيفية)
عامر أبابكر‏* – (موديرن دبلوماسي) 29/3/2023 ترجمة: علاء الدين أبو زينة تفصل بين المملكة العربية السعودية وجمهورية إيران الإسلامية خلافات سياسية ودينية واستراتيجية ليس من السهل التغلب عليها. ومسارح المواجهة بين الدولتين واسعة، منها اليمن والبحرين والعراق وسورية ولبنان، وهناك حتمًا مجالات وقضايا أخرى تشكل نقاط خلاف.‏ وتركيا ومصر عالقتان في العديد من القضايا الخلافية، أبرزها جماعة الإخوان المسلمين ومسألة ليبيا وحقول الطاقة في البحر الأبيض المتوسط. * * تشهد منطقة الشرق الأوسط والخليج حراكًا سياسيًا ودبلوماسيًا لم تشهد مثله في العقود الثلاثة أو الأربعة الماضية.‏ وتقف وراء هذه الحركة دول مؤثرة مثل المملكة العربية السعودية وتركيا وإيران، وبدرجة أقل مصر. وكان من المستحيل، قبل بضع سنوات فحسب، تخيل حدوث أي تقارب سياسي أو دبلوماسي بين السعودية وإيران، وبين تركيا ومصر، وبين عدد من الدول العربية وسورية.‏ ‏على مدى عقود، عكفت الولايات المتحدة على صنع “شرق أوسط جديد” يحتضن إسرائيل، ثم بعد ذلك تميل الظروف الآن نحو “شرق أوسط جديد يشمل إيران”!‏ فما الذي أدى إلى هذا الحراك الذي ستكون له انعكاسات على التحالفات وخيوط الخلافات؟‏ ثمة العديد من العوامل الإقليمية وغيرها من العوامل البعيدة التي لا تقل تأثيرًا.‏ ‏ على الصعيد الداخلي، من الواضح أن المنطقة، بقادتها وشعوبها، تعبت وملّت من الحروب والاضطرابات، وأصبحت الآن تحسد العالم على تقدمه بينما تبقى هي غارقة في معتقداتها وأزماتها التي لا تنتهي.‏ ‏ وعلى الصعيد الدولي، يمكن الحديث عن الدور الأميركي، ثم التغيرات السياسية والاجتماعية التي تشهدها أوروبا والتي تزامنت مع صعود القوى الدولية على الأطراف، مثل الهند والصين وغيرهما، وأخيرًا اندلاع الحرب في أوكرانيا.‏ كانت البداية مع وصول الرئيس دونالد ترامب إلى سدة السلطة، ولجوئه إلى استخدام لغة مؤلمة في صراحتها، لم تخفِ حقيقة أن الرجل لا يحترم المنطقة وقادتها، بل إنه يعتبرها مجرد بازار يسوِّق فيه ما يريد بلا اعتراض من أحد، أو أنها مجرد صراف آلي يسحب منه المال متى شاء وبقدر ما يريد، ناهيك عن صراحته حين أعلن أنه لن يخوض الحروب نيابة عن منطقة يعتبرها كسولة ومتخلفة وترفض الاعتماد على نفسها. وقد جسَّد ترامب هذه القناعة عندما رفض ضرب إيران ردًا على هجمات الحوثيين الخطيرة على المنشآت النفطية في المملكة العربية السعودية في منتصف أيلول (سبتمبر) 2019.‏ هذه الصراحة الفجة وعدم الاحترام المعلن دفعا الشرق الأوسط ومنطقة الخليج، وخاصة الدول التي لطالما اعتبرت الولايات المتحدة حليفًا أبديًا لها، إلى التساؤل: ماذا سيفعل الديمقراطيون بنا إذا كان ترامب، حليفنا الجمهوري، لا يحترمنا هكذا؟‏ ‏ ثم جاءهم الرد. لم ينتظر الديمقراطيون طويلاً بعد وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض لاتخاذ نهج مشابه لنهج ترامب، وإنما لأسباب أخرى وانطلاقًا من عقلية مختلفة. إضافة إلى انزعاج المملكة العربية السعودية ودول أخرى في المنطقة من قضايا الحقوق والحريات التي ألمحت إليها إدارة بايدن، ثمة ارتباك كبير أبدته هذه الإدارة في التعامل مع مشاكل المنطقة، على العكس من صراحة ترامب ووضوحه، إضافة إلى اهتمامها المفرط بالصراع مع الصين -ولاحقًا الحرب في أوكرانيا- على حساب حلفاء الولايات المتحدة التقليديين في هذه المنطقة.‏ ‏ يجب أن يُسند الفضل إلى إدارتي ترامب وبايدن في تنبيه قادة الشرق الأوسط ومنطقة الخليج، لأن نهجهما كان بمثابة دعوة إلى الاستيقاظ والتي كان تجاهلها سيشكل خطرًا. وكانت الخدمة التي قدمتها الإدارتان لمديري المنطقة هي أنهما كانتا متطابقتين في ازدرائهما لجميع حلفائهما من العرب، مع الحرص على المزيد من خنق إيران وسورية لأسباب معروفة.‏ ‏ في خضم هذا الاتجاه، اندلعت حرب روسيا ضد أوكرانيا لتتسبب في خلط الأوراق في جميع أنحاء العالم، ولكن على وجه التحديد في الشرق الأوسط ومنطقة الخليج بسبب التوترات الاستراتيجية التقليدية وثراء المنطقة بالنفط والموارد الطبيعية، وحاجة معسكري الصراع إلى كسب دعمها لهما.‏ ‏ عندما يتعلق الأمر بحرب أوكرانيا، وقبل كل شيء أوروبا، شكلت هذه الحرب دعوة للاستيقاظ في الاتجاه الإيجابي لقادة الدول العربية والخليجية. وكانت حرب أوكرانيا متنفسًا لهؤلاء القادة على أكثر من مستوى. فقد منحتهم أولاً الفرصة للمناورة والتعبير عن استيائهم من الإهانات الأميركية. وأعطتهم بديلاً لا يقل قوة عن الغرب التقليدي، يمكنهم التعامل معه في ظروف أفضل ومن دون إهانات، هو معسكر روسيا والصين وعشرات الدول التي تسبح في فلكهما حول العالم.‏ ‏ سيكون من الخطأ الإفراط في التفاؤل بشأن هذه الحركة متعددة الأوجه. وتتطلب الواقعية الاعتراف بأنها كلما كانت التطورات أكثر استثنائية، زادت أسباب فشلها في غياب القدر الكافي من التطور والتضحيات المطلوبة من جميع الأطراف. ولعل إحدى نقاط الضعف في هذه الحركة هي أنها جاءت نتيجة للضغط، ومدفوعة بالحاجة وليس بالقناعة. إيران تخنقها العقوبات والوضع الداخلي غير المستقر. ولم تعد المملكة العربية السعودية قادرة على التسامح مع وصول صاروخ واحد يطلقه الحوثيون على أراضيها. والاقتصاد والوضع المالي في تركيا في حالة يرثى لها. ومصر لا يحركها أي شيء آخر غير “الأرز”. ويريد النظام في سورية الخروج من عزلته، في ما سيكون تتويجًا لما يعتبره انتصارًا على خصومه. وتريد الإمارات أن تثبت للولايات المتحدة أن أميركا ليست كل شيء في هذا الكون.‏ ‏ هذا على المستوى السياسي. أما على المستوى العملي، فهناك العديد من العقبات التي ستقف في طريق هذا الحراك، خاصة عندما يتعلق الأمر بالمملكة العربية السعودية وإيران ومصر وتركيا. ولعل من قبيل المصادفة الجيدة (والسيئة في الوقت نفسه) أن ينعكس التطبيع (أو عدمه) بين الرياض وطهران إلى ما هو أبعد من هاتين الدولتين، وينطبق الشيء نفسه على أنقرة والقاهرة.‏ تفصل بين السعودية وإيران خلافات سياسية ودينية واستراتيجية ليس من السهل التغلب عليها. ومسارح المواجهة بين الدولتين واسعة، منها اليمن والبحرين والعراق وسورية ولبنان، وهناك حتمًا مجالات وقضايا أخرى تشكل نقاط خلاف.‏ وتركيا ومصر عالقتان في العديد من القضايا، أبرزها قضية جماعة الإخوان المسلمين ومسألة ليبيا وحقول الطاقة في البحر الأبيض المتوسط. وإلى جانب السياسة الخارجية المصرية غير المستقلة تمامًا والموجهة برياح الخليج، تبقى الملفات الخارجية التركية، بما في ذلك التطبيع مع مصر، مرهونة بنتائج الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في تركيا أواخر أيار (مايو) المقبل.‏ ‏ كما سيكون من الضروري للقادة العرب والخليجيين الذين قرروا الانخراط في هذا الحراك، أن يضعوا في الاعتبار أن الولايات المتحدة لن تقبل بسهولة بالقيام بمناورات من وراء ظهرها في منطقة تعتبرها شأناً مسلّمًا بها منذ أكثر من سبعين عامًا. وهناك أيضًا موقف إسرائيل، التي لن تقبل بإعادة تأهيل النظام الإيراني في المنطقة، ولن تقبل بسهولة بحقيقة أن المنطقة قد فضلت إيران.‏ العزاء هو أن هذه الحركة ليست معزولة عما يحدث في العالم، وإنما هي جزء منه. وما يحدث في العالم يفوق الولايات المتحدة وإسرائيل ويحدث ضد إرادتهما. وهي فرصة لن تتكرر بسهولة إذا عرفت المنطقة كيف تستفيد منها لصالح الجميع.‏ *عامر أبابكر Amer Ababakr: كاتب حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة قبرص الدولية. تخصصه هو السياسة في الشرق الأوسط. وتشمل مجالات اهتماماته العلاقات الدولية، والأمن الدولي، والسياسة الخارجية والصراع العرقي. *نشر هذا المقال تحت عنوان: The New Middle East: The Winners and Losers اقرأ أيضا في ترجمات:
اضافة اعلان