حدود الصرخة: عن "ركبة عهد" وتشوه الهوية الإسرائيلية

Video thumbnail for youtube video i6lnwirrxhq
Video thumbnail for youtube video i6lnwirrxhq

ترجمة: علاء الدين أبو زينة
كوري أتاد – (تيارات يهودية) 6/4/2022
في هذا الحوار، يناقش المخرج نداف لابيد صعوبة -ومخاطر- محاولة التخلص من هويته الإسرائيلية.
* * *
ناداف لابيد، الذي اشتهر بأنه أحد أكثر صانعي الأفلام الإسرائيليين صدامية، انتقل أولاً إلى فرنسا بعد إكمال خدمته العسكرية، في حالة من خيبة الأمل العميقة تجاه بلده.

اضافة اعلان

وهو يروي نسخة من هذه القصة في فيلمه لعام 2019 الحائز على جوائز، "مترادفات" Synonyms، الذي يغامر فيه شاب إسرائيلي بالذهاب إلى باريس للهروب من البلد الذي وُلد فيه، ويرفض التحدث بالعبرية ويتصارع مع مشاعر التواطؤ مع دولة يمقت سياستها.

وفي فيلمه الأخير، "ركبة عهد" Ahed’s Knee، الذي شارك في جائزة لجنة التحكيم في مهرجان "كان" العام الماضي ويُطرح للعرض في هذه الفترة في عدة مدن عبر الولايات المتحدة وكندا، يعود لابيد إلى الأراضي الإسرائيلية بأكثر تصريحاته مباشرة وشخصية حول العلل التي يعاني منها المجتمع الإسرائيلي.

ويحيل عنوان الفيلم إلى تغريدة على "تويتر" للنائب المتحدث باسم الكنسيت والمحرض الكاهاني، بتسلئيل سموتريتش، عن الناشطة الفلسطينية الصغيرة عهد التميمي، التي صفعت جنديًا إسرائيليًا في مقطع فيديو انتشر على نطاق واسع، وقال فيها: "في رأيي، كان يجب أن تُطلق عليها رصاصة، على الأقل في رضفة الركبة". لكن التميمي ليست هي محور تركيز الفيلم.

باستلهام الإحباط من وزيرة الثقافة السابقة، ميري ريغيف، التي استعدَت الفنانين الإسرائيليين بجعل الولاء للدولة شرطًا لتمويل الفنون، يركز الفيلم على صراع أخلاقي بين مخرج سينمائي يُدعى "واي" وممثلة عن وزارة الثقافة تدعى ياهالوم، التي تم تكليفها بإقناع "واي" بالتوقيع على نموذج يوافق فيه على فرض رقابة على نفسه خلال حديث بينهما بعد عرض لفيلمه الجديد في قرية صغيرة في الصحراء.

ويستعدي "واي" بدوره ياهالوم العاشقة -وإنما المتواطئة- ويعذبها بصرخات غاضبة، مليئة بالصلاح الذاتي، ومثيرة للجدل للغاية حول حالة الأمة.

ويستخدم لابيد حركات الكاميرا الجامحة والفواصل الموسيقية ولحظات من السريالية الصارخة بهدف مواجهة المشاهدين بتناقضات كون المرء إسرائيلياً مبدئياً.

جلستُ مؤخرًا مع لابيد عبر تطبيق "زووم" للحديث عن فيلم "ركبة عهد" وعن علاقته المعقدة بإسرائيل. وتم تحرير هذا الحوار من أجل الطول والوضوح. وكان الحوار التالي:

- كوري أتاد: هذا فيلم يتحدث من عدة نواحٍ عن الرقابة. كيف تعتقد أن معاركك مع الجهاز السياسي في إسرائيل أثرت على طريقة إنتاجك للأفلام وما الذي يظهر على الشاشة؟

• ناداف لابيد: كما تعلم، الأمر أشبه بمبارزة بدأناها بالبنادق، والآن نحن على مستوى طائرات "ف-16"، أو، لا أعرف، ربما الغواصات النووية. والصراع يتفاقم.

أشعر أنني بمرور الوقت أصبحت أضعف وأضعف، حتى بينما اكتسبَت أفلامي قدراً من السلطة. بشكل عام، مع حالة السينما، ضعُف إيماني بأن الأفلام يمكن أن تغير شيئًا.

ولذلك، بطريقة ما، ليس لدي خيار سوى أن أصرخ بصوت أعلى. هذا هو امتياز الضعيف.

- أتاد: إذن، يشكل الفيلم نوعاً من طريقتك للرد والدفع؟

• لابيد: أجل. ثمة شيء يتعلق بالجهاز السياسي في إسرائيل، إنه يظن نفسه بالغ الصلاح. الجملة التي يحبها الإسرائيليون أكثر شيء على وجه الأرض هي أن جيشهم هو الجيش الأكثر أخلاقية على هذا الكوكب.

وأنتَ تتساءل كيف يمكنهم أن يقولوا هذا بهذا القدر من الثقة؟ إنه شي قائم على إيمان. وهو ما يمنحك هذه الرغبة التي لا تمكن السيطرة عليها لإجبارهم على فتح عيونهم، حتى لو ترتب عليك أن تفتح أجفانهم كما في قصة "برتقالة آلية".(1)

في إسرائيل لا فرق بين المؤسسة السياسية والجوهر، قلب الأمة. الفيلم يتحدث عن الرقابة، لكنني أعتقد دائمًا أن أسوأ رقابة في إسرائيل هي الرقابة الداخلية، جهاز الاستشعار الصغير الموجود في عقل ونفس كل إسرائيلي تقريبًا، بمن في ذلك أنا.

على سبيل المثال، أعتقد أن إسرائيل هي واحدة من الأماكن الوحيدة حيث سيبرر، حتى الفنانين الذين ينتقدون الدولة، فنهم بقول أشياء من قبيل: "في النهاية، نحن أفضل سفراء لإسرائيل".

كما لو أن مهمة الفنان هي أن يكون سفيراً في الأمم المتحدة! هل يمكنك أن تتخيل بيرتولت بريخت يقول: "في النهاية، أنا أفضل سفير لألمانيا"؟ في إسرائيل، لا يترتب عليك أن تلقي بفنان في السجن لتجبره على التقارب مع الدولة.

لا يمكنك تحديد خط واضح بين المؤسسة القمعية والجماهير المقموعة. إنه العكس تماماً، حسب ما أعتقد: هناك نوع من الانسجام المقزز بينهما. بهذا المعنى، إسرائيل دولة ديمقراطية. ولكن أنقذونا من هذه الديمقراطية.

- أتاد: يتعامل فيلمك مع عداء الشخصية المركزية فيه للمجتمع الإسرائيلي، ولكن أدهشني أن الأمر يتعلق أيضًا بشعوره بالارتباط بالأرض نفسها؛ الصلة بفكرة إسرائيل كموطن للشعب اليهودي.

• لابيد: يعود هذا إلى كلمة تم الإفراط في استخدامها بحيث أصبحت فارغة من المعنى نوعًا ما: الهوية. إنها من ناحية، فكرة مجردة تماماً.

وهي، مع ذلك حاضرة للغاية، وملموسة. من الصعب حقًا فهم ذلك، لكنك تشعر به في كل أنواع الإيماءات اليومية الصغيرة. في أسوأ الأحوال، تشعر قليلاً بشيء مثل "طفل روزماري"(2).

إنه شيء في داخلك. وهو ما يعني أنك إذا كنت تعتقد أن هناك شيئًا شيطانياً وشريراً أو منحرفًا بشأن هذه الهوية، فإن الانحراف الحقيقي يكون هو أنت.

هؤلاء الشياطين ليسوا فقط في داخلك، إنك أنتَ جزء من الشيطان. ولذلك، بطريقة ما، الفيلم هو عمل من طرد الأرواح الشريرة.

لكن المشكلة تكمن في أن مجرد هذا التخيل لأن تصبح بلا هوية يأتي مصحوبًا بالخوف من فكرة أن لا شيء سيتبقى منك. سوف تكون مثل بالون مملوء بالهيليوم.

الأمر كما لو أنني هذا الشخص المجنون الذي يصرخ ويصرخ ويصرخ، ويأتي أحدهم ليسألني: "ما الذي تصرخ بشأنه؟ انظر حولك، كل شيء رائع حقًا هنا".

في الفيلم، هذان الشخصان واحد، هذان الصوتان المتناقضان يخرجان من نفس الفم.

- أتاد: الفيلم إلى حد كبير نوع من معركة بين المخرج ويهالوم. ينتابني فضول إزاء كيفية عرض أوجه التشابه بين خط القص ذاك والقصة التي يحكيها لها "واي" عن حادثة جرت أثناء خدمته العسكرية، والتي فيها –من دون التخلي عن أي شيء- سؤال مفتوح حول ما إذا كان "واي" يلعب دور الجلاد أم الضحية.

- لابيد: أعني، من الناحية الثيمية، هناك تشابه واضح في هذه الحقائق البائسة التي تمنحك فقط خيارات سيئة: يمكنك أن تكون الجلاد، ويمكنك أن تكون الضحية، ويمكنك أن تكون الشخص الذي يراقب عن بعد ولا يتدخل. ولكن لا يوجد خيار لنوع من الحياة الطبيعية الصحية، أن تكون الشخص الذي يقول: "هيه، دعونا نتوقف.

هذا ليس شيئاً لائقاً لنفعله". في قلب الفيلم، توجد هذه المبارزة مع هذه المرأة الشابة النابضة بالحياة والجذابة والذكية والشجاعة، ومشكلتها الوحيدة أنها حتى تقوم بالعمل الذي كرست له نفسه بهذه الطريقة، يجب عليها أن تتعاون مع هذا النظام الشرير والقمعي، وتجعل الناس يوقّعون على هذا النموذج الذي تَعرف أنه غير أخلاقي.

ومن الناحية الأخرى هناك المخرج الذي يسلك هذا الطريق النبيل للمقاومة، والرفض، والقتال. ولكن كما تعلم، الأمر كما قال نيتشه: "لا تتعارك مع الوحوش، لئلا تصبح وحشًا؛ إذا حدّقتَ في الهاوية، فإن الهاوية تحدق فيك أيضًا".

هذا بالضبط هو حال هذا الرجل الذي، من خلال المقاومة والقتال كل الوقت، يعامل الجميع على أنهم أعداء ويفقد علاقته الأساسية بالإنسانية، تعاطفه الأساسي.

وفي عملية كونه مؤمناً بالصلاح الذاتي إلى هذا الحد، يصبح فظيعًا ومريعاً هو نفسه.

- أتاد: والداي إسرائيليان، وأمي عادت إلى إسرائيل قبل بضع سنوات لأن والدها كان مريضًا. واعتقدت أنها قد تنجح هناك، لكنها في النهاية عادت إلى كندا لأنها لم تستطع أن تتكيف مع الأمور.

كانت هناك أسباب متنوعة، أولاً كانت الكلفة باهظة، ولكن أيضًا، كما قالت لي، أنت تركب الحافلة وتشعر بنوع من الكراهية معلقاً هناك في الهواء، ولم تستطع التعامل مع ذلك حقًا. أتساءل عن ما هو شعورك إزاء الحياة في إسرائيل، وماذا يعني العيش مع هذه الأنواع من المشاعر.

• لابيد: أنا أعيش في باريس الآن.

- أتاد: [يضحك]- لابيد: أعني، لقد استُنفدت. وصلت إلى حيث لم أعد أرغب في الذهاب إلى السوبر ماركت بعد الآن؛ شعرت كما لو أنني في صراع مع الزبائن أو حتى مع المنتجات.

إنك تريد أن تنظر إلى شجرة وترى شجرة فقط، تريدُ أن تنظر إلى القمر وترى قمراً، تريد أن تتحدث عن الحب، تريد أن تتحدث عن الكراهية، تريد أن تتحدث عن الجنس.

لكنك بدلاً من ذلك تنظر إلى السماء وهي هذه السماء الإسرائيلية، والشجرة الإسرائيلية. إنه شيء يخترق معظم اللحظات الأكثر يومية في حياتك فحسب. في النهاية شعرت أنني يجب أن أبتعد.

- أتاد: أن يكون لديك إسرائيليون مثل والديّ ليكونوا جمهورك، الذين لديهم هذه العلاقة المعذبَّة مع إسرائيل هو شيء، لكنني أتساءل عن الرد الذي تحصل عليه من الإسرائيليين الذين لم يطرحوا على أنفسهم بعض هذه الأسئلة حول التواطؤ أو الخسائر النفسية للاحتلال. هل تستطيع الوصول إليهم؟

• لابيد: لسوء الحظ، خاصة في هذا العصر الذي يشهد انقسامات اجتماعية أكبر، يمكن للناس أن يتجنبوا بسهولة الأعمال الفنية التي يختلفون معها، أو التي يشعرون أنهم قد يختلفون معها. مع كل هذا الحديث عن التحذيرات من المحتوى، يجب أن يأخذ الناس في الاعتبار أن الأفلام تُصنع أيضًا لنقل الخلاف والتناقضات إلى مستوى مختلف –مستوى من الألوان، والحركة، والوجوه.

إنك إذا أزلت البعد الخلافي، فإنك تختزل قوة الفيلم ليعمل كنوع من إعلان حرب، كاستفزاز، وهو ما أعتقد أنه أحد وظائف الفن.

مع فيلم "ركبة عهد"، جرى الحديث عن الفيلم بطريقة استثنائية في إسرائيل، خاصة بسبب جائزة كان، لكن الكثير من الناس عبروا عن آراء سلبية حول الفيلم من دون مشاهدته.

بطريقة ما، أعتقد أنهم يفضلون أن تكون الأمور بهذه الطريقة. لقد دعت كل أنواع الشخصيات المهمة في إسرائيل إلى مقاطعة الفيلم أو مقاطعتي أنا.

لكنهم لم يشاهدوا الفيلم قط، وأعتقد أن هذا مؤسف، لأنني لا أفكر في ما أفعله على أنه عمل أفلام "يسارية". من المفترض أن تثير الأفلام صراعات وارتباكاً في أذهان المتفرجين، سواء كانوا من اليسار أو اليمين.

وهو ما كان يحدث بشكل أو بآخر. أحيانًا يتفق الناس تمامًا مع أفكار الفيلم، لكنهم يظلون يشعرون مع ذلك بغضب مريع بعد مشاهدته.

- أتاد: إنك تنهي الفيلم بشكل أساسي بمواجهة "واي" بفظاعته الخاصة. وعلى الرغم من أنه يمكنك قول إنه كان صالحًا في التهديد بفضح نفاقها، إلا أنه يتحول إلى البكاء في مواجهة ما يفعله بشخص آخر بالضبط.

بهذا المعنى، على الرغم من أن الفيلم يثير الكثير من الجدل، إلا أنني لا أعرف ما إذا كان جدلياً وهجومياً.

• لابيد: أوافقك الرأي، وبهذا المعنى أعتقد، بشكل غريب، أنه أكثر أفلامي، لا أعرف ما إذا كنت لأقول، تفاؤلاً، ولكن دعنا نقل الأكثر إنسانية.

بينما ينتهي فيلم "مترادفات" بإلقاء شخص بنفسه على باب مغلق، ينتهي هذا الفيلم بيد تداعب وجه شخص. إذن هناك، بطريقة ما، هذا الخيار –ليس الحل، بطبيعة الحال، ولكن هناك على الأقل خيار- هذا الاتصال البشري الأكثر أساسية وجوهرية، كطريق، على الرغم من كل التناقضات والأضداد، إلى لحظات صغيرة من الخلاص.

- أتاد: هل تعتقد أنك قد ترغب في صناعة أفلام لا تتعلق بإسرائيل؟
• لابيد: أعتقد في النهاية أنني أعرف فقط كيف أغني أغنية واحدة. ولكن دعنا نقل أنني الآن بعد أن أصبحت نوعًا من صرخة فظيعة، أود أن أحاول غناءها ربما بشكل مختلف قليلاً.

*أتاد أتاد Corey Atad: كاتب مستقل مقيم في تورونتو. وقد كتب لمنشورات مثل "إسكواير"، "سليت"، "هازلت" و"ذا بافلر".
*نشر هذا الحوار تحت عنوان: The Limitations of the Scream

هوامش المترجم:
(1) برتقالة آلية A Clockwork Orange هو فيلم خيال علمي وجريمة بريطاني أنتج في العام 1971، من إخراج وإنتاج وسيناريو ستانلي كوبريك، مبني على الرواية التي تحمل نفس الاسم للكاتب أنتوني برجس.

ويوصف الشخص بأنه "برتقالة آلة" إذا كان بإمكانه فعل الخير فقط أو الشر فقط -ما يعني أنه يتمتع بمظهر كائن حي جميل وملون ولكنه في الواقع مجرد لعبة آلية يعبئها الله أو الشيطان.

(2) طفل روزماري Rosemary's Baby هو فيلم رعب نفسي أميركي ظهر في العام 1968 من تأليف وإخراج رومان بولانسكي.

ويتعقب الفيلم قصة زوجة شابة حامل في مانهاتن تشك في أن جاريها المسنان أعضاء في طائفة شيطانية، وأنهما يتقربان منها من أجل استخدام طفلها في طقوسهما.

وهو مقتبس من رواية العام 1967 التي تحمل نفس الاسم للكاتب إيرا ليفين.

لقطة من فيلم ركبة عهد – (المصدر)