"داعش" يتقدم في أفريقيا

‏لافتة على طريق شمالي في مالي كتب عليها "ولاية غاو الإسلامية ترحب بكم" - (أرشيفية)
‏لافتة على طريق شمالي في مالي كتب عليها "ولاية غاو الإسلامية ترحب بكم" - (أرشيفية)

تسيطر الفروع المحلية لتنظيم "داعش" حالياً على أراض في مالي والصومال وموزمبيق، مما يمهد الطريق لموجة جديدة من حشد المقاتلين الأجانب، والاستيلاء على الفرص لاستخراج الموارد -وربما حتى القيام بعمليات خارجية ضد الدول الغربية.
*   *   *
بعد مرور نحو خمس سنوات الآن على خسارة تنظيم "داعش" سيطرته على الأراضي في مناطقه الأساسية في العراق وسورية، يسعى التنظيم مجدداً إلى تحقيق مكاسب إقليمية في مختلف أنحاء أفريقيا. في مالي، استولت قواته في العام الماضي على أجزاء من منطقة "ميناكا الشرقية" الريفية، ومنطقة "أنسونغو" في جنوب جاو، بينما أفادت التقارير بأن المقاتلين الأجانب أصبحوا أكثر اهتماماً بالسفر إلى ما يطلق عليه التنظيم اسم "ولاية الساحل".

اضافة اعلان

 

وفي مناطق أخرى، استولت "الولايات" التابعة لتنظيم "داعش" في الصومال وموزمبيق على مدن مختلفة في منطقتَي "بونتلاند" و"كابو ديلغادو" خلال الشهرين الماضيين، مما أدى إلى المزيد من زعزعة الاستقرار في المنطقة، وفي بعض الحالات تعريض مشاريع الغاز الطبيعي المهمة للخطر.

 


مالي: إثارة اهتمام المقاتلين الأجانب؟

 


منذ أوائل العام 2023، أشارت سلسلة من الاعتقالات في صفوف الشبكات الجهادية المغربية والإسبانية إلى تزايد الاهتمام بتجنيد المقاتلين الأجانب في مالي. وكان من بين الاعتقالات:


• كانون الثاني (يناير) 2023: أدت عملية مغربية - إسبانية مشتركة لمكافحة الإرهاب إلى تفكيك خلايا في "شتوكة آيت باها" و"ألمريه"، حيث كانت العناصر تساعد تنظيم "داعش" في تجنيد أشخاص للقتال في مالي وتسهيل سفرهم إلى "ولاية الساحل".


• آذار (مارس) 2023: قامت السلطات المغربية بتفكيك خلايا في كل من سوق الأربعاء وتطوان والعرائش. وفي كل حالة، كان المشتبه بهم يسعون إلى التدرب في معسكرات عسكرية تابعة لتنظيم "داعش" في مالي.


• تشرين الأول (أكتوبر) 2023: قامت السلطات المغربية بتفكيك خلايا في طنجة وتطوان وإنزكان، حيث عثرت على مخطوطة حول طرق الانضمام إلى تنظيم فرع "’داعش‘ في ولاية الساحل".


• كانون الثاني (يناير) 2024: قامت السلطات المغربية بتفكيك خلايا للتجنيد والإسناد في طنجة والدار البيضاء وبني ملال وإنزكان، والتي كانت ترسل المقاتلين إلى "ولاية الساحل".


• شباط (فبراير) 2024: اعتقلت السلطات المغربية مواطناً في مدينة سلا بسبب تواصله مع عناصر تنظيم "داعش" لتسهيل سفره إلى "ولاية الساحل".

 


وفي حالات أخرى، لم يتم رصد المشتبه بهم الأجانب إلا بعد أن بدأوا بالقتال في المسارح المحلية، ووصلوا أحياناً إلى مناطق حرب متعددة قبل القبض عليهم. وفي تشرين الثاني (نوفمبر)، أُلقي القبض على أربعة مغاربة -إلى جانب أعضاء من تنظيم "داعش" في الصومال- في علمسكاد، وهي منطقة جبلية تقع في منطقة بونتلاند الانفصالية. وبعد ثلاثة أشهر، أُلقي القبض في أوفين على اثنين من كبار أعضاء تنظيم "داعش" في الصومال -أحدهما من المغرب والآخر من سورية.


وبالإضافة إلى المجندين الجدد، كان العديد من المقاتلين الأجانب قد انضموا بالفعل إلى تنظيم "داعش في ولاية الساحل" منذ سنوات، حيث اتجهوا إلى الجنوب الغربي من بلدانٍ أخرى بعد أن فقد التنظيم سيطرته في مدينة سرت الليبية، وعانى من حملة شديدة لمكافحة الإرهاب في تونس.

 

ومع أن تدفق المقاتلين إلى أفريقيا لا يقترب بأي حال من الأحوال مما شهدته سورية في العقد الماضي، فقد تؤدي عمليات الحشد والتجنيد -وإن كانت صغيرة- إلى تنفيذ عمليات إرهابية خارجية في الدول الغربية، كما كان حال المؤامرات الناشئة في الصومال واليمن قبل سنوات. لذلك، يستحق هذا السيناريو أن يتم الاستعداد له اليوم، خاصةً بعد أن نقل "داعش" جزءاً كبيراً من جهود التخطيط لعملياته الخارجية من سورية إلى "ولاية" أفغانستان (المعروفة أيضاً باسم "ولاية خراسان").

 


الصومال: الاستيلاء على الأراضي من "حركة الشباب"


في الفترة من شباط (فبراير) إلى كانون الأول (ديسمبر) 2023، قاتل تنظيم "داعش" في الصومال ضد "حركة الشباب" التي هي فرع لتنظيم "القاعدة"، في أنحاء مختلفة من بونتلاند. وفي الشهر الماضي، أعلن "داعش" أنه سيطر على قرى في منطقة باري الانفصالية.

 


تكتسي هذه التطورات بأهمية خاصة لأن تنظيم "داعش" في الصومال أصبح حلقة رئيسية في شبكات جمع الأموال العالمية التابعة لتنظيم "داعش"، حيث يربط الممولين من جنوب أفريقيا بفرع "’داعش‘ - ولاية خراسان". وكما ذكر أعلاه، يعد فرع الصومال الأكثر نشاطاً في الوقت الحالي، من حيث تخطيط العمليات الخارجية وتنفيذها.

 

ومع استيلاء تنظيم "داعش" في الصومال على أراض خاصة به، فقد أصبح باستطاعته توفير المزيد من الموارد لمجموعة الأهداف العالمية المتوسعة الخاصة بتنظيم "’داعش‘ - ولاية خراسان".


موزمبيق: استعادة الأراضي

 


بعد السيطرة على أجزاء من محافظة كابو ديلغادو الشمالية الشرقية من العام 2019 إلى العام 2021، تراجعت تدريجياً السيطرة الإقليمية لتنظيم "داعش" في موزمبيق في وجه حملات مكافحة الإرهاب التي أطلقها الجيش الرواندي و"بعثة الجماعة الإنمائية للجنوب الأفريقي في موزمبيق".

 

ولكن، مع استعداد قوات هذه البعثة للانسحاب في تموز (يوليو) المقبل، بدأ تمرد تنظيم "داعش" في إعادة بناء نفسه في الأسابيع الأخيرة، حيث استولى على مدينتَي موكوجو وكويسانغا في كابو ديلغادو وتوسع جنوباً إلى منطقة شيوري.

 


لسوء الطالع، تشير هذه التطورات -وخاصة الهجوم على موكوجو الذي أسفر عن مقتل عشرين جندياً- إلى أن الجيش الموزمبيقي لن يكون قادراً على الدفاع عن نفسه من دون "بعثة الجماعة الإنمائية للجنوب الأفريقي في موزمبيق".

 

ويبدو أن احتمال حدوث انهيار أمني كامل في موزمبيق قد أصبح أكبر من احتمال حدوثه في منطقة عمليات تنظيم "داعش" في الصومال. وقد تحدثت وسائل الإعلام المحلية مسبقًا عن تدفقات لأكثر من 30.000 نازح جديد ينتقلون من جنوب كابو ديلجادو إلى مقاطعة نامبولا.


في الوقت نفسه، تزعم شركة "توتال إنرجيز" للطاقة Total Energies التي يقع مقرها في فرنسا أنها ستستأنف مشروعها البحري لاستخراج الغاز الطبيعي المسال بالقرب من مناطق عمليات تنظيم "داعش" في موزمبيق.

 

ولكن، كما هو الحال مع إعلانات النصر التي ظهرت في أعقاب النجاحات العسكرية التي حققتها "بعثة الجماعة الإنمائية للجنوب الأفريقي في موزمبيق"، قد يكون التفاؤل المحيط بتنفيذ هذه الخطط في مجال الطاقة سابقاً لأوانه.

 

وتشكل مسألة الغاز أيضاً تذكيراً مفيداً بأن جهود مكافحة الإرهاب غالباً ما تتداخل مع المنافسة بين القوى العظمى. وتعد قدرة موزمبيق من حيث الغاز الطبيعي المسال خامس أكبر قدرة في القارة، لكن الفشل المستمر في تشغيلها بسبب التمرد لم يؤدّ إلا إلى تفاقم مشاكل السوق الدولية التي سببتها صدمات الحرب في أوكرانيا.


التداعيات السياسية

 


توضح الأحداث الأخيرة في الصومال وموزمبيق ومالي إصرار تنظيم "داعش" المستمر على السعي إلى السيطرة على الأراضي أينما استطاع، حتى في المناطق التي لا تندرج عادة ضمن أولويات أعدائه اللدودين في الغرب. إلا أن هذه الجيوب الصغيرة التي يسيطر عليها التنظيم قد تُحدِث تأثيراً أكبر إذا أتاحت له إمكانية استئناف عملياته الخارجية، وتوسيع نشاطه المالي، وتعطيل إمدادات الطاقة العالمية.


بناءً على ذلك، ينبغي على الحكومات الغربية وشركائها المحليين مواصلة جهود إنفاذ القانون لوقف تدفق المقاتلين الأجانب إلى مالي والأماكن الأخرى، في حين يجب عليهم العمل أيضاً على تقويض تحقيق الأهداف الإرهابية المحتملة في مناطق الساحل وخليج غينيا.

 

وبطبيعة الحال، سوف تتعقد هذه الجهود بسبب هيمنة روسيا على مجال مكافحة الإرهاب في بعض البلدان وسط الانقلابات في مالي وبوركينا فاسو والنيجر.

 

ومع ذلك، يظل من المهم العمل مع شركاء آخرين في المنطقة -مع تذكير المسؤولين المحليين أيضاً بأن التمرد متعدد البلدان قد تفاقم منذ أن دخلت روسيا الصورة، وحلت محل بنية مكافحة الإرهاب التي تقودها فرنسا وتدعمها الولايات المتحدة.


في الصومال، يواصل الفرع المحلي لتنظيم "داعش" تأدية دور مهم في تعزيز الشبكات المالية العالمية التابعة للتنظيم الأم، على الرغم من وفاة قائده المالي، بلال السوداني، في كانون الثاني (يناير) 2023.

 

ولذلك، يتعين على وزارة الخزانة الأميركية مضاعفة جهودها لإدراج القادة الجدد في تنظيم "داعش" في الصومال وشركائه في الخارج على لائحة العقوبات، وذلك بهدف تعطيل تحويل الأموال بين ولايات "داعش" المنتشرة في أفريقيا الجنوبية، والقرن الأفريقي، وجنوب آسيا.


وفي ما يتعلق بموزمبيق، يجب على واشنطن إشراك "الجماعة الإنمائية للجنوب الأفريقي"، وحثها على تمديد فترة العمليات المحلية التي تنفذها بعثتها في موزمبيق إلى ما بعد شهر تموز (يوليو) المقبل. وإذا لم يحدث ذلك، قد يعمد تنظيم "داعش" في موزمبيق قريباً إلى إقامة مشروع حُكم آخر في الشمال الغربي -وربما يقوض تدفقات الغاز الطبيعي المسال في وقت تعاني فيه أسواق الطاقة العالمية وتبقى حساسة للغاية لمزيد من الاضطرابات.


من المؤكد أن الأمور الأكثر أهمية من الناحية الاستراتيجية، مثل حرب أوكرانيا، والحرب بين "حماس" وإسرائيل، ومسألة الصين، ستستمر في جذب قدر كبير من اهتمام واشنطن. ومع ذلك، فإن السماح لتنظيم "داعش" بزيادة مكاسبه وبناء مشاريع حكم جديدة قد يفسح المجال أمامه للتخطيط لارتكاب فظائع أخرى تغير قواعد اللعبة، وتعيده إلى رأس أجندة السياسات الخاصة بالغرب.

*هارون ي. زيلين: هو زميل "ريتشارد بورو" في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى حيث يتركز بحثه على الجماعات الجهادية العربية السنية في شمال أفريقيا وسورية، وعلى نزعة المقاتلين الأجانب والجهادية الإكترونية عبر الإنترنت.

 

اقرأ المزيد في ترجمات :

  رد "داعش" على أحداث "7 أكتوبر"