رد "داعش" على أحداث "7 أكتوبر"

مقاتلون من تنظيم "داعش" في سورية - (أرشيفية)
مقاتلون من تنظيم "داعش" في سورية - (أرشيفية)

تمحورت استجابة تنظيم "داعش" لأحداث السابع من تشرين الأول (أكتوبر) حول حجة أن الهجمات على الأهداف داخل مناطق عملياته الموجودة مسبقًا ما تزال مهمة.
*   *   *
كان الهجوم المفاجئ الذي شنته حركة "حماس" في السابع من تشرين الأول (أكتوبر) على إسرائيل بمثابة منصة انطلاق للمجموعات الجهادية حول العالم من أجل إعادة تنشيط عمليات التجنيد والدعاية فيها.

اضافة اعلان

 

وسرعان ما أعلنت المنظمات المتطرفة العنيفة السنية، مثل "هيئة تحرير الشام" و"طالبان" و"القاعدة"، تضامنها مع الجهاد ضد إسرائيل واليهود. إلا أن تنظيم "داعش" كان بطيئًا في تنظيم استجابة، على الرغم من مكانته كإحدى المنظمات الجهادية الأشهَر والأكثر انتشارًا في العالم.


وما قد يفسر جزئيًا رد الفعل المتحفظ الذي أبداه تنظيم "داعش" هي أيديولوجيته الأساسية، التي طالما أعطت الأولوية لإقامة الخلافة والسيطرة على الأراضي على القضية الفلسطينية. وفي الواقع، كان تنظيم "داعش" على مر السنين ينتقد مرارًا وتكرارًا حركة "حماس" بسبب أجندتها القومية وتحالفها مع إيران.

 

وفي المقابل، ركّز تنظيم القاعدة منذ فترة طويلة على القضية الفلسطينية في أيديولوجيته التي تدعو إلى طرد الكيانات غير المسلمة من المناطق الإسلامية التقليدية. وسارع التنظيم لاحقًا إلى الثناء على "مجاهدي فلسطين"، في الأسبوع الذي تلا أحداث 7 تشرين الأول (أكتوبر).


في الوقت نفسه، هناك عامل آخر وراء الاستجابة البطيئة لتنظيم "داعش" يتمثل في افتقاره إلى وجود تنظيمي داخل إسرائيل وفلسطين، ربما بسبب قوة القطاع الأمني في إسرائيل ووجود مجموعات منافسة من القوميين الفلسطينيين وجهات فاعلة غير حكومية إسلامية وجهادية في غزة والضفة الغربية.

 

ونظرًا إلى هذا النقص في القدرات، تمحورت استجابة تنظيم "داعش" لأحداث السابع من تشرين الأول (أكتوبر) على حجة أن الهجمات على الأهداف داخل مناطق عملياته الموجودة مسبقًا ما تزال تشكل مساهمةً في القضية الفلسطينية، على الرغم من عدم ضرب أهداف يهودية أو إسرائيلية بشكل مباشر.


تأخر تطوير الاستجابة

 


يفسر عدم تركيز تنظيم "داعش" على فلسطين البطء في استجابته لهجوم السابع من تشرين الأول (أكتوبر). وحتى عندما حدث ذلك، كانت رسائله وعملياته متسقة إلى حدٍ كبيرٍ مع الأنماط السائدة ما قبل هذا التاريخ، مما يعكس عدم مرونة أولوياته الأيديولوجية. وقد ظهر الرد الأولي لتنظيم "داعش" على الهجوم في صحيفته الأسبوعية "النبأ".

 

ولم يعترف المقال الافتتاحي الأول بعد 7 تشرين الأول (أكتوبر) بالهجوم صراحةً، بل أشار فقط إلى حاجة المسلمين إلى الجهاد من أجل دعم بعضهم البعض في أوقات المعاناة.

 

وبعد أسبوع، أي في 19 تشرين الأول (أكتوبر)، كان تنظيم "داعش" أقل حذرًا، إذ نشر مقالًا افتتاحيًا في صحيفة "النبأ" بعنوان "خطوات عملية لقتال اليهود"، حيث اعتبر أن على المسلمين أولًا محاربة الأنظمة العربية التي تعمل بمثابة "خطوط وجُدر الدفاع المتقدمة" عن الدولة اليهودية من أجل تدمير إسرائيل.

 

وفي هذا المقال، زعم تنظيم "داعش" أنه يقوم بدوره لمساعدة الفلسطينيين المسلمين من خلال مهاجمة الأنظمة "المرتدة" غير الإسلامية.


إلا أن هذا الخطاب وهذه الدعوة إلى العمل لم يؤديا إلى أي رد متواصل على الأرض حتى 4 كانون الثاني (يناير)، عندما دعا تنظيم "داعش" أتباعه رسميًا إلى تنفيذ حملة هجومية عالمية. ففي رسالة صوتية بعنوان "واقتلوهم حيث ثقفتموهم"، دعا المتحدث الرسمي باسم تنظيم "داعش"، أبو حذيفة الأنصاري، مقاتلي التنظيم بالتحديد إلى مهاجمة الأهداف المسيحية واليهودية قائلًا لهم: "لا تفرقوا بين كافر مدني أو عسكري".

 

ومع أنه من المعروف أن تنظيم "داعش" يروج مرة في السنة لهذا النوع من الحملات العالمية، تُعتبَر هذه الدعوة إلى العمل جديرة بالملاحظة، لأنه وجهها بعد أن تجنبها للمرة الأولى في كانون الثاني (يناير) من العام الماضي لأول مرة منذ عقدٍ تقريبًا.


بدأت سلسلة الهجمات عبر تنفيذ تفجير في مراسم إحياء ذكرى قاسم سليماني في مدينة كرمان الإيرانية في 3 كانون الثاني (يناير)، والذي أدى إلى مقتل 84 شخصًا وإصابة نحو 280 آخرين.

 

وفي اليوم التالي لإصدار الرسالة (5 كانون الثاني (يناير))، نفذت جميع الولايات النشطة التابعة لتنظيم "داعش" والتي تدار بشكل مستقل، لكنها تدين بالولاء لـ"خليفة" التنظيم، عدة هجمات أصغر حجمًا استهدفت مواقع عسكرية وحواجز طرق ومدنيين مسيحيين ودوريات عسكرية وجواسيس مزعومين.

 

وقد شملت نسبة كبيرة من الهجمات التي تبناها التنظيم صورًا أو مقاطع فيديو عنها، كما أن الحجم الإجمالي للنشرات الإعلامية الصادرة عن تنظيم "داعش" خلال الحملة تجاوز إلى حدٍ كبيرٍ معدل المنشورات التي صدرت في الأشهر الاثني عشر السابقة.


أظهرت عدة مقاطع فيديو من تلك التي رافقت الهجمات لقطات لمقاتلي تنظيم "داعش" وهم يؤكدون تضامنهم مع غزة، ويعلنون تصميمهم على مواصلة جهادهم ضد المسيحيين واليهود.

 

حتى أن أحد مقاطع الفيديو أظهر أحد مقاتلي تنظيم "داعش" في مالي وهو يطلق صواريخ مكتوبة عليها الرسالة الآتية: "ثأرًا لإخوتنا المسلمين في غزة".

 

كما نشرت صحيفة "النبأ" رسمًا بيانيًا يلخص الحملة، حيث يزعم تنظيم "داعش" أن مقاتليه نفذوا أكثر من 110 هجمات بين 1 و10 كانون الثاني (يناير)، مما أسفر عن مقتل أو جرح ما لا يقل عن 610 أشخاص.

 

ومع أن هذه الأرقام تبدو مثيرة للإعجاب، فإن طبيعة الهجمات ما بعد هجوم كرمان تتفق بشكل ملحوظ مع نوع الهجمات التي كانت تشنها ولايات "داعش" قبل الحملة.

 

كذلك، نظرًا إلى ميل تنظيم "داعش" إلى قلة الإبلاغ عن الهجمات، كانت وتيرة الهجمات المعلنة هي التي ازدادت على الأرجح خلال الحملة، وليس وتيرتها الفعلية.


العمليات الخارجية

 


من المثير للاهتمام أن حملة الهجمات تضمنت عملية خارجية واحدة فحسب هي: التفجيران الانتحاريان في كرمان، اللذان نفذتهما "ولاية خراسان" التابعة لتنظيم "داعش"، والمتمركزة بشكل أساسي في أفغانستان التي تسيطر عليها حركة "طالبان".

 

وقد شعر تنظيم "داعش" بضرورة تبرير استهداف إيران في وقتٍ "نجد فيه الكثيرين يدعون إلى مناهضة اليهود وجرائمهم المرتكبة بحق جميع المسلمين"، على حد تعبيره. وتم تخصيص المقال الافتتاحي في صحيفة "النبأ" في الأسبوع التالي لتوضيح أن التفجير الانتحاري في كرمان كان ضروريًا من أجل تذكير المسلمين بأن إيران، أي القائدة المفترضة لـ"محور المقاومة" ضد إسرائيل، ما تزال تشكل عدوًا للإسلام السني، وهي حجة تميز أيديولوجية "داعش" المعادية للشيعة.

 

كما أن النبرة الدفاعية في المقال، الذي زعم أن تنظيم "داعش" هو "أكثر حرصًا على النتيجة العقائدية منه على النتيجة العسكرية"، تشير إلى أن التنظيم يكافح من أجل تبرير عجزه عن تنظيم هجمات خارجية تستهدف اليهود أو المسيحيين.

 


إلى جانب التفجيرين في إيران، كشفت السلطات في الأشهر الأخيرة أدلة تُشير إلى أن "تنظيم داعش في ولاية خراسان" حاول تنفيذ عدد من العمليات الخارجية الأخرى ضد المسيحيين واليهود في أوروبا وتركيا وقيرغيزستان، وذلك بالتنسيق مع تنظيم "ولاية خراسان"، الذي زاد في السنوات القليلة الماضية من عدد شبكاته الخارجية باعتباره المجموعة الأساسية في العراق وتركيا التي تركز سورية على بقائها.


خلال الأسبوع الأخير من كانون الأول (ديسمبر) 2023، تم القبض على ثمانية أعضاء من خلية تابعة له، ولديها عملاء في فيينا وغرب ألمانيا، بتهمة التخطيط لتفجير كاتدرائية كولونيا وكاتدرائية القديس ستيفانس في عطلة الشتاء.

 

وفي الأسبوع نفسه، في 25 كانون الأول (ديسمبر)، ألقي القبض على صبيين مراهقين في قيرغيزستان بتهمة التخطيط لتفجير ساحة مركزية وكنيسة في جلال آباد، بناءً على تعليمات وجهها إليهما مسؤولو "تنظيم داعش في ولاية خراسان".

 

وبعد بضعة أيام، في 29 كانون الأول (ديسمبر)، ألقي القبض على 32 شخصًا في تركيا بتهمة التخطيط لتفجير كنيسة كاثوليكية ومعبدين يهوديين في إسطنبول بإدارة "تنظيم داعش في ولاية خراسان". وبعد هذه السلسلة من المخططات الفاشلة، نجحت ولاية تركيا التابعة لتنظيم "داعش" في 28 كانون الثاني (يناير) في تنفيذ هجوم على إحدى كنائس إسطنبول، مما أسفر عن مقتل شخص وإصابة آخر.

 

أما مرتكبا الهجوم فهما مواطنان طاجيكي وروسي، وربما كانا مرتبطين بشبكة العمليات الخارجية التابعة لـ"تنظيم داعش في ولاية خراسان"، وإذا تمكّن تنظيم "داعش" من تنفيذ المزيد من الهجمات الخارجية ضد المسيحيين أو اليهود، فقد تصبح مساهمته أكثر واقعية في ما يسمى "عملية قتال اليهود"، وهي إستراتيجية داعش المعلنة لدعم المسلمين في غزة.


في الوضع الحالي، ليس من المستغرب أن تنظيم "داعش" لم يغير أنماطه الأيديولوجية أو العملياتية في أعقاب أحداث السابع من تشرين الأول (أكتوبر).

 

ففي حين تغيرت رسائل التنظيم في محاولة لربط أنماطه العملياتية الحالية بالنزاع في غزة، يواصل التنظيم الترويج لمواقفه السابقة المناهضة للشيعة والتكفيريين، كما توقف عن مناقشة الوضع في غزة، وهو ما يتناقض مرة أخرى بشكل حاد مع موقف تنظيم القاعدة.

 

وقد نفذ "تنظيم داعش في ولاية خراسان" التصعيد الأساسي في العمليات. ويشير العدد الكبير من المخططات التي خطط لها في نهاية شهر كانون الأول (ديسمبر) إلى نمو قدرة التنظيم على القيام بعمليات خارجية.


تبقى معرفة إذا ما كان عدم قيام تنظيم "داعش" بتعديل أيديولوجيته للتكيف مع واقع ما بعد السابع من تشرين الأول (أكتوبر) سيضر بجاذبيته في المستقبل، لكنه لن يعمد على الأرجح إلى تغيير أولوياته بشكلٍ كبيرٍ حتى يعكس النزعة الجهادية الجديدة المتمركزة حول فلسطين.

 

ومع ذلك، تظل قدرة هذا التنظيم على الاستفادة من الفوضى الحالية قائمة، ويبدو أنه ينتظر بصبرٍ ليرى كيف أن عدم الاستقرار المتزايد بين عدة جهات فاعلة حكومية وغير حكومية في الشرق الأوسط سيخدم مصالحه على أفضل وجه، وحتى يرى بشكل خاص ما إذا كان الانسحاب الأميركي من العراق وسورية سيمنحه الفرصة التي كان يبحث عنها.


*إيلانا وينتر: مساعدة باحثة في "برنامج راينهارد للاستخبارات ومكافحة الإرهاب" التابع لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى.

 

اقرأ المزيد في ترجمات:

"داعش - ولاية خراسان" يصبح عالميا: العمليات الخارجية انطلاقا من أفغانستان