غزة - فلسطين: "طوفان الأقصى" وحق المقاومة

فلسطينيون يحتفلون باستيلائهم على دبابة إسرائيلية قرب خان يونس،  غزة، 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023 - (المصدر)
ألان غريش* - (أوريان 21) 9 تشرين الأول (أكتوبر) 2023

يمكننا أن نأسف بحق، كما في أي حرب، لمقتل المدنيين، ولكن هل هناك "مدنيون طيبون" يستحقون أن نذرف الدموع من أجلهم، وآخرون "سيئون" مثل الفلسطينيين الذين يُقتلون يوميا في الضفة الغربية من دون أن يثير موتهم قدرا يُذكر من الاستنكار؟... ما تؤكده الأحداث الجارية، مرة أخرى، هو أن الاحتلال يطلق العنان دائما لمقاومة يتحمل المحتل وحده مسؤوليتها.

اضافة اعلان

 

وكما ورد في المادة الثانية من إعلان حقوق الإنسان والمواطن الصادر في 26 آب (أغسطس) 1789، فإن "مقاومة القمع" هي حق أساسي، وللفلسطينيين حق المطالبة به.
*   *   *
حصل هذا أيضا في شهر تشرين الأول (أكتوبر)، منذ خمسين عاما تحديدا، في العام 1973. كانت الجيوش المصرية والسورية قد عبرت خطوط وقف إطلاق النار لتلحق خسائر فادحة بالجيش الإسرائيلي، فارتجت تل أبيب لهول ما وقع.

 

وعلى الرغم من حصول أجهزة استخباراتها على معلومات تفيد بهجوم وشيك، تمسكت القيادة السياسية بغطرستها: أنّى للعرب الذين هزموا في العام 1967 أن يكونوا قادرين على القتال؟ بالنسبة للإسرائيليين، كان من الممكن أن يستمر احتلال الأراضي العربية من دون ردة فعل، وإلى أجل غير مسمى.


"هل هو اعتداء أن يحاول أحد العودة إلى منزله؟"


أدان العديد من المعلقين في أوروبا والولايات المتحدة في ذلك الوقت "العدوان" المصري السوري غير المبرر وغير الأخلاقي و"غير المسبَّب"، في رأيهم -وكَم يحب زعماء إسرائيل هذه العبارة الأخيرة التي تسمح لهم بالتعتيم على جذور الصراع، أي الاحتلال.

 

وقد أظهر ميشيل جوبير، وزير الخارجية الفرنسي في ذلك الوقت، وعيا مشرفا لبلاده: "هل هو اعتداء عندما يحاول أحدهم أن يعود إلى منزله؟".

 

صحيح أن صوت باريس في ذلك الوقت كان يحلق عاليا فوق الهرج الغربي، وكان يؤكد أن الاعتراف بالحقوق الوطنية للفلسطينيين والانسحاب من الأراضي العربية المحتلة في العام 1967 هما مفتاحا السلام.


إذا كانت الرغبة في إنهاء احتلال سيناء والجولان شرعية في العام 1973، فكيف تكون رغبة الفلسطينيين في تحرير أنفسهم من الاحتلال الإسرائيلي غير شرعية اليوم، بعد مرور خمسين عاما؟ كما كان الحال في حرب تشرين الأول (أكتوبر) 1973، فوجئت تل أبيب بالمبادرة الفلسطينية ومُنيت بهزيمة عسكرية ذات حجم استثنائي.

 

وكما في حرب تشرين الأول (أكتوبر) المذكورة أيضا، أسهمت غطرسة المحتل، واحتقاره للفلسطينيين، وقناعة هذه الحكومة اليهودية المتعصبة بأن "الله إلى جانبها"، في عماها.


لم يكن الهجوم الذي شنته القيادة العسكرية المشتركة لأغلب التنظيمات الفلسطينية بقيادة "كتائب عز الدين القسام"، الجناح العسكري لحركة حماس، مفاجئا فقط بسبب التوقيت الذي تم اختياره، بل أيضا بحجمه وتنظيمه، وبقدراته العسكرية المستخدمة التي مكنت، من بين أمور أخرى، من اجتياح القواعد العسكرية الإسرائيلية.

 

لقد وحدت هذه العملية كل الفلسطينيين، وأثارت دعما واسع النطاق في العالم العربي، على الرغم من سعي قادته إلى التطبيع مع إسرائيل والتضحية بفلسطين.

 

وحتى محمود عباس، رئيس السلطة الفلسطينية التي يعود وجودها في الأساس إلى تعاونها الأمني مع الجيش الإسرائيلي، رأى نفسه مضطرا إلى الإعلان عن "حق الشعب الفلسطيني في الدفاع عن نفسه في مواجهة إرهاب المستوطنين وقوات الاحتلال"، وعن "ضرورة توفير الحماية لأبناء شعبنا"(1).


جميعهم إرهابيون!


في كل مرة ينتفض فيها الفلسطينيون، يستحضر الغرب -الغرب نفسه الذي لا يتوانى عن تمجيد مقاومة الأوكرانيين- تهمة الإرهاب.

 

وهكذا أدان الرئيس إيمانويل ماكرون "بشدة الهجمات الإرهابية التي تضرب إسرائيل حاليا"، من دون أن ينبس ببنت شفة عن استمرار الاحتلال الذي هو مصدر العنف.

 

وما يزال صمود الفلسطينيين عنيدا لا يقهر، يذهل المحتلين، ويبدو أنه يصدم العديد من الغربيين. وكما حدث خلال الانتفاضة الأولى في العام 1987 أو الانتفاضة الثانية في العام 2000، وكما حدث أثناء عمليات المقاومة المسلحة في الضفة الغربية أو التعبئة لصالح القدس، وكما حدث أثناء المواجهات في محيط غزة -المحاصرة منذ العام 2007 والتي عانت من ست حروب خلال 17 عاما (حيث أسفرت هذه الحروب عن 400 قتيل في العام 2006، و1.300 في العام 2008-2009، و160 في العام 2012، و2.100 في العام 2014، وما يقارب 300 في العام 2021، والعشرات خلال ربيع العام 2023)- يدين المسؤولون الإسرائيليون "همجية" خصومهم، وقلة اكتراثهم بالحياة البشرية، أو بكلمة أخرى "إرهابهم".


تسمح هذه التهمة بالظهور بلباس القانون والضمير الإنساني، وتناسي نظام الفصل العنصري (أبارتايد) الوحشي الذي يتعرض فيه الفلسطينيون للاضطهاد بشكل يومي.

 

فلنذكر، مرة أخرى، بأن عددا لا بأس به من المنظمات الإرهابية تحول عبر التاريخ من موقع المنبوذ إلى موقع المحاور الشرعي.

وقد تم وصف الجيش الجمهوري الأيرلندي (IRA)، وجبهة التحرير الوطني الجزائرية، والمؤتمر الوطني الأفريقي (ANC) وغيرهم بـ"الإرهابيين"، بهدف إسقاط البعد السياسي لقتالهم، وتقديمه على أنه صراع بين الخير والشر. ولكن وجب التفاوض معهم في نهاية المطاف.

 

وقد تكهن الجنرال ديغول بعد العدوان الإسرائيلي في حزيران (يونيو) 1967، قائلا:
"الآن تنظم إسرائيل على الأراضي التي احتلتها احتلالا لا يمكن أن يوجد من دون ظلم وقمع وترحيل. وعلى تلك الأراضي تظهر مقاومة ضدها تصفها بالإرهاب".


ليس هجوما "غير مبرر"


كما يشير الصحفي الإسرائيلي هاغي مطر، فإنه: "خلافا لما يقوله العديد من الإسرائيليين (...)، فإن هذا ليس هجوما ’أحادي الجانب‘ أو ’غير مبرر‘. إن الخوف الذي يشعر به الإسرائيليون الآن -وأنا منهم- ليس سوى جزء صغير مما يشعر به الفلسطينيون كل يوم في ظل عقود من الحكم العسكري في الضفة الغربية، فضلا عن الحصار والاعتداءات المتكررة ضد غزة.

 

والردود التي نسمعها من العديد من الإسرائيليين -الذين يدعون إلى ’تدمير غزة‘، والذين يقولون ’إنهم متوحشون، وليسوا أشخاصا يمكن التفاوض معهم‘، ’إنهم يقتلون عائلات بأكملها‘، ’ليس هناك مجال للحديث مع هؤلاء الناس‘- هذا بالضبط ما سمعته مرات لا تحصى من الفلسطينيين عن الإسرائيليين"(2).


يمكننا أن نأسف بحق، كما في أي حرب، لمقتل المدنيين، ولكن هل هناك "مدنيون طيبون" يستحقون أن نذرف الدموع من أجلهم، وآخرون "سيئون" مثل الفلسطينيين الذين يقتلون يوميا في الضفة الغربية من دون أن يثير موتهم قدرا يذكر من الاستنكار؟


بلغ عدد القتلى الإسرائيليين (حتى كتابة هذه السطور) 700 قتيل (وأكثر من 400 من الجانب الفلسطيني)، وهو أكثر من عدد الإسرائيليين الذين سقطوا خلال حرب 1967 ضد ثلاث دول عربية.

 

وستكون لهذه العملية تداعيات على الوضع السياسي والجيوسياسي الإقليمي بطريقة يصعب تقييمها في الوقت الحالي.

 

لكن ما تؤكده الأحداث الجارية، مرة أخرى، هو أن الاحتلال يطلق العنان دائما لمقاومة يتحمل المحتل وحده مسؤوليتها. وكما ورد في المادة الثانية من إعلان حقوق الإنسان والمواطن الصادر في 26 آب (أغسطس) 1789، فإن "مقاومة القمع" هي حق أساسي، وللفلسطينيين حق المطالبة به.



*ألان غريش: مدير مجلة "أوريان 21"، متخصص في شؤون الشرق الأوسط، له مؤلفات عديدة منها "علام يدل اسم فلسطين؟"، من منشورات "les liens qui libèrent 2010، و"أغنية حب، فلسطين وإسرائيل، قصة من تاريخ فرنسا"مع هيلين آلدغير، منشورات" La Découverte 2017. ترجمت المقال من الفرنسية سارة قريرة.
*نشر هذا المقال بالفرنسية تحت عنوان: Gaza-Palestine. Le droit de résister à l’oppression

(1) وكالة "وفا" الفلسطينية، 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023.
(2) Gaza’s shock attack has terrified Israelis. It should also unveil the context, +972 Magazine، 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023.

 

اقرأ المزيد في ترجمات: