لا تدعوا السيرك يشتت انتباهكم.. ترامب بارع جدا

الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في زيارة انتخابية - (أرشيفية)
الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب في زيارة انتخابية - (أرشيفية)

جون سوبيل – (إندبندنت عربية) 2023/10/4

بينما يتصارع منافسوه للحصول على ترشيح جمهوري لن يفوزوا به، يفعل الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب كل ما يلزم لتأمين الحصول على ترشيح حزبه.
*   *   *    
في أسبوع شهد إعلان أحد القضاة أن دونالد ترامب ارتكب عملية احتيال بمليارات الدولارات، تبرز قاعدة ذهبية واحدة: لا تجعل السيرك يشتت انتباهك. بينما تتجه أنظارك إلى المحاكم –أو إلى المشهد الجمهوري الثاني غير المهيأ للنقاش– كان ترامب عاكفا على إعادة كتابة قواعد السياسة الأميركية مرة أخرى في محاولته الوصول ثانية إلى البيت الأبيض.
خلال حملة العام 2016، كنت أغطي الانتخابات التمهيدية للحزب الجمهوري، ووجدت نفسي في ولاية أيوا المكسوة بالثلوج، حيث كان من المقرر –على غير توقع- أن يتحدث ترامب في كنيسة إنجيلية ضخمة.

اضافة اعلان


وقد صادفت ابنه، دون الابن، هناك، وتحدثنا وقال أن ما ينبغي أن يفهمه الناس عن والده هو أنه "كان مجرد عامل عادي (توقف لغرض خلق الإثارة) –وإنما برصيد مصرفي أفضل قليلا".

 

وقد تذكرتُ ذلك الحوار هذا الأسبوع، عندما رأيت ترامب خارج ديترويت، ميشيغان، وهو يزور مصنعا لقطع غيار السيارات حيث تُنفذ نقابة عمال السيارات إضرابا كبيرا للغاية.

 

والآن، تحملوني قليلا؛ هناك مشكلة صغيرة أو اثنتين هنا. لم يكن اتحاد العمال يمثل المصنع الذي يزوره، وهناك اقتراحات بأن بعض الحاضرين جلبتهم ودفعت لهم حملة ترامب للتنكر كما لو كانوا عمالا نقابيين. ولكن دعونا نتجاوز هذه النقطة.


النقطة المهمة هي أن ترامب اختار المناطق الصناعية الراكدة اقتصاديا في الولايات المتحدة بدلا من المناطق المزدهرة، حيث كان النقاش الجمهوري الثاني يجري في مكتبة رونالد ريغان. إنه أمر مهم.


يتقدم ترامب الآن أبعد وأبعد عن مواقع منافسيه الجمهوريين لترشيح الحزب الذي ركز على خوض الانتخابات العامة –بعد 14 شهرا كاملة. وهو ذكي في ذلك بشكل مخيف قياسا بالعديد من الديمقراطيين والجمهوريين المناهضين له.


طوال الوقت الذي كنت فيه بواشنطن، لم تنخرط إدارة بايدن في أي نوع من الدراما النفسية الأخيرة بشأن ترامب. كانوا يخبروننا بجدية بأن بايدن منشغل للغاية في إدارة البلاد إلى درجة أنه لا يلاحظ أي شيء عن الاضطرابات العنيفة التي أثارها سلفه.


ولكن هذا الأسبوع، أعلن ترامب أنه سيتوجه إلى ولاية ميتشيغان المهمة التي تتأرجح فيها أصوات الناخبين– فاز ترامب فيها في العام 2016؛ بينما فاز بايدن العام 2020. ولذلك، أعلن الرئيس أنه سيزور أيضا عمال السيارات المضربين ويقدم لهم الدعم. كما نشر فريق بايدن إعلانا تلفزيونيا يشرح فيه لماذا كان بايدن صديقا لعمال أميركا العاديين أكثر من ترامب. هذه هي الأشياء التي يتوقعها المرء بعد بضعة أشهر من الانتخابات.


مساء الخميس، كان الرئيس في أريزونا (ولاية أخرى مهمة تتأرجح فيها أصوات الناخبين)، حيث وجه انتقادات لاذعة إلى دونالد ترامب لأنه لا يحترم الدستور ومستبد خطير. وهذا كثير للتظاهر بأن ترامب غير موجود.


التقليد في السياسة الأميركية هو أنك تبذل قصارى جهودك، في موسم الانتخابات التمهيدية للجمهوريين، للفوز بقاعدة الناخبين: مثل انتقاد القضايا الجدلية في ما يتعلق بالإجهاض والهجرة ودعم الأسلحة –أي جميع القضايا الساخنة. وبمجرد حصولك على الترشيح، ستنتقل بجنون إلى الوسط لكي تكسب المستقلين والناخبين المتذبذبين وما شابه.


تماما كما نشعر بالقلق من ظاهرة الاحتباس الحراري عندما تظهر قطرات الثلج والنرجس بشكل غير عملي وغير طبيعي في وقت مبكر في حدائقنا، كذلك نشعر في أميركا بأن موسم الانتخابات العامة قد بدأ في وقت مبكر جداً.


كان هذا هو السبب وراء زيارة ترامب إلى ديترويت في الأسبوع الماضي. وهناك مجال سياسي مهم آخر أيضاً، وهو قضية الإجهاض. ومن الجدير بالملاحظة أن دونالد ترامب عيّن خلال فترة رئاسته ثلاثة قضاة محافظين للغاية في المحكمة العليا، والذين كان لهم دور فعال في قلب مفاعيل قضية "رو ضد وايد". وكان يصرخ –بشكل مبرر– بأن كل ذلك انقلب بفضله رأساً على عقب (تعديل القانون لفرض قيود على الإجهاض).


ومع ذلك، تبين أن هذا العمل لا يحظى بشعبية كبيرة، وأنه مكلف سياسياً للجمهوريين، على الرغم من أنه كان الهاجس الدائم لليمين المسيحي على مدى عقود. لكن مسألة الإجهاض لم تكن أبداً اعتقاداً أساسياً بالنسبة لدونالد ترامب؛ كان دونالد ترامب هو الاعتقاد الأساسي الوحيد لدونالد ترامب.


وهكذا هاجم بشدة الولايات التي تقترح سن قوانين لجعل الإجهاض مستحيلاً إلى حد ما. وأقرت ولاية فلوريدا قانونا يجعل الإجهاض غير قانوني بعد ستة أسابيع –بالطبع، لا تكون لدى العديد من النساء خلال ستة أسابيع أي فكرة عن احتمال حملهن. وقال ترامب، في ما أثار ذعر الجماعات اليمينية، أن الحظر لمدة ستة أسابيع هو "شيء فظيع وخطأ فظيع".


لا تفعل هذا إذا كنت تريد ترشيح حزبك

كانت هذه سياسات ماكرة ومحسوبة. وقد أظهر استطلاع للرأي –أُجري لمصلحة محطة "إيه. بي. سي" وصحيفة "الواشنطن بوست"– أن هناك جناحاً مذعوراً في الحزب الديمقراطي يسعى إلى العثور على مخرج من هذا الموقف. وسجل استطلاع الرأي تسع نقاط إضافية لترامب في منافسة محتدمة مع بايدن.


من الممكن – بل من المرجح– أن يكون الناتج غير مألوف، ولكن إذا كنتم ترغبون في منع ترامب من الفوز بولاية ثانية مع كل الفوضى التي يمكن أن تترتب على ذلك، فإن التقاعس ليس خيارا، وربما كان هذا هو السبب في أن إدارة بايدن تأخذ تهديد ترامب على محمل الجد.


كل ذلك جعل مناظرة الحزب الجمهوري الثانية تبدو وكأنها عرض جانبي للأشخاص غير المؤهلين الذين لن يفلحوا أبداً. وقد تحدث الأشخاص السبعة على خشبة المسرح مع بعضهم البعض، وفقد مذيعو محطة "فوكس" السيطرة، وأظن أن أجزاء كبيرة من جمهور التلفاز تحولوا إلى قنوات أخرى للهروب من كل هذا النشاز.

 

كانت في المناظرة كل الإثارة والتوتر والدراما التي نشاهدها في مباراة تحديد المركزين الثالث والرابع في الأدوار النهائية لكأس العالم، التي تدور بين الخاسرين في نصف النهائي -وهو ما يعني فعليا، لا شيء على الإطلاق.


يحدث كل هذا بينما وجد قاضٍ في نيويورك الأسبوع الماضي أن دونالد ترامب وأبناءه ارتكبوا عمليات احتيال على مدى سنوات عدة، مما أدى إلى تضخيم مفتعل لقيمة فنادقه وملاعب الغولف الغولف التي يمتلكها من أجل تيسير اقتراض المال بأسعار فائدة أرخص. وفي حين يعيد ترامب كتابة الموسم السياسي، يبدو أنه ما يزال يتمتع بقدرة خارقة على تحدي قوانين الجاذبية السياسية.

*جون سوبيل Jon Sopel: مذيع وصحفي ومراسل ومقدم برامج تلفزيونية من المملكة المتحدة.

 

اقرأ المزيد في ترجمات:

 

الحقيقة بعد ترامب