"البونابرتية" تعدي وتنجب الانقلابات العسكرية في أفريقيا ‏

رسم للإمبراطور الفرنسي نابليون بونابرت بين جنوده - (أرشيفية)
رسم للإمبراطور الفرنسي نابليون بونابرت بين جنوده - (أرشيفية)

‏سايمون تايلور‏ - (ريسبونسيبل ستيتكرافت) 2023/9/20 
هل تفعل الولايات المتحدة ما يكفي لضمان أن المساعدات الأمنية لا تزيد المشكلة سوءا؟‏
                       *   *   *
‏عندما قام نابليون بونابرت بتنفيذ انقلاب للإطاحة بحكومة "المديرية" المدنية في فرنسا‏‏، برر أفعاله بأنها ضرورية لإنقاذ "روح الثورة". كان على الجيش، في رأي نابليون، التزام رسمي بالدفاع عن الأمة ضد التهديدات في الداخل والخارج على حد سواء.‏

اضافة اعلان


بعد ذلك أصبحت فكرة أن للجيش، بصفته حارسا للروح الوطنية، الحق في الاستيلاء على سلطة الدولة، يُعرف بـ"البونابرتية". ويؤكد هذا الاعتقاد الراسخ والمستمر على ما يبدو في بعض الجيوش في أفريقيا على الحاجة إلى إجراء الإصلاح الشامل.‏


‏يمكن للأنظمة العسكرية أن ‏‏ترى نفسها‏‏ أفضل في الحكم من المدنيين. وتقف البساطة في تنفيذ الأوامر بكفاءة لدى الجيش في تناقض صارخ مع إجراءات البيروقراطية التي تبدو بلا نهاية، والتي يعوقها عدم الكفاءة والفساد لدى المدنيين. وفي الأزمات حيث تؤدي السياسة إلى مآزق في تقديم الخدمات، يمكن أن لعرض الجيش على أنه "فوق السياسة" أن يساعده في الاستيلاء على السلطة والحفاظ عليها في الدول الهشة.‏


على الرغم من ‏‏الخطاب المناهض لفرنسا‏‏ الذي يتبناه قادة الانقلاب في أفريقيا، إلا أن العديد منهم يستحضرون هذه الروح البونابرتية في العمل من أجل "إنقاذ" الدولة. وعندما بدأت الثورة الفرنسية تأكل نفسها في عهد "حكم الإرهاب"، كانت الوسيلة الوحيدة للحفاظ على الثورة بالنسبة لنابليون هي أن يقوم المدافعون عنها بإسقاط القيادة المدنية بالقوة.‏


‏ولم يكن هذا حدثا فرديا. لطالما فرض الجيش الفرنسي عدة مرات خلال ‏‏القرنين 19 و20‏‏ تغييرات جذرية في بينية الدولة كلما تم تحدي "الروح الوطنية". وعلاوة على ذلك، شكلت البونابرتية جزءا مهما من التكوين العسكري في مستعمرات فرنسا أيضا، وخاصة في أفريقيا.‏


المشكلة مع البونابرتية هي أنها قوضت إلى حد كبير محاولات إضفاء الطابع المهني على عمل قوات الأمن. عندما نتحدث عن جنود محترفين -خارج بيئة استعمارية (سابقة)- فإننا نعني جنديا مدربا يقبل ب‏‏السلطة المدنية ويدافع عنها‏‏ بكل سرور. وقد أصبح مثل هذا الوضع اليوم أمرا مفروغا منه لدرجة أننا لا نقدر دائما مدى ضرورة ذلك لبناء ديمقراطية مزدهرة.‏


‏إذا كان الجيش يرى نفسه أفضل، أو أكثر كفاءة، أو أقل عرضة للخطأ بطريقة ما من الحكومة المدنية، فإن خطر البونابرتية يمكن أن يستمر بغض النظر عن مدى كفاءة تدريب العسكريين. وقد يؤدي تدريب الولايات المتحدة للضباط، ‏‏مثل أولئك في النيجر‏‏، عن غير قصد إلى زرع ثقة متزايدة في ضباط الجيش بشأن كفاءتهم، مما يزيد بالتالي من خطر استيلائهم على السلطة.‏


‏يستشهد الضباط الذين يقودون الانقلابات في النيجر ‏‏والغابون‏‏ بالسوء المستمر للحكم المدني، والذي ساعده إلى حد كبير استمرار الهيمنة الفرنسية على السياسات السياسية والاقتصادية الداخلية في كلا البلدين، كمبرر أساسي لتدخلهم. وهم يقدمون أنفسهم على أنهم يعملون من أجل المصالح الفضلى للدول التي يُقصد من وجودهم، اسميًا، حمايتها. وبذلك يكون الاستيلاء على السلطة بانتزاعها من المدنيين غير الأكفياء مجرد استمرار لأدائهم واجبهم.‏


‏تؤشر مشاهد الحشود التي تحتفل‏‏ بالإطاحة بالدكتاتوريات التي حكمت عقودا من الزمان على قدر من الشرعية على الأقل لتصرفات الجيش في الغابون. وقد برر العديد من قادة الانقلاب في جميع أنحاء أفريقيا أفعالهم بسوء الحكم الواضح للحكومات المدنية. ولكن، في كل سيناريو تقريبا، أصبح قادة الانقلاب مجرد ديكتاتوريين جدد فحسب.

 

وتحاكي هذه الإجراءات بقدر أكبر استيلاء نابليون على السلطة في بلده، على الرغم من أن القليل من الانقلابيين العسكريين أعلنوا ذلك بصراحة صارخة مثلما فعل ‏‏جان بيدل بوكاسا‏‏ في جمهورية أفريقيا الوسطى، الذي أعلن نفسه إمبراطورا في 4 كانون الأول (ديسمبر) 1977.‏


ليست البونابرتية مشكلة فرنكوفونية فقط، وإنما يمكن أن توجد في أي دولة ذات مؤسسات ديمقراطية ضعيفة. في حالتي زيمبابوي ومصر، وعلى الرغم من الواجهة المدنية، ما تزال روح البونابرتية باقية. وبالنسبة لكلتا الدولتين، كان الجيش منذ فترة طويلة هو ‏‏المصدر الحقيقي‏‏ لسلطة الدولة.‏


‏وليست انتخابات زمبابوي سوى مجرد إجراء شكلي وتقليد سياسي أكثر من كونها أي جهد جوهري لتغيير السلطة المدنية. وبصرف النظر عن النوبة الوجيزة التي تخلى فيها الجيش المصري عن السلطة لجماعة الإخوان المسلمين في العام 2012، فإن القيادة المدنية تخدم بما يرضي الجيش، وليس الناخبين. وعندما ‏‏شعر الجيش بأن مصر أصبحت في خطر تحت قيادة ‏‏جماعة الإخوان المسلمين، تصرف لإنقاذ الدولة من خلال استعادة السلطة، في ما كان عملا بونابارتيا مثاليا.‏


‏كان ‏‏الانقلاب‏‏ الذي أطاح بعمر البشير في السودان أيضا مثالا مشابها لجيش يعمل على تغيير القيادة المدنية أثناء الأزمة.

ومع ذلك، يشير الاقتتال الداخلي الحالي بين كبار الضباط هناك إلى مسألة مختلفة تماما. من الخطأ في الواقع إلإشارة إلى دول مثل السودان على أنها "ضعيفة". بدلا من ذلك، تكمن المشكلة في حقيقة أن الدولة قوية للغاية عندما يتعلق الأمر بالجوانب الأخرى للمجتمع، وخاصة الاقتصاد.‏


إن مثل هذه الدول هي بمثابة "‏‏اللعبة الوحيدة في المدينة"‏‏ من حيث تحقيق المرونة، والدخل، والأمن الأساسي. وفي العادة، تصبح المعارك حول من يسيطر على الدولة عنيفة للغاية بسبب النقص في الخيارات. وما دامت القطاعات الأخرى متخلفة، فإن مخاطر الانقلابات ستستمر. وفي مثل هذه الحالات، قد يكون من غير المجدي الاستثمار أكثر من اللازم في الجيوش، وجعل سيطرة الجيش على السلطة أكثر إغواء.‏


ثمة خطوات يمكن أن يتخذها "الاتحاد الأفريقي" والهيئات الدولية الأخرى في إطار النضال ضد البونابرتية. الأولى تتعلق بـ"إعلان لومي" الذي أصدره "الاتحاد الأفريقي" في العام 2000، والذي أرسى عُرفا ضد التغييرات غير الدستورية في النظام بالنص على أن أي تغييرات دستورية إضافية في الحكومة تشكل أساسًا للتعليق الفوري لعضوية الدولة. وعلى مستوى الممارسة، كان هذا الالتزام بعيدًا عن الرسوخ، حيث قدم "الاتحاد الأفريقي" العديد من الاستثناءات على مر السنين.‏


بالإضافة إلى ذلك، يمكن تطبيق عقوبات أكثر صرامة، لا سيما في شكل تفعيل "إصلاح قطاع الأمن" كعمليات ضرورية للعودة إلى عضوية "الاتحاد".‏


‏يستلزم إصلاح قطاع الأمن إجراء إصلاح شامل ‏‏لمؤسسات ذات الصلة في الدولة‏‏. ولا يقتصر قطاع الأمن على الجيش فحسب، بل يشمل أيضًا أجهزة الشرطة والقضاء وأي أجهزة استخباراتية. والأهم من ذلك أن إصلاح قطاع الأمن يتطلب أكثر من مجرد تحسين التدريب، كما تُظهر حالتا النيجر ‏‏وبوركينا فاسو‏‏. وهنا تكمن مشكلة الحكم العسكري وتعزيز الديمقراطيات، حيث الهيئة الوحيدة التي تتمتع بسلطة إعادة هيكلة الجيش هي المؤسسة العسكرية نفسها.‏


باستثناء المثال المضاد الغريب، نادرًا ما تحققت الوعود بالديمقراطية التي يبذلها ضباط الجيش. وحتى في الحالات شهدت إجراء انتخابات، ظل الجيش يحتفظ بنفوذ مفرط على القيادة المدنية، وبقي خطر تنفيذ الانقلابات في المستقبل قائما على الدوام.‏


‏ليس إصلاح قطاع الأمن رخيصا ولا سهل التنفيذ بما يكفي. ويتمثل أحد أهم العوامل في إعادة كتابة دستور يتمتع بقوة قضائية كافية لضمان أن تكون لدى الهيئة التشريعية المنتخبة السلطة النهائية على جميع قوات الأمن. ويجب أن يؤدي القيام بذلك إلى وضع نهاية للبونابرتية في الجيش واستنتاج العسكر أنهم ليسوا المدافعين الوحيدين أو النهائيين عن الأمة.‏


‏غالبًا ما يُنظر إلى الاندفاع نحو إجراء انتخابات بعد الانقلابات على أنه عمل من أعمال حسن النية من جهة قادة الانقلاب يقصد إعادة البلاد إلى الديمقراطية. ومع ذلك، لا تعني الديمقراطية إجراء انتخابات فحسب، وإنما تحتوي الديمقراطية على مجموعة من القيم، بما في ذلك الإشراف المدني على الحكم وتنظيم وضبط جميع القوى القسرية في الدولة.‏


‏يحتاج كل جندي إلى التثقيف حول أهمية القيادة المدنية لأن المدنيين يغلب أن يعرفوا ما هو في مصلحة السكان المدنيين أكثر من الجنرالات. وسوف يؤدي تلقي التدريب العسكري على يد خبراء أجانب من دون تدريب تكميلي على الديمقراطية، كما تثبت حالة النيجر، إلى نتائج عكسية لأهداف المهمة الشاملة المتمثلة في مكافحة التمرد الإسلاموي. ويقال إن التدريب العسكري الأميركي في الخارج يتضمن تعليمات ‏‏حول حماية الديمقراطية وحقوق الإنسان.‏


‏في حين أن سياسة الولايات المتحدة هي الوقف الفوري لجميع المساعدات العسكرية للدولة المعنية في أعقاب الانقلابات، إلا أنه لم يتم تطبيق هذه السياسة ‏دائمًا بالصرامة اللازمة‏‏، وقد يكون التطبيق الأكثر صرامة أكثر فعالية على المدى الطويل. وتثير هذه الانقلابات الأخيرة السؤال الصعب حول فعالية الديمقراطية والتدريب على حقوق الإنسان للجيوش التي من الواضح أنها غير متقبلة لهذه الرسالة.‏


لقد ‏حاول لويس نابليون بونابرت الإطاحة بحكومة مدنية كما فعل عمّه الأكثر شهرة في العام 1851. وكان هذا الاستيلاء الأكثر تهوراً على السلطة قد دفع ‏‏كارل ماركس إلى قوله، مازحًا، بأن "التاريخ يعيد نفسه، أول مرة كمأساة، والثانية كمهزلة".‏‏ وما لم يتم تعلم الدروس الصحيحة، فإن البونابرتية الكامنة في الجيوش الأفريقية سوف تواصل عرض مأساة الحكم العسكري.‏


*د. ‏سايمون تايلور‏ Simon Taylor: باحث في جامعة نورث ويست بجنوب إفريقيا. كان سابقا مسؤولاً كبيرًا في السلك الدبلوماسي في إدارة العلاقات الدولية والتعاون في جنوب أفريقيا، وحصل على درجة الدكتوراه في العلاقات الدولية من جامعة سانت أندروز.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: 'Bonapartism' infects, leads to military coups in Africa

 

اقرأ المزيد في ترجمات:

كل شيء هادئ على الجبهة الجهادية في شمال أفريقيا