ما هو الشيء المختلف في هجمات سيريلانكا؟

Untitled-1
Untitled-1
ترجمة: علاء الدين أبو زينة كرشناديف كالامور* - (مجلة الأتلانتيك) 22/4/2019 لسيريلانكا تاريخ دموي موسوم بحرب أهلية وحشية دامت قرابة 30 عاماً. وفي السنوات الأخيرة، تمكن البلد من تجنب العنف معظم الوقت، حتى أحَد الفصح، عندما أسفرت هجمات إرهابية واسعة النطاق، والتي يبدو أنها منسقة، عن مقتل 300 شخص. ألقت الحكومة باللوم في الهجمات على مجموعة إسلامية صغيرة غير معروفة كثيراً، "جماعة التوحيد الوطنية"، والتي اكتسبت سمعة سيئة في سيريلانكا بسبب إقدامها على تشويه أربعة تماثيل لبوذا خالج معابد في ماوانيلا، البلدة الصغيرة وسط البلد، في كانون الأول (ديسمبر) 2018. والأمر الذي سيتعين على المحققين الآن معرفته هو الكيفية التي تطورت بها قدرة المجموعة من أعمال التخريب البسيطة إلى شن هجوم معقد متعدد الشعب -وربما الأكثر أهمية: لماذا الآن. تشكل أماكن العبادة أهدافاً سهلة، لكن الهجمات التي شُنت يوم الأحد الماضي أشارت إلى مستوى من التعقيد لم يُشاهد له مثيل منذ انتهاء الحرب الأهلية السيريلانكية بين الحكومة وثوار التاميل الانفصاليين في العام 2009. وكان ثوار التاميل رواداً في التفجيرات الانتحارية الحديثة، وقاموا باغتيال الزعماء السياسيين واستهدفوا المدنيين. لكن ذلك الصراع كان أيضاً ذا طبيعة عرقية: مجتمع الأغلبية السنهالية في مقابل ثوار التاميل. ومنذ ذلك الحين، كان العنف الديني نادراً -وعندما يندلع، فقد اقتصر نمطياً على التوترات البوذية-الإسلامية. وهذا جزء من السبب الذي يجعل من هجوم عيد الفصح الذي شنته جماعة غامضة على أماكن عبادة مسيحية مفاجئاً إلى هذا الحد. قالت لي الأستاذة سي. كريستين فير، خبيرة الإرهاب في جنوب آسيا والأستاذ المشارك في جامعة جورجتاون: "هذا ليس منطقياً". وأضافت أن "جماعة التوحيد الوطنية" لم يسبق لها وأن هاجمت الكنائس مطلقاً. وبالإضافة إلى ذلك، لم تشهد سيريلانكا بشكل عام توترات بين المسلمين، الذين يشكلون 10 في المائة من سكانها، والمسيحيين الذين يشكلون نحو 7 في المائة. ولعل الاحتمال الأكبر، كما تقول فير، هو أن هناك مجموعة خارجية، مثل "الدولة الإسلامية" أو "القاعدة"، متمركزة في شبه القارة الهندية، متورطة بطريقة أو بأخرى. لم تعلن أي جماعة مسؤوليتها عن الهجوم حتى كتابة هذه السطور. وقد حملت الحكومة السيريلانكية، التي فرضت تعتيماً على وسائل التواصل الاجتماعية بعد الهجوم، المسؤولية لجماعة التوحيد الوطنية، واعتقلت عدداً من الأشخاص. وقال راجيثا سيناراتني، وهو متحدث باسم حكومة سيريلانكا، للصحفيين يوم الاثنين إن هناك "شبكة دولية، والتي ما كانت هذه الهجمات لتنجح من دونها". لكنه لم يذكر أي تفاصيل، ولم يقدم أي دليل. ومن جهتها، لاحظت ريتا كاتز، مديرة "مجموعة سايت للاستخبارات"، التي تراقب الشبكات الجهادية، في تغريدة على "تويتر" أن الهجمات المنسقة على الكنائس هي في الحقيقة سمة مميزة لتنظيم "داعش"، الذي نفذ عمليات مشابهة في مصر والفلبين. وعلى الرغم من أن التشدد الإسلامي لم يكن مشلكة كبيرة في سيريلانكا، فقد أصدر "داعش" بعضاً من بياناته باللغة التاميلية، وهي لغة يتحدث بها الناس في جنوب الهند، ولغة التاميل الاثنيين في سيريلانكا. (معظم مسلمي سيريلانكا من التاميل- ولو أن معظم سكان البلد التاميل هم من الهندوس). ليس من الواضح بعد أي صلات تربط "جماعة التوحيد الوطنية" -إذا كان ثمة شي من ذلك- بتنظيم "داعش" أو أي منظمات إرهابية أخرى. لكن الجماعات الجهادية نجحت في شق طرق لها في أجزاء من العالم حيث كان لها في السابق نفوذ قليل، كما حدث في الفلبين وإندونيسيا. فقد استخدمت الدعاية على الإنترنت لدفع الشباب الساخطين في أوروبا إلى التطرف؛ وجندت أناساً من المنظمات الموجودة، مثل طالبان في أفغانستان وبوكو حرام في نيجيريا؛ ودخلت إلى أماكن الفراغ الأمني في أماكن مثل ليبيا. وفي الحقيقة، كانت سيريلانكا قد اعترفت في العام 2016 بأن 32 مسلماً سيريلانكياً انضموا إلى "داعش"، وهو جزء صغير جداً من مجموع سكان البلد المسلمين، لكنه مهم بما يكفي لكي تلاحظه حكومة البلد. وليس معروفاً ما إذا كان أي من هؤلاء قد عاد إلى الوطن. بالإضافة إلى ذلك، تتطلب العمليات من نوع الهجمات التي شُنت في سيريلانكا قدراً كبيراً من الخبرة والتخطيط. يجب أن يكون المتشددون قد أصبحوا متطرفين، وتمَّ تجنيدهم وتدريبهم لتنفيذ هجوم بهذا الحجم الكبير. ويتطلب ذلك وجود منازل آمنة، وخلايا تخطيط، ومعدات لصنع القنابل والمواد -وكلها مميزات لجماعة ينبغي أن تكون جيدة التنظيم. وقال لي بروس هوفمان، الخبير في شؤون الإرهاب والأستاذ في جامعة جورج تاون: "إنك لا تنهض من السرير وتقرر أن تجعل من نفسك شهيداً في هجوم انتحاري". لدى التأمل الواعي، ينبغي أن لا يكون وقوع هجوم في هذه اللحظة بالذات في سيريلانكا مفاجأة كاملة. فقد تصاعدات التوترات بين مجتمع الأغلبية وبين المسلمين منذ انتهاء الحرب الأهلية؛ وعطلت المنافسات السياسية الحكم. وفي أعقاب التفجيرات، ظهر أنها كانت هناك تحذيرات -الكثير منها في الحقيقة- من هجوم وشيك. قالت لي شوبانا كزافييه، الخبيرة في الإسلام العالمي في جنوب آسيا، والأستاذ المساعد في جامعة كوين في كنغستون، أونتاريو: "في أعقاب الحرب، كان المجتمع الذي جُعل منه كبش فداء هو الجالية الإسلامية"، مشيرة إلى فكرة أن المسلمين حلوا محل التاميل ليكونوا الأقلية التي لا تحظى بالثقة. وأضافت: "كان هناك إحساس متعاظم بالخوف من الإسلام". أصبحت هذه المشاعر أكثر حدة، وغذتها في الغالب معلومات مضللة انتشرت من خلال وسائل الإعلام الاجتماعية، والتي قادت إلى العنف في آذار (مارس) 2018، عندما هاجم بوذيون مصالح تجارية يملكها مسلمون وأماكن العبادة الإسلامية. وأسفرت تلك الهجمات عن مقتل اثنين من المسلمين على الأقل. وحتى خلال تلك الفترة، يقال إن رئيس الوزراء رانيل ويكرميسنيغه والرئيس مايتريبالا سيريسنا لم يتواصلا. والرجلان عدوان مريران دفعت خصومتهما سيريلانكا إلى أزمة دستورية في العام الماضي والتي لم تُحل إلا بعد تدخل المحكمة العليا. تم تجاهل التحذيرات العديدة حول استهداف الكنائس ولم تشق طريقها إلى مسامع ويكرميسنيغه؟ وما يزال من غير الواضح ما إذا كانت لم تصل إليه بسبب عدم الكفاءة؛ أم بسبب خصومته مع سيريسنا الذي يسيطر على الشرطة والجيش؛ أم لأن المعلومات حُفظت في صوامع البيروقراطية السيرلانكية. (يقال إن المجتمع المسلم في سيرلانكا حذر السلطات مرات عدة على مر السنين من أنشطة المجموعة الإسلامية). بينما يتواصل البحث عن الإجابات، ظهرت بعض التداعيات فعلاً: تعرض صيادو أسماك مسلمون في باتيكالوا الواقعة في شرق البلاد إلى الهجوم في أعقاب التفجيرات. وكما أخبرتني كزافيه، فإنه "إذا انتهى الأمر إلى تأكيد أن هذه المجموعة بعينها" هي التي شنت الهجمات، "فإن ذلك يمكن أن يعني أياماً مدمرة تنتظر البلد في الأمام". *كاتب في مجلة "الأتلانتيك"، يغطي الأخبار العالمية. وهو مؤلف كتاب: "جريمة قتل في مومباي". *نشر هذا التقرير تحت عنوان: What’s Different About the Attacks in Sri Lankaاضافة اعلان