مستقبل الإعادة إلى الوطن من شمال شرق سورية

أطفال ونساء من عائلات "داعش" في مخيم الهول في سورية - (أرشيفية)
أطفال ونساء من عائلات "داعش" في مخيم الهول في سورية - (أرشيفية)

تزايد عدد العوامل "المجهولة المعروفة"، من المحاكمات المحتملة التي قد يخضع لها عناصر "قوات سورية الديمقراطية" إلى التطبيع المستمر لسورية، وأدى ذلك إلى تزايد الحاجة الملحة إلى اتخاذ إجراءات تتعلق بمعتقلي تنظيم "داعش".
*   *   *
بالنظر إلى بطء استجابة المجتمع الدولي لإعادة آلاف الأفراد التابعين لتنظيم "داعش" إلى الوطن، أعلنت مؤخراً "الإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية" التي يقودها الأكراد أنها ستبدأ بإجراء "محاكمات عادلة وشفافة وفقاً للقوانين الدولية والمحلية المتعلقة بالإرهاب".

اضافة اعلان

 

ويأتي هذا الإعلان في أعقاب اجتماع وزاري عقده "التحالف الدولي ضد تنظيم داعش" في المملكة العربية السعودية في 8 حزيران (يونيو) وحضره ممثلون من أكثر من ثمانين دولة، وذكّر في إطاره وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الحاضرين قائلاً: "نحن نعلم أن الإعادة إلى الوطن هي الحل الدائم الوحيد". وبرز تصريحه في هذا السياق بما أن مواطنين ينتمون إلى الكثير من دول التحالف ما يزالون محتجزين إلى أجلٍ غير مسمى في شمال شرق سورية.


وفي حين دعت إدارتان أميركيتان متعاقبتان، وبشكل استباقي، إلى إعادة عوائل "داعش" إلى الوطن، كانت معظم البلدان الأخرى مترددة أو بطيئة في اتخاذ مثل هذه الإجراءات.

 

وأُعيد حتى تاريخ كتابة هذا المقال نحو 5.500 عراقي و2.700 مواطن من بلدان ثالثة (ليسوا سوريين أو عراقيين) إلى أوطانهم من معسكرات الاعتقال، ويعمل المجتمع الدولي على إعادة المزيد من هؤلاء الأفراد في العام 2023 مقارنةً بالسنوات الماضية.

 

ومع أن هذه الإجراءات هي خطوة على المسار الصحيح، فإنها تعني أن أكثر من 10.000 مواطن من البلدان الثالثة من حوالي 60 دولة ما يزالون رهن الاحتجاز في شمال شرق سورية، وهم يشملون حوالي 2.000 رجل وصبي و8.000 امرأة وقاصر. ولا تشمل هذه الأرقام السوريين والعراقيين الذين يفوق عددهم 18.000 سوري و25.000 عراقي المحتجزين أيضاً إلى أجلٍ غير مسمى.


وفي ظل تعدد النزاعات الدولية التي تحتل عناوين الصحف اليومية، لا شك في أن جزءاً كبيراً من المجتمع الدولي قد أرهقته التحديات التي يفرضها القتال ضد تنظيم "داعش" وإعادة الأفراد التابعين له إلى الوطن. ولكن يُظهر إعلان "الإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية" والتطورات الأخرى أن هذه التحديات ستزيد إذا لم تحظَ باهتمام منسَّق من واشنطن وشركائها في التحالف.


"المجهولة المعروفة"

 

تضاعفت العوامل "المجهولة المعروفة" في شمال شرق سورية- أي العوامل القادرة على زعزعة استقرار الوضع المحفوف بالمخاطر، وبالتالي التأثير على الأفراد المنتمين إلى تنظيم "داعش" المحتجزين في المنطقة- بدرجة مقلقة في الأشهر الأخيرة. وتتمحور هذه العوامل حول خمس قضايا أساسية، بعضها ملح أكثر من غيرها وهي:


إعلان "الإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية" عن المحاكمات. لا يُعرف سوى القليل عن موعد بدء هذه المحاكمات أو مَن الذي سيُحاكم. والمعروف هو أن دعم الولايات المتحدة لـ"قوات سورية الديمقراطية" -إحدى الجهات العسكرية الرئيسة الفاعلة في "الإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية"- شكّل عنصراً حيوياً في القتال ضد تنظيم "داعش".

 

وكما أشار الجنرال ماثيو ماكفارلين، قائد "قوة المهام المشتركة - عملية العزم الصلب"، فإن "قوات سورية الديمقراطية" هي "الشريك الرئيسي" لأميركا في سورية وكانت شريكها الرئيسي أيضاً في مختلف مراحل الحملة ضد "داعش". إلا أن قرار محاكمة المواطنين الأجانب في "الإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية" يمكن أن يضر بهذه العلاقة. كما أن المجتمع الدولي ككل لن يتوصل على الأرجح إلى إجماعٍ حول هذه القضية أيضاً. فعلى سبيل المثال، تَعتبر تركيا الحليفة في منظمة "الناتو" أن "قوات سورية الديمقراطية" هي كيان معادٍ، بحجة ارتباطها بـ"حزب العمال الكردستاني" -المصنف من قبل الولايات المتحدة كمنظمة إرهابية والذي هو العدو المحلي لأنقرة منذ فترة طويلة.


زيادة تطبيع سورية. برز هذا العامل الذي قد يزعزع الاستقرار إلى الواجهة في ظل تطوّرين حصلا مؤخراً هما: قرار "جامعة الدول العربية" بعودة سورية إليها بكل طيبة خاطر على ما يبدو، والمحادثات الرباعية بين تركيا وسورية وروسيا وإيران.

 

ومع أن هاتين الخطوتين لن تغيّرا الوضع على الأرض بين ليلةٍ وضحاها، إلّا أنه لا يمكن التغاضي عما قد تعنيانه بالنسبة للمنطقة المتنازع عليها في شمال شرق سورية وآلاف المعتقلين فيها من البلدان الثالثة. على سبيل المثال، إذا مكّن التطبيع الحكومة السورية من السيطرة على المنطقة، فقد تتخذ عدداً من الخطوات التي تتعلق بهؤلاء المعتقلين تتراوح بين إطلاق سراحهم لينعموا بالحرية، أو سجنهم أو قتلهم، أو احتجازهم مقابل فدية كأدوات للتفاوض مع بلدانهم الأصلية.


التهديدات المستمرة لتنظيم "داعش". وفقاً لتقريرٍ صدر مؤخراً عن "قوة المهام المشتركة- عملية العزم الصلب"، "بقيت قدرات تنظيم "داعش" "متدهورة" بسبب الضغط الذي مارسه التحالف لمكافحة الإرهاب، لكن التنظيم ما يزال يشكل تهديداً".

 

وتشمل التهديدات تمرد التنظيم الذي طال أمده (والذي خفّت حدّته ولكنه ما يزال قائماً)، واستخدامه عنف العصابات في شمال شرق سورية والعراق، وتهديداته الخارجية والداخلية لأمن معسكرات الاعتقال والسجون. وقد أشار "داعش" صراحةً إلى أنه يعتبر معتقليه أساسيين لنجاحه في المستقبل.


احتمال التدخل التركي. نفذت القوات التركية مسبقًا عمليات توغل في شمال شرق سورية، وقد حذّرت "قوات سورية الديمقراطية" من أن أي تدخل في المستقبل قد يرغمها على إعادة توجيه الموارد الحيوية المخصصة لمحاربة تنظيم "داعش" والحفاظ على أمن السجون ومراكز الاعتقال التابعة لها، بهدف تحقيق غايات أخرى. كما أن الصراع بين تركيا و"قوات سورية الديمقراطية" سيضع الولايات المتحدة في موقف محرج بين حليفتها في "الناتو" وشريكتها المحلية الكبرى.


تغير المناخ والكوارث الطبيعية. لا تقتصر الأزمة الإنسانية في الشمال الشرقي على وضع معسكرات الاعتقال، بل تشمل أيضاً عوامل وطنية أوسع نطاقاً مثل الأزمة السياسية في سورية التي تُفاقم انعدام الأمن الغذائي في بلدٍ يعاني في الأساس من "جفاف حاد وطويل الأجل". وعلاوةً على ذلك، سلّطت الزلازل التي ضربت تركيا وسورية في شباط (فبراير) الضوء على شدة ضعف البلدين أمام الكوارث الطبيعية الكبرى. وإذا وقع حادث آخر من هذا القبيل في شمال شرق سورية -وهي منطقة لا تحكمها دولة بصورة رسمية- فقد يؤدي ذلك إلى مواجهة صعوبات أكبر في تأمين المساعدة المناسبة للمتضررين.


التداعيات السياسية

 

في حين أن بعض العوامل "المجهولة المعروفة" المذكورة أعلاه قائمة منذ وقتٍ ليس بقصير، يجب أن تشكل الإعلانات الأخيرة بشأن محاكمات "الإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية" والتطبيع مع سورية سبباً إضافياً يدعو التحالف إلى القلق بشأن مستقبل شمال شرق البلد والأفراد التابعين لتنظيم "داعش" المعتقلين هناك.

 

وقد شددت الجهود الأخيرة التي ترأستها الولايات المتحدة على الوضع الهش للحكومات الأكثر تردداً التي يزعم الكثير منها أن البطء في استجابتها ينجم عن الصعوبات التي ستواجهها في محاكمة هؤلاء الأفراد، ولا سيما النساء البالغات، عند عودتهم. إلا أن نجاح محاكمات النساء التابعات لتنظيم "داعش" في الولايات المتحدة وألمانيا وهولندا يُظهر أن أفضل الممارسات لمواجهة هذا التحدي متوفرة ويجب الاحتذاء بها.


يشير إعلان "الإدارة الذاتية لشمال وشرق سورية" بشكل خاص إلى أن الإحباط المحلي من بطء الاستجابة الدولية لهذه القضية قد بلغ ذروته. ويؤدي قرار ترك مواطني البلدان الثالثة في شمال شرق سورية إلى زعزعة استقرار المنطقة، ليس من خلال سحب الموارد التي يمكن استخدامها في جهود إعادة الإعمار فحسب، بل أيضاً من خلال تشتيت الانتباه عن محاربة خلايا تنظيم "داعش" التي ما تزال تعمل هناك.

 

وإذا تَمكّنَ التنظيم من الاستيلاء على أراضٍ جديدة، فلن يؤدي وجود أعداد كبيرة من التابعين له في الجوار سوى إلى توسيع قاعدة التجنيد الخاصة به. وكما ذُكر سابقاً، يمكن أن يُحدِث التطبيع مع النظام السوري مجموعة من السيناريوهات والتهديدات المزعزعة للاستقرار تشمل هؤلاء المعتقلين في أنحاء الشرق الأوسط وخارجه. وقد يدفع التطبيع أيضاً واشنطن إلى تغيير سياستها تدريجياً في سورية -وربما حتى إلى سحب قواتها.


من المؤكد أن الإعادة إلى الوطن لا تخلو من المخاطر. غير أن أعضاء التحالف سبق أن أثبتوا وجود طرق فعالة للتخفيف من هذه المخاطر، مثل مشاركة الممارسات الفضلى المتعلقة بجمع الأدلة، ومحاسبة الأطراف المسؤولة، وتكييف عمليات تقييم المخاطر مع احتياجات كل فرد ودولة، واعتماد استراتيجية واضحة للتواصل الثنائي بين المجتمع المدني والذين تتم إعادتهم إلى أوطانهم، وإنشاء نهج رعاية مراعية للصدمات لهؤلاء الأفراد.

 

وسيتعين على كل بلد تطبيق هذه الممارسات الفضلى بشكل مختلف بناءً على قدراته الخاصة وأنظمته القانونية. وفي النهاية، لن تؤدي الإعادة إلى الوطن، ولو كانت فعالة، إلى حلّ جميع مشاكل المنطقة. ولكن ترك هؤلاء الأفراد في سورية سيعرّض المجتمع الدولي لخطر أكبر بكثير.

*ديفورا مارغولين: زميلة باحثة أقدم في "برنامج التطرف" بجامعة جورج واشنطن، وزميلة "بلومنشتاين-روزنبلوم" في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى.

.

اقرأ المزيد في ترجمات:

 

أي مصير ينتظر الأكراد إذا تصالحت أنقرة مع دمشق؟