مع احتمال نهاية عهده.. ما الإرث الذي سيتركه سوناك؟

رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك - (المصدر)
رئيس الوزراء البريطاني ريشي سوناك - (المصدر)

يريد رؤساء الوزراء ترك بصماتهم على التاريخ، وهو ما قد يجعلهم خطرين. ويواجه سوناك خطر تذكره بشيء لا علاقة له بما تنطوي عليه شخصيته؛ باعتباره أول رئيس وزراء بريطاني آسيوي. ومع محاولته تجنب هذا المصير، يكمن الخطر علينا نحن الآخرين.
                        *   *   *
في حين تغادر تيريزا ماي مسرح الحياة العامة، تشكل نهاية حياتها السياسية تحذيرا لريشي سوناك. وعلى غرار معظم رؤساء الوزراء، ستُذكَر ماي بشيء واحد فقط، هو في حالتها فشلها في كسر الجمود البرلماني حول "بريكست".

اضافة اعلان


يشكل تحديد "الشيء الوحيد" الذي يُشتهَر به كل رئيس للوزراء لعبة بدأت تقليدياً بستانلي بالدوين، الذي يُذكَر لشعاره "السلامة أولاً"؛ ورامزي ماكدونالد لخيانته حزب العمال [في إشارة إلى قراره تشكيل حكومة ائتلافية مع حزب المحافظين في العام 1931، متخلياً عن مبادئ حزبه ومسبباً انقساماً داخله، وهو ما شكل نقطة تحول مهمة في السياسة البريطانية]. ويُربَط نيفيل تشامبرلين إلى الأبد بالتهدئة مع ألمانيا النازية؛ وونستون تشرشل بانتصاره في الحرب العالمية الثانية؛ وكليمنت أتلي ببنائه دولة الرفاه. ويُذكَر أنتوني إيدن بأزمة قناة السويس؛ وهارولد ماكميلان بقوله: "لم تكن الأمور يوماً بهذه الجودة"؛ وأليك دوغلاس-هوم باستخدامه أعواد الثقاب للعد.


ويُعرَف هارولد ويلسون بقوله "الجنيه في جيبكم (لن يتأثر بتراجع سعر الصرف)"؛ وتيد هيث بأسبوع العمل المؤلف من ثلاثة أيام (توفيراً للكهرباء في ظل إضراب عمال مناجم الفحم).

 

وواجه جيمس كالاهان "شتاء السخط" الذي اتسم بإضرابات عمالية واسعة النطاق؛ ومارغريت ثاتشر بحرب جزر فوكلاند. وشهد جون ميجور "الأربعاء الأسود". ويُذكَر توني بلير بحرب العراق؛ وعايش غوردون براون الانهيار المالي.


سيُذكَر ثلاثة رؤساء وزراء لـ"بريكست": ديفيد كاميرون بـ"الاستفتاء"؛ وماي بعدم تنفيذ "بريكست"؛ وبوريس جونسون بإخراج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.


العديد من هذه العبارات الفردية غير منصفة لناحية تبسيط إرث هؤلاء القادة.

 

على سبيل المثال، ثمة حجة مقنعة لاعتبار أن تصرفات تشامبرلين وفرت وقتاً حاسماً لبريطانيا لتعزيز دفاعاتها. وفي كثير من الحالات، ثمة مزاعم منافسة بوجود إرث أكثر أهمية.

 

فقد قادنا هيث، مثلا، إلى السوق المشتركة التي استهلك إخراجنا منها ثلاثة رؤساء وزراء. كما شهدت فترة تاتشر ضعفاً كبيراً في النقابات العمالية. وفاوض بلير على اتفاقية "الجمعة العظيمة" وأنقذ الخدمات العامة. وقد يُذكَر جونسون لإقامته حفلات خلال الإغلاق المرافق لجائحة كورونا بقدر ما يُذكر لاستكماله إنجاز "بريكست".


لكن الذاكرة الشعبية بشكل عام انتقائية وقاسية، ولا تسمح لرؤساء الوزراء سوى بشيء واحد. ستُذكَر ليز تراس باعتبارها الشخص الأقصر ولاية في رئاسة الوزراء ولفترة طويلة بعد نسيان الحقائق المتعلقة بميزانيتها المصغرة.


يجلبنا هذا إلى سوناك. ما الشيء الذي سيُذكر لأجله؟ عندما لعبتُ هذه اللعبة آخر مرة، اقترحت أنه قد يجد كلمة "رواندا" (حيث كان من المفترض إرسال طالبي اللجوء الواصلين إلى بريطانيا بطرق غير شرعية) منحوتة على شاهد قبره المجازي. ولكن، يبدو من غير المرجح أن يتذكر التاريخ سياسة لم تنجح قط في نقل شخص واحد إلى الوجهة المقصودة، بغض النظر عن مدى الصدمة الناجمة عن إهدار الأموال العامة التي أنفِقت عليها.


وبالمناسبة، يبدو من المؤكد الآن أن أي طائرة لن تقلع وعلى متنها طالبي لجوء قبل الانتخابات. وإذا تقرر إجراء الانتخابات في تشرين الثاني (نوفمبر)، فإنه لم يتبق سوى ثمانية أشهر.

 

وبغض النظر عما يتمخض عن مجلس اللوردات في هذا الشأن، لن يكون أمام المحاكم الوقت الكافي للبت في الطعون. وكيفما صِيغَ التشريع لمحاولة تجنب الطعون القانونية، ستحصل طعون قانونية، وسيضطر سوناك إلى الهرولة إلى القصر الملكي لطلب حل البرلمان.


هل من شيء آخر يمكن تذكر سوناك به؟ إلغاء مشروع الخط السريع الثاني للسكك الحديدية؟ حظر التدخين (ببطء شديد)؟ اقتراح نظام معقد في ما يخص مؤهلات المستويات التعليمية المتقدمة (A-Level)؟ لا أرى ذلك. بهذا المعدل، يواجه سوناك خطر تذكره بشيء لا علاقة له بما تنطوي عليه شخصيته، وإنما باعتباره أول رئيس وزراء بريطاني آسيوي.


وسوف يكون حريصاً على تجنب هذا المصير، وهنا يكمن الخطر علينا نحن الآخرين. يشكل رؤساء الوزراء اليائسون الذين يكافحون بحثاً عن إرث خطرا على أنفسهم وعلى الآخرين. وقد تعامل بلير مع طوافه الفخري الأخير (من النوع الذي يقوم به الرياضي لتحية للجمهور) في شكل جيد.

 

قام بجولة وداع، وألقى خطباً بارزة، واتخذ بعض القرارات الصعبة بشأن تجديد "ترايدنت" (برنامج الأسلحة النووية)، وإصلاح البرامج التقاعدية حتى لا يضطر براون إلى ذلك.


لكن تيريزا ماي تركت إرثاً غير متوقع، إذ ألزمت الأمة بصفر صاف لانبعاثات الكربون بحلول العام 2050.

 

وكان هذا موضوعا بالكاد ذكرته من قبل أو منذ ذلك الحين، ومع ذلك ستكون له عواقب وخيمة على صعيد تقييد خلفائها. وبالفعل، بعد أقل من خمس سنوات، يحاول سوناك "البراغماتي والمتسق" تأخير بعض الأهداف الموقتة المرتبطة بهذا الالتزام.

 

 

والمشكلة مع الصفر الصافي هي أن ماي استغلته كرقم لافت لصالح إرثها من دون تقديم الحجة الشعبية التي ستدعمه.

 


يبدو أن سوناك يستسلم ليأس مماثل. وهو يحاول جاهدا رشوة الناخبين في محاولة لتفادي هزيمة مذلة في الانتخابات. وقد ينجح الأمر، إلى حد ما.

 

من المحتمل أن يبدأ أثر التخفيضين الضريبيين الكبيرين، بقيمة 950 جنيها إسترلينيا (1.222 دولارا) لشخص متوسط الدخل، في التبلور خلال الأشهر الثمانية المقبلة، لا سيما إذا استمرت المداخيل في النمو بسرعة أكبر مقارنة بالأسعار.

 

وإذا وُعِد بمزيد من التخفيضات الضريبية في المناسبة المالية السابقة للانتخابات، فستكون هذه في واقع الأمر ميزانية ثانية، والتي يغلب أن تطلق الحملة الانتخابية التي ستستمر خمسة أسابيع.


ولكن، ما هو الثمن الذي سيترتب على سمعة سوناك التاريخية؟ أعتقدُ أن فرص منعه كير ستارمر من أن يصبح رئيس الوزراء المقبل بعيدة المنال. وسيكون برلمان بأغلبية مناهضة لحزب المحافظين، حيث يفتقر فيه أي حزب إلى أغلبية مطلقة، "أسوأ سيناريو معقول" لحزب العمال، إذا استعرنا عبارة درجت خلال التخطيط لمكافحة جائحة "كورونا".

 

ولذلك يجب على سوناك أن يسأل نفسه عما إذا كان مجرد إنقاذ حفنة من مقاعد حزب المحافظين يستحق إلحاق هذا الضرر كله بالمالية العامة التي سيشرف عليها البرلمان المقبل.


كل تخفيض ضريبي يُطبق أو يُوعَد به قبل الانتخابات يكون ثمنه إجراء تخفيضات نظرية عميقة في الإنفاق العام بعد الانتخابات. وقد يكون بعض مسؤولي حزب المحافظين الذين يطلقون على أنفسهم وصف "مخططين استراتيجيين" سعداء، لأنهم ينصبون "فخاً" كهذا لحكومة عمالية، مما يجبرها على فرض ضرائب بعدما وعدت بعدم القيام بذلك، أو خفض الإنفاق، وهذان أمران مؤلمان.

 

لكن هذه الرشوة التي سبقت الانتخابات هي ببساطة غير مسؤولة، وكلما تخلى سوناك عن عرضه الترويجي الفريد باعتباره الوصي على التمويل العام الحكيم، كان التاريخ أقل لطفاً في نظرته إليه.


أراد سوناك أن يبقى في الذاكرة بوصفه وزير الخزانة، ثم رئيس الوزراء، الذي حمى الناس بالإجازات المدفوعة خلال الجائحة، وإعانات أسعار الطاقة خلال التضخ، والذي اتخذ قرارات مسؤولة للحفاظ على استقرار الاقتصاد والمالية العامة حتى يمكن توفير حماية كهذه.


ومع ذلك، أصبح الآن تحت خطر أن يدخل التاريخ باعتباره رئيس الوزراء الذي ترك الحسابات في حالة تجبر خلفاءه على اللجوء إلى تدابير طوارئ لمنع انهيار الخدمات العامة.


*جون رينتول John Rentoul: كاتب ومعلق سياسي بريطاني.

 

اقرأ المزيد في ترجمات:

  هل ينزلق سوناك إلى حرب تشوه سمعته كما قوض غزو العراق إرث بلير؟