هل ينزلق سوناك إلى حرب تشوه سمعته كما قوض غزو العراق إرث بلير؟

1705831185697433600
رئيس الوزراء البريطاني، ريشي سوناك (وسط) في زيارة إلى أوكرانيا مؤخرًا - (أرشيفية)

يواجه ريشي سوناك مخاطرة كبيرة بتأييده الطلعات الجوية التي تقوم بها القوات البريطانية والأميركية ضد أهداف للحوثيين في اليمن.

 

اضافة اعلان

للوهلة الأولى، قد يبدو الأمر وكأنه اشتباك عسكري بسيط. وقد تبدو مشاركة سوناك وكأنها جزء من تحالف دولي واسع النطاق.

 

وقد يبدو الجدل القائم حول ما إذا كان ينبغي للبرلمان أن يصوت على المشاركة في هذه العمليات مجرد مضيعة للوقت، خصوصاً في ظل تأييد حزب "العمال" لهذه الضربات.


ومع ذلك، ينبغي أن تبعث ظلال الماضي القلق في نفس سوناك وأن تحرم مقلتيه النوم. في العام 1998، كان المطلوب من توني بلير في تدخله الأول في العراق إصدار أمر بشن غارات جوية، إلى جانب الرئيس الأميركي بيل كلينتون، قبل خمس سنوات من بدء الغزو البري.


خلال تلك الفترة، لم تكن الغارات الجوية البريطانية إلى حد ما مثيرةً للجدل. فقد دفع عدم امتثال صدام حسين لمطالب مفتشي الأسلحة التابعين للأمم المتحدة، إلى تنفيذ العمل العسكري، بحيث استهدفت الضربات إضعاف قدرته على فتح النار على الطائرات الأميركية والبريطانية التي كانت تفرض منطقة حظر جوي في شمال العراق.


حظي بلير في ذلك الحين بتأييد حماسي من حزب المحافظين المعارض آنذاك لتبنيه موقفاً صارماً في وجه صدام حسين، وكان ثمة إجماع دولي واسع النطاق بأن الزعيم العراقي يشكل تهديداً لشعبه وللسلام الإقليمي.

 

وتماماً كما يحدث اليوم، دعمت الحكومة الفرنسية من حيث المبدأ الجهود التي تقودها الولايات المتحدة لكبح جماح القوى التخريبية في المنطقة، لكنها لم تدعمها بالفعل.


كان الطريق الذي سلكه توني بلير نحو خوض حرب برية شاملة معبداً بالنوايا الحسنة والخطابات عن البعد الأخلاقي للسياسة الخارجية البريطانية. إلا أن الأمر أدى في نهاية المطاف إلى كابوس احتلال لا يمكن الفوز به.

 

ووجد بلير نفسه مقيداً بخليفة كلينتون الذي لا يحظى بشعبية في البيت الأبيض (جورج بوش الابن)، في حين نأت فرنسا بنفسها، وكذلك فعل جزء كبير من أوروبا القديمة، عن ذلك الصراع.


على الرغم من أنه من غير المرجح أن ينجر ريشي سوناك والرئيس الأميركي جو بايدن إلى حرب برية في اليمن قبل الانتخابات المقبلة في بلديهما في وقت لاحق من هذه السنة، إلا أن أوجه التشابه مع حرب العراق تثير القلق بما يكفي لقرع العديد من أجراس الإنذار.


عندما أعلن رئيس الوزراء البريطاني سوناك بعد نصف ساعة من منتصف الليل في فجر يوم الجمعة، أن "سلاح الجو الملكي نفذ ضربات مستهدفة ضد منشآت عسكرية يستخدمها المتمردون الحوثيون في اليمن"، أعادت الصياغة نفسها إحياء ذكريات مريرة لدى أولئك الذين واكبوا الأحداث الماضية عندما أعلن توني بلير بداية غزو العراق.


وفي تأكيد على الدور المستجد لسوناك كزعيم في زمن الحرب، كان في طريقه إلى كييف في صباح اليوم التالي، لينخرط في مسرح نزاع آخر. وقام خلال زيارته بتوقيع اتفاق تعاون أمني جديد مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي.


يمكن للحروب أن تشكل في بعض الأحيان لحظات حاسمة بالنسبة لرؤساء الوزراء. وفي حين أن الصراعات في البحر الأحمر والدعم اللوجستي والمالي المستمر الذي تقدمه المملكة المتحدة لأوكرانيا ضد عدوان فلاديمير بوتين عليها، قد لا ترقى إلى حجم النزاع في جزر فوكلاند أو غزو العراق، إلا أنها تسلط الضوء على ريشي سوناك بلا شك.


في حين أن السبب وراء الصراع في أوكرانيا واضح ومفهوم على نطاق واسع، فإن الوضع في البحر الأحمر يظل أكثر تعقيداً.

 

ويبدو أن تصريح سوناك في بيانه الليلي بأن "المملكة المتحدة ستدافع دائماً عن حرية الملاحة والتدفق الحر للتجارة" يحجب إلى حد ما دوافع الحوثيين المتمثلة في "مواجهة" الولايات المتحدة والغرب بسبب دعمهما لإسرائيل في الصراع الدائر مع حركة "حماس" في قطاع غزة.


من خلال قراءة الماضي، يمكن القول إن رئيسة الوزراء البريطانية الراحلة، مارغريت تاتشر، عززت سمعتها أثناء خوضها حرب جزر الفوكلاند (ضد الأرجنتين)، في حين أن توني بلير -الذي كان يُنظر إليه على نطاق واسع باعتباره أحد أكثر زعماء البلاد ذكاءً بعد تاتشر- واجه انتكاسة في العراق.

 

وعلى الرغم من بقائه رئيساً للوزراء لمدة أربعة أعوام بعد الغزو، إلا أن ذلك الصراع تسبب في تصدع الدعم له داخل حزب "العمال"، وقوض مكانته لدى الشعب البريطاني.

 

ولم يتعافَ رئيس الوزراء الأسبق تماماً من التصور القائل إنه لم يعتمد الصراحة بشأن قضية الحرب، على الرغم من أنه فعل.

 

كما أنه كان هناك رأي سائد مفاده بأن الحرب أدت إلى تفاقم خطر الإرهاب في المملكة المتحدة، على الرغم من أن ذلك لم يكن ينبغي أن يشكل سبباً للامتناع عن القيام بما هو صائب. وقد واجهت دول أخرى، بما فيها فرنسا، تحديات ومعاناة مماثلة مع الإرهاب منذ ذلك الحين.


وهكذا، يبدو أن ريشي سوناك يواجه أخطاراً كبيرة، لأسباب ليس أقلها أن التمرد الحوثي في اليمن -على النقيض من صدام حسين الذي لم تكن له أي صلة بتنظيم "القاعدة"- يتوافق بشكل وثيق مع الأيديولوجية نفسها التي يعتنقها  تنظيم "القاعدة" وأتباعه، بمَن فيهم "داعش".

 

وإذا كانت الحرب في العراق قد أدت إلى تعقيد محاولات توني بلير للتوسط بين الإسرائيليين والفلسطينيين، التي واصلها لمدة ثمانية أعوام بعد تركه منصب رئيس الوزراء، فإن الصراع المطول مع الحوثيين سيزيد التعقيد لأنه سيُنظر إليه بشكل مباشر على أنه امتداد للصراع المستمر بين إسرائيل وحركة "حماس".


وإذا كان العمل العسكري في البحر الأحمر يشكل خطراً على سوناك، فإن زعيم حزب "العمال" المعارض، كير ستارمر، ليس في منأى عن الخطر هو الآخر، خصوصاً بعدما تمت استشارته مسبقاً في مناقشات "المجلس الملكي الخاص" (مشاورات سرية تُجرى بين أعضاء هذه الهيئة الرسمية من مستشاري الملك البريطاني) حيث أعرب عن دعمه لها. وكان جون هيلي، وزير الدفاع في حكومة الظل "العمالية"، واضحاً بقوله: "نعم، نحن ندعم العمل المستهدف".


انطلاقاً من ذلك يمكن القول أن إحدى الركائز التي انتُخب على أساسها كير ستارمر زعيماً لحزب "العمال" قد انهارت. فقد كان أحد التعهدات الأساسية التي قدمها في حملته للفوز بقيادة الحزب المعارض، هو الوعد بوضع قانون لمنع التدخل العسكري البريطاني في الخارج، والذي يهدف إلى كسب دعم أعضاء الحزب المتأثرين بمواقف الزعيم السابق لحزب "العمال"، جيريمي كوربين، المناهضة للحرب، والناجمة عن الصراع في العراق.

 

مع ذلك، فقد تمت إزالة التعهدات العشرة -بما فيها هذا التعهد- بشكلٍ غير معلن، من الموقع الإلكتروني لستارمر الشهر الماضي، بينما تغير موقف حزب "العمال"، بحيث أعرب الآن عن تأييده للتدخل العسكري عند الضرورة.


وبالإضافة إلى ذلك، لا يطالب الحزب حتى بإجراء تصويت في البرلمان، وهو أمر كان من الممكن إجراؤه  بسهولة هذا الأسبوع، خصوصاً في ما يتعلق بمبدأ الضربات الجوية لحماية الملاحة في البحر الأحمر.

 

وفي هذا الصدد، يبدو كير ستارمر أكثر حماسةً في تأييد العمل العسكري من دون أخذ موافقة البرلمان البريطاني من توني بلير نفسه، الذي كان أول رئيس للوزراء يقر حق "مجلس العموم" في التعبير عن رأيه قبل الشروع في أعمال عسكرية، وهو الأمر الذي حدث قبل الغارات الجوية في العام 1998 وعشية غزو العراق في العام 2003.


أعرب بلير في وقت لاحق عن أسفه للسماح بالتصويت في العام 1998، لأنه أتاح الفرصة لـ23 نائباً من حزب "العمال"، بمن فيهم جيريمي كوربين، للتصويت ضد حكومته. وينبع قرار كير ستارمر تجنب حتى التصويت بأثر رجعي في البرلمان، من إدراكه لحقيقة أنه سيسلط الضوء على الانقسامات الداخلية في الحزب المعارض.

 

ومع ذلك، فإن هذه الانقسامات واضحة ومن المرجح أن تستمر. ولم تقتصر الاستقالات من مقاعد الجبهة "العمالية" بسبب رفض ستارمر الدعوة إلى وقف للنار في غزة على الشخصيات "الكوربينية" المعتادة، بل شملت عدداً من سياسيي التيار الرئيسي في الحزب أيضًا.


يبقى القول أخيراً إنه إذا ما تشكلت حكومة "عمالية" في وقت لاحق من هذه السنة، وإذا ما أصبح الوضع في الشرق الأوسط أكثر صعوبة، كما يبدو محتملاً حتى الآن، فقد يواجه كير ستارمر في وقت مبكر تحدياً في السياسة الخارجية، يستحضر أصداء مؤلمةً من تاريخ حزب "العمال" البريطاني.

‏*جون رينتول John Rentoul: كبير المعلقين السياسيين في صحيفة "الإندبندنت"، حيث يشغل المنصب منذ العام 1995. وهو أيضا أستاذ زائر في كلية كينغز في لندن، وأحد المغردين البارزين على منصة "إكس" (تويتر سابقًا).

 

مؤلف سيرة توني بلير. وكتب، بالشراكة مع جون ديفيس "أبطال أم أشرار؟ إعادة نظر في حكومة بلير.

 

بالإضافة إلى الكتابة عن السياسة، يسهم بعمود أسبوعي، Mea Culpa عن الموضة والاستخدامات. يكتب النشرة الإخبارية اليومية المجانية "المشهد من ويستمنستر" View from Westminster عندما يكون مجلس العموم في حالة انعقاد.

 

اقرأ المزيد في ترجمات:

خريطة طريق جديدة لدعم استقرار ونمو العراق