الشراكة بين القطاعين.. ترياق الاقتصاد المعطل

الملك يفتتح الدورة غير العادية لمجلس الأمة التاسع عشر ويلقي خطاب العرش السامي
الملك يفتتح الدورة غير العادية لمجلس الأمة التاسع عشر ويلقي خطاب العرش السامي
سماح بيبرس عمان- بينما نادى جلالة الملك عبدالله الثاني في خطاب العرش بضرورة بناء أسس راسخة لشراكة فاعلة بين القطاعين العام والخاص أكد اقتصاديون وممثلو فعاليات تجارية وصناعية أنّ واقع الشراكة "غير واضح ومنقوص" رغم اتخاذها هدفا وشعارا تسعى له الدولة منذ سنوات. ووصف مراقبون الدولة بـ"التخبط" حين الحديث عن ملف الشراكة بين القطاعين، وأنّ تطبيقها لا يتعدى الشعارات، كما أنّه غير ممنهج وغير ممأسس ويعتمد تطبيقه على مدى قناعة وإيمان المسؤولين وإدراكهم الشخصي لهذا الموضوع، فهناك من يعمل عليها في حين أنّ هناك من يهملها ويتركها. وتوافق هؤلاء على أهميّة هذه الشراكة لدعم وتطوير الاقتصاد، فيما أوصوا بضرورة إشراك القطاع الخاص في صنع القرارات والاستراتيجيات، وإشراكه في تنفيذ المشاريع الكبرى والاستفادة من خبراته الفنية في تطوير وإيجاد الحلول الاقتصاديّة. وكان جلالة الملك قد تطرّق امس في خطاب العرش الى ملف الشراكة حيث جاء في الخطاب "فيما يتعلّق بمساري التحديث الاقتصادي والإصلاح الإداري، فالهدف منهما تحقيق التعافي من الظروف التي فرضتها أزمة كورونا وبناء أسس راسخة لشراكة فاعلة بين القطاعين العام والخاص، لإقامة استثمارات توفر فرص العمل وتحفز النمو والاستفادة من القطاعات الواعدة والطاقات البشرية المؤهلة". واقع هذه الشراكة ما يزال ضعيفا ويكاد يكون "غير موجود أصلاً"، بحسب وزير تطوير القطاع العام الأسبق د.ماهر المدادحة الذي أكد بأنّه رغم المنادى بها عبر السنوات الماضية، إلّا أنّها ما تزال "حبرا على ورق". ويفصّل المدادحة ملف الشراكة، بالقول "هناك مشكلة أساسيّة في تعريف هذه الشراكة، وتوضيحها، فنحن بحاجة إلى إعادة إنتاج فلسفة الإصلاح في القطاع العام الذي "لا بدّ أن يحدد دوره كمنظم ومشرّع وليس مقدّم خدمات، فيما أنّ القطاع الخاص يتولى مهمة تقديم الخدمات". وأضاف المدادحة "الشراكة بين القطاعين ضروريّة لتنفيذ المشاريع الضخمة التي لا يملك القطاع العام أموالا لتنفيذها، كما أنّها ضروريّة في إدارة المرافق العامة حيث أن القطاع الخاص أكثر كفاءة ويمتلك التكنولوجيا والخبرات اللازمة للإدارة، كما أنّه يساعد الدولة في نقل المعرفة والتكنولوجيا اللازمة للمؤسسات والمرافق المختلفة". رئيس غرفة صناعة الأردن فتحي الجغبير وصف هذه الشراكة بالـ"منقوصة"، فهناك تغييب كبير للقطاع الخاص في اتخاذ القرارات ووضع السياسات الاقتصادية المهمة، فالـ"الحكومة تقرر ثمّ تضع القطاع الخاص بالصورة"، ناهيك عن أنّ هناك الكثير من القضايا العالقة التي تراوح مكانها منذ سنوات ولم تحل كقضايا تنظيم السوق ودعم الصادرات، والمعاملة بالمثل والطاقة. النائب الأول لرئيس غرفة تجارة الأردن جمال الرفاعي أكد أنه بالرغم من الدعوات المتكررة لتفعيل الشراكة بين القطاعين، إلّا أنّ تنفيذها ما يزال "غير ممأسس" ولا يعتمد على منهجيّة واضحة تطبق من جميع الجهات وجميع الحكومات والإدارات، مشيرا إلى أنّ تفعيل وتطبيق الشراكة يعتمد من حكومة إلى حكومة ومن وزير إلى وزير، بحسب "توجه وقناعات شخصية"، أي أنّه "ليس هناك نهج واضح يسير عليه الجميع". ودعا الرفاعي إلى ضرورة "توجيه البوصلة اليوم الى القطاع الخاص" الذي نجح في ادارة الأزمة الأخيرة ووقف الى جانب الدولة في مواجهة تبعات كورونا، وتحمّل مسؤولياته كاملة، وهو الذي يستوعب اليوم معظم العمالة الأردنيّة التي تقدّر بحوالي 950 ألف عامل، وهو القادر على خلق فرص ووظائف جديدة مستقبلا، فهو "عنوان التنمية" الحقيقيّة. ويتفق أستاذ الاقتصاد في جامعة اليرموك د.قاسم الحموري مع ما سبق فهو يرى أن الشراكة بين القطاعين العام والخاص في الوقت الحالي حاليا "صوريّة"، وما تزال تأخذ طابع "الفزعات" فالحكومة تميل على القطاع الخاص في الأزمات فقط. ووفقا للحموري فإنّ هذه الوضعيّة تأتي بالرغم من أنّ الشراكة ما بين القطاعين هي أساس الإصلاح الاقتصادي، والحل الأمثل للمشكلات الاقتصادية. وقد كانت الشراكة ما بين القطاعين أفضل حالاّ في ما قبل سبعينيات القرن الماضي- بحسب الخبير الاقتصادي زيان زوانة- فهو يرى بأنّ الاقتصاد الأردني تاريخيّاً نشأ مختلطا منذ تأسيس المملكة وحتى السبعينيات كان المد الاشتراكي كبيرا وفي أقصى زخمه وقوته، ورغم ذلك اختار الأردن الاقتصاد المختلط. وأضاف أنّ الشراكة مع القطاع الخاص متجذرة في العقلية الأردنية الحكومية والقطاع الخاص، وعقلية الإدارة العامة الحكوميّة في ذلك الوقت. لكن عندما ضعفت الاشتراكية وسيطرت الرأسماليّة على العالم وبدأ تنظيم الشراكة بقانون فشل الأردن في الاستمرار في تحقيق الشراكة فـ"لا هو حافظ على قوّة القطاع العام، ولو هو حقق شراكة فعلية مع القطاع الخاص، مضيفا بأنّ الأردن يعيش حالة "توهان" . وللخروج من هذه الحالة للشراكة ما بين القطاعين اقترح الخبراء عدة حلول من بينها– وفقا للحموري- اشراك القطاع الخاص في وضع الإستراتيجيات واتخاذ القرارات وأن لا يتم تغييبه، فلا بدّ أن يكون طرفا أساسيا في صنع القرار. كما لا بدّ من التأسيس لمشاريع مشتركة كبيرة وخصوصا في جانب البنية التحتيّة بشرط أن تكون هذه المشاريع مربحة ومدرّة للدخل لصالح القطاع الخاص ما يشجعه للدخول في مثل هذه المشاريع الضخمة. كما أكد الجغبير ضرورة تأسيس لجنة مشتركة دائمة الانعقاد يكون أعضاؤها أطرافا من الحكومة وأعضاء من غرفة الصناعة من شأنها أن تضع السياسات والقرارات المختلفة التي من شأنها أن تدعم نشاط القطاع الصناعي في الاقتصاد، وتتابع ما يخرج من قرارات على أرض الواقع. ودعا إلى أن تكون هناك لجان مشتركة متخصصة في القطاعات المختلفة لإيجاد حلول واتخاذ الإجراءات المناسبة. يشار إلى أن هناك قانونا صدر العام الماضي هو قانون "مشروعات الشراكة بين القطاعين العام والخاص" والذي نصت المادة 3 منه على أنّ الشراكة بين القطاعين العام والخاص تهدف إلى المساهمة في "إنشاء البنية التحتية العامة والمرافق العامة أو إعادة تأهيلها أو تشغيلها أو صيانتها أو إدارتها أو تطويرها، وتقديم الخدمات العامة وتوفير تمويل للمشروعات الحكومية، تنفيذ مشروعات الشراكة التي تحقق القيمة المضافة مقابل المال وجودة الخدمات، الاستفادة من الخبرة والمعرفة الفنية والتقنية الحديثة لدى القطاع الخاص في إنشاء المشروعات وإدارتها. كما نصت المادة 4 منه على إنشاء سجل وطني للمشروعات الحكومية الاستثمارية في وزارة التخطيط والتعاون الدولي. كما نصت المادة 7 من القانون على إنشاء وحدة تنظيمية في رئاسة الوزراء تسمى (وحدة مشروعات الشراكة بين القطاعين العام والخاص) وترتبط برئيس الوزراء. وكانت الحكومة قد أطلقت موقعا إلكترونيا للوحدة وقد حددت 5 مشاريع شراكة هي: مشروع شبكة الألياف الضوئية الوطنية، مشروع إنشاء مباني وساحات الشحن والركاب للمعبر الحدودي البري الجديد لجسر الملك حسين، مشروع إنشاء شبكات توزيع الغاز الطبيعي في مدينتي عمان والزرقاء، ومشروع تطوير 15 بناء مدرسة لوزارة التربية والتعليم، ومشروع استخدام الطاقة الشمسية الحرارية في المستشفيات الحكومية والعسكرية.اضافة اعلان