الأجداد.. كتف دافئ يتكئ عليه الأحفاد

ربى الرياحي

عمان- “ما أعز من الولد إلا ولد الولد”.. تلك المقولة الشهيرة التي يعيشها الأجداد حقا مع أحفادهم، ليكونوا بمثابة الحضن الدافئ لهم وصمام الأمان وهمزة الوصل والقلب الحنون الذي ينثر الفرح.اضافة اعلان
قدرة الأجداد على استيعاب الجميع وفهمهم لوجهات النظر المختلفة بحب وحكمة تجعل منهم كتفا ثابتا يتكئ عليه الكبار قبل الصغار، تعاطيهم مع الأمور بصبر وحنان ومحبة يمنحهم دائما ثقة المحيطين بهم، كما يدخل السعادة والأمل لقلوبهم تلك التي تدمن لغة العطاء.
للأجداد أهمية كبيرة في حياة الأحفاد لما يتصفون به من صدق وحكمة ونقل للخبرات والتجارب التي عاشوها، لكن بدون أن يلغي ذلك دور الأهل أو حتى يهمله.
مها عبد القادر من الأشخاص الذين يجدون صعوبة كبيرة في التحاور مع والديها، وخاصة في الأمور المتعلقة بدراستها.
تقول إن خلافات كبيرة تنشأ بينها وبين والدتها كلما حاولت إقناعها برغبتها في دراسة الهندسة باعتبارها تحب هذا المجال كثيرا وكان حلما رافقها من الطفولة. لكن تعنت والدتها الشديد وإصرارها على جعلها طبيبة وتجاهلها الصريح لكل الآراء والتبريرات التي قدمتها لها، كلها أسباب كانت تقضي بإنهاء النقاش دائما وبدون جدوى.
مها، ولأنها سئمت من الوصول إلى حل يرضيها ويرضي والدتها، وجدت أن لجوءها لجدتها هو خيارها الوحيد لتحقيق حلمها.
وتبين أن تفهم جدتها لرغباتها واحتياجاتها حتى قبل أن تنطق يشجعها على أن تتخذها وسيطا، فهي ترى فيها همزة الوصل التي من شأنها أن تقربها من أهلها وتحديدا والدتها؛ إذ لديها القدرة على احتواء الموقف بكل ما فيه، ويجعل منها صمام الأمان الذي يحمي تلك العلاقة من التصدع ويقلص بالتالي الفجوة التي تحدثها غالبا المشادات الكلامية القائمة على نبرة سلطوية تقاومها حاجة الأبناء للاختيار ولتقرير ما يتواءم وميولهم.
أما نهلة حاتم التي تعتمد كثيرا على والدها في حل مشكلاتها مع ابنها الوحيد، فترى أن علاقة الأجداد بالأحفاد تحمل الكثير من الحب والاحترام والدفء، وذلك لأن الأحفاد يميلون بطبيعتهم لمن يفهمهم ويشعر بهم بعيدا عن السلطة والقوانين والقرارات الجائرة في بعض الأحيان، حتى وإن كانت من باب الحرص والخوف.
وتضيف أن تمسك الآباء بفكرة أنهم دائما على صواب وأنهم أيضا القادرون على حماية أبنائهم حتى من أنفسهم يتسبب بافتقاد الأبناء لاستقلاليتهم.
ابتعاد الأجداد عن دور الرعاية والتربية وانتقالهم إلى دور الموجه والناصح بدون قيود وتعنت وإكراه، يمنحان الأحفاد، وفق نهلة، قربا خاصا، بالإضافة إلى أنهم يكونون لأبنائهم السند الذي يقويهم في لحظات الضعف ويحمل عنهم الكثير من الهموم والمشكلات.
وجود والدها في حياتها وحياة ابنها يخفف عنها كثيرا ويحسسها بالأمان، فهو باستمرار يدعمها ويبحث معها عن حلول واقتراحات تساعدها على تربية ابنها وتوجيهه؛ إذ يتقبل ابنها كلام جده أسرع من تقبله لكلامها، لهذا السبب تلجأ لوالدها ليعينها في غرس مفاهيم وقيم يحتاج لها ابنها حتى يكون جاهزا لمواجهة الحياة.
ويذهب الأخصائي النفسي الدكتور موسى مطارنة إلى أن للأجداد مكانة خاصة ومتميزة لدى الأحفاد والأبناء لما لهم من تأثير كبير، فهم بحكمتهم يمثلون حلقة الوصل بين جميع الأطراف، لكونهم في الأصل آباء وأمهات لمجموعة من الأبناء الذين يرون فيهم المأوى والحماية ووجودهم بالنسبة لهم يعني التضامن والترابط والقوة.
لذا، فإن قيامهم بدور الوسيط بين أحفادهم وأبنائهم يزيدهم قربا منهم، ويجعلهم أقدر على خلق نقاط التقاء بين الطرفين، وذلك عبر إحاطتهم بالحب والحنان والاهتمام الدائم بإيجاد لغة حوار مشتركة ترضي الجميع. ويشير مطارنة إلى أن احتواء الأجداد للكبير والصغير يعد سببا مهما يساعدهم على كسب محبة الجميع، وبالتالي الاستماع بجدية لنصائحهم النابعة من القلب وليس القائمة على التربية السلطوية، الأمر الذي يدفع الأحفاد للاحتكام عندهم باعتبارهم يتمتعون بالخبرة والحب.
ويبين أن اللجوء للأجداد لا يلغي أبدا دور الأهل، بل على العكس يعززه ويوجد الكثير من الحلول والأفكار والآراء التي بإمكانها أن تحقق التوازن وتسعد الجميع، وذلك من خلال بناء علاقات إيجابية قادرة على التفاعل والاحترام وتقديس المسؤولية التي تحفز بدورها على الاستقلالية وتقدير الذات.
الأخصائي التربوي الأسري الدكتور عايش نوايسة، يُبين أن العلاقة بين الأحفاد والأجداد تأتي بإطار عاطفي كبير، فالعبارة المشهورة “ما أغلى من الولد إلا ولد الولد” هي القالب الاجتماعي الذي يغلف هذه العلاقة ويشكل إطارا توجيهيا وإرشاديا في أحيان كثيرة قالبه الحرص على الأحفاد. وهذه المكانة الطيبة لدى الأجداد للأحفاد قالبها الخبرة الطويلة في الحياة والتفرغ، في حين أن الآباء مشغولون في توفير متطلبات الحياة للأسرة، لذا يميل الخبراء إلى القول إن الأب والأم يعيشان الأبوة والأمومة مع أطفالهما في حلوها ومرها، لكن الجدين يعيشان مع الأحفاد الأبوة والأمومة المتأخرة في حلوها فقط، بحسب نوايسة.
لذا يرى الأجداد في الأحفاد امتدادا طبيعيا لسلالتهم ومصدر سعادة وفخر في حياتهم، وبدورهم يرى الأحفاد في الأجداد الحضن الذي يعطيهم الإحساس بالأمان والانتماء ويزود الأجداد الأحفاد بنوع من الثراء العاطفي والنفسي، كما يزودوهم بالخبرات والمعارف الأساسية في الحياة نتيجة التجارب والخبرات.
ويلفت نوايسة إلى أنه حينما يتحول الدور من أم وأب إلى جد وجدة يتغير الوصف الوظيفي للمهمة، فلا يعود الهدف الرئيسي رعاية الطفل، بل تقديم الحب والاستمتاع بمشاعر الأبوة والأمومة بدون عناء.