"اللامبالاة".. حينما تكون وسيلة دفاعية نفسية لمواجهة المتاعب

ديمة محبوبة

عمان - ذلك الشعور الدائم باللامبالاة، لم يأت من فراغ لدى سمر عبدالله؛ إذ سبقه طفولة صعبة استمرت معها في كل مراحل حياتها، حتى بعد استقرارها وزواجها. وصولها لمرحلة اللامبالاة بكل ما يحصل أمامها، وافتقادها لأي مشاعر سواء سلبية أو إيجابية، تفسره سمر بأنه عائد إلى طفولتها حينما كان "القمع" أساس التربية في البيت الذي عاشت فيه، فكل تصرف تقوم به يقابله تحذير وغضب ومنع، ولا يسمح لها بالتعبير عن كل ما يجول في خاطرها، ولا عن رأيها أو عمل أشياء تحبها وترغب بها.

اضافة اعلان


كبرت سمر واستمر الحال كما هو عليه، فلم تكن طفولتها "سعيدة" كما تقول، فاعتادت هذا الحال، وأصبحت تكتم مشاعرها، ولا تبدي فرحا أو حزنا تجاه أي حدث يحصل، وكأن هذا العالم بعيد عنها ولا يحرك بها شيئا.


اعتقدت سمر أنها في زواجها من شاب مناسب، ستتغير حياتها وتصبح لديها استقلالية فقدتها في بيت عائلتها، مع زوج متفهم، يحترمها ويعطي مشاعرها اهتماما، لكن ما اختبرته كان مختلفا تماما، فزوجها أيضا لم يختلف كثيرا، إذ لا ينصت لها ولا يأخذ برأيها ولا يصغي لأي قرار تشاركه به. ذلك كله ضاعف من حالة "اللامبالاة" التي تعيشها سمر، ولم تعد معنية حتى بالدفاع عن أي حق لها.


خبراء في علم التربية والنفس يؤكدون أن الوصول لحالة "اللامبالاة"، يعد حيلة نفسية عادة يلجأ إليها الكثيرون متزامنة مع كثرة ضغوطات الحياة والقسوة التي يتعرضون لها وأحيانا الإهانة والإهمال وعدم النظر لحاجاتهم النفسية والاجتماعية.


اختصاصي علم النفس د. موسى مطارنة، يؤكد أن كل إنسان يختبر مراحل مختلفة في حياته، وهنالك من ينشأ ويعيش حياة سليمة، في حين يتعرض آخر لظلم كبير، فيقرر حماية ذاته، فمن يتعرض لقمع بشكل مستمر ويعيش تحت ضغط مستمر، قد يلجأ وعن قصد لتجميد مشاعره نحو كل ما حوله، ليحمي نفسه من آلام مقبلة ومتاعب نفسية حالية ومقبلة.


هذه الحالة لا يمكن أن تكون صحية، وفق مطارنة، إذ إنها حالة صعبة وخطيرة، والاستمرار بها يؤدي إلى "تبلد" بالمشاعر، فتصبح ردود فعل الشخص باردة، وكأنه لايشعر، ومغيب عن كل ما يحصل حوله، ولا شيء يحرك ما في داخله.


ويحذر مطارنة من تعويد النفس على قمع الشعور، إذ يؤدي ذلك مع الوقت الى غياب الإحساس بكل ما يحصل حولها، وتصبح كارهة لكل شيء.


وعلى سبيل المثال؛ الكثير من النساء اللواتي يعشن برفقة عائلة أو متزوجات من رجال لا يتوقفون عن الصراخ والذم والإهانة، والتقليل من الشأن، تظهر لديهن في البداية مشاعر الغضب والحزن، لكن مع الوقت يتوقفن عن الدفاع عن أنفسهن، ويختبئن داخل مساحة الهروب والراحة، وتتجمد مشاعرهن ولا يبدين الاهتمام أو المواجهة أمام كل ما يقال أمامهن أو يتعرضن له، ويختزن اللامبالاة طريقا.


التربوي د. محمد أبو السعود، يؤكد أن الحياة الصحية والسليمة تبدأ منذ مرحلة الصغر، فعندما يعيش الفرد طفولة جيدة وسليمة مراعية لاحتياجاته النفسية والاجتماعية، فإن تطوره بمراحله العمرية اللاحقة يكون صحيا وبالمسار الصحيح.


ويضيف أبو السعود أن الاستقرار النفسي والتربوي يحدث عندما يتحدث الشخص عما يدور في خاطره ويعبر عنه أولا بأول، من مشاعر إيجابية وسلبية فيعالج ذاته بالحديث والاستماع، ويقوي ذاته ويدعمها ويثق أكثر بنفسه وبمن حوله.


اختصاصي علم الاجتماع د.حسين خزاعي، يؤكد الأسرة هي اللبنة الأولى في حياة الفرد، فإن انتهكت حقه في التعبير عن الرأي ولم توفر له سبل العيش المريح، يخرج للمجتمع محملا بالمشاكل النفسية والاجتماعية سواء أثناء مراحل الدراسة أو العمل أو حتى عند بناء أسرة خاصة، إذ يبقى يعاني ولا يجد من يدعمه من أقرب الناس اليه. بالتالي، يحمل القسوة على ذاته وعلى من حوله، وأحيانا ينقل هذا الشعور والسلوك لعائلته وأقرب الناس اليه، ومع الوقت تتحول حالته لشعور من "اللامبالاة".


خزاعي يؤكد أن حالة كتمان المشاعر لا تضر صاحبها فقط، إنما تضر من حوله، إذ إن الكثير من الحوادث الخطيرة التي سمعت في المجتمع يكون سببها شخص يقال عنه "والله كان محترم هادي ما بحكي ولا بعبر.. بسمع ويأكل من فم ساكت"، فهذا الشخص حينما يخرج عن صمته بالتعبير عن كل ما عاشه، قد يصبح عدوانيا أو يرتكب الجريمة أو يتصرف بشكل مؤذ، ليؤثر كل ذلك عليه وعلى من حوله.


و"اللامبالاة"، حسب علم النفس، هي حالة وجدانية سلوكية، معناها أن يتصرف المرء بلا اهتمام في شؤون حياته أو حتى الأحداث العامة وإن كان هذا في غير صالحه، مع عدم توفر الإرادة على الفعل وعدم القدرة على الاهتمام بشأن النتائج.


ومن يعاني حالة "اللامبالاة، يقمع أحاسيسه مثل الاهتمام والإثارة، فاللامبالي هو فرد لا يهتم بالنواحي العاطفية أو الاجتماعية أو الاقتصادية وكذلك قد يبدي الكسل وعدم الحساسية.


وقد يكون هذا التصرف جراء عدم قدرة المرء على حل المشكلات التي تواجهه أو ضعفه أمام التحديات.