المراهقة.. حينما تتبدل السلوكيات فما دور الأهل لتخطي المرحلة بسلام؟

المراهقة.. حينما تتبدل السلوكيات فما دور الأهل لتخطي المرحلة بسلام؟
المراهقة.. حينما تتبدل السلوكيات فما دور الأهل لتخطي المرحلة بسلام؟

ما بين الطفولة والرشد هناك مرحلة انتقالية تسمى "المراهقة" تظهر بها تغيرات عدة، من ناحية العقل والجسم والفكر، إضافة إلى التقلبات النفسية.

اضافة اعلان


ليس لفترة المراهقة سن محددة، فقد تختلف من شخص لآخر، ولكن في الغالب تتراوح بين سن 12-19 عاما، ومن الممكن أن تبدأ قبل ذلك عند الإناث، وتتمثل عموماً بتغيرات معروفة مثل تغير ملامح الجسم، خشونة الصوت عند الذكور. 


ولكن ليس لهذه التغيرات تأثير بقدر تأثير التغيرات النفسية والتي تقود المراهق إلى العناد والعنف بشكل كبير والبحث عن الذات، لكنها ومهما بلغت يجب أن ندرك كيفية التعامل مع المراهق بدلا من محاولة قمعه، مثل: توجيهه نحو ممارسة الأنشطة، كالرياضة، ركوب الخيل والسباحة أو المطالعة، وهذا ما يتفق عليه خبراء.


جود (16عاماً)، كأقرانها بهذا العمر انجذبت لمتابعة العديد من تطبيقات مواقع التواصل، لكن بشكل مبالغ به والذي يتمثل بقضاء ساعات طويلة بتقليب صفحات المواقع؛ لكنها لم تلاحظ أنها انعزلت عن العالم المحيط بها، جراء انغماسها الكبير بهذا العالم الوهمي، ما أدى إلى قلق والديها وانزعاجهما.


اختار والدا جود الحوار والتفاهم الإيجابي، ونجحا بإقناع ابنتهما بتفريغ طاقاتها بما هو مهم، من خلال النقاش حول كيفية تنظيم وقتها وتعزيز مهاراتها، بدلا من قضاء أوقات طويلة بلا جدوى.


وبحسب الاختصاصية النفسية نورة صلاح، فإن هناك أسئلة وجيهة يجب الإجابة عنها مثلا، كيف نحسن من حياة المراهق؟ كيف نسعى لتطوير شخصيته للأفضل؟ في البداية يجب أن نفهم طبيعة مرحلة المراهقة، هل هي مرحلة استقبال؟، غالباً لا، فالتعليم هنا يكون تعليم النمذجة والمقصود بأنه ليس لدى المراهق استعداد للجلوس وسماع المحاضرات. "بالتالي، يجب علينا نحن أن نقوم بهذا السلوك كي يتعلمه المراهق، مثلا إذا كنت أريد إبعاد ابنتي عن شيء ما سأحاول قدر الإمكان أن أقدم لها الحل البديل، أحببها به من دون أن تشعر بذلك إلى أن تعتاد". بحسب الاختصاصية صلاح.


وتضيف، أو من باب آخر تعليم المراهق قيمة الجلوس مع الأهل على الطعام، إذ نقوم بتحديد وقت للطعام مع الإصرار على وجود الجميع، ومحاولة خلق نوع من المتعة، أي على سبيل المثال، أن تشاركهم ما لديك عن طريق خلق حوارات معهم حتى ولو كانت وهمية، أن تحدثهم عن شيء صادفك في يومك، تسمع آراءهم بعد ذلك تبدأ بالحوار.


ويذكر الشاب محمد (24عاما)، تجربته في مرحلة المراهقة قائلا: "عندما كنت في (16) من عمري كنت شخصا عصبيا جدا ولا أحتمل أي كلمة من أي شخص أو أن يعارضني شخص ما، حتى ولو لم أكن على صواب، كنت أقوم بتكسير الأشياء في المنزل، أضرب إخوتي الصغار، أغضب أمي وأبي، حتى إن جاء أحد لزيارتنا خرج منزعجا من تصرفاتي، وأذكر أنني قد قمت بكسر يد أحد أطفال الحي من دون سبب يذكر، ما أثار غضب الجيران وحاولوا إخراجنا من الحي".


ويضيف، "أصدقائي ابتعدوا عني، أساتذة المدرسة لا يتحملونني في الصف حرفياً، لا أحد يتقبل وجودي.. الناس صارت تشوفني وتتعوذ مني، مر الكثير من الوقت وأنا مستمر بالأذى والحياة بلا هدف أو معنى، ولكن بعد مرور العديد من الأشهر بدأ الموضوع يؤثر على صحتي ونفسيتي بشكل سلبي، بدأت أفكر محاولا معرفة الخلل، لم ابتعد الجميع عني؟ لم أصبحت وحيدا والجميع ينفر مني؟ هل يعقل أن الجميع على خطأ وأنا الوحيد الذي على صواب؟ لم أستطع الوصول إلى أي شي وحدي". 


ويكمل، "استدعيت أحد أصدقائي لمساعدتي، شرحت له الموضوع كاملا واعترفت بضعفي أمامه، نصحني بالابتعاد عن العصبية والالتزام بالعبادات والمشي ساعة يوميا قبل غروب الشمس، كما عرض علي الذهاب بصحبته إلى ناد لكرة القدم وافقت وذهبت، وأصبحت عضوا مسجلا في النادي، ومنذ ذلك اليوم، ومن دون مبالغة أصبحت شخصا آخر، تغيرت نظرة الناس تجاهي، أصبحت شخصا محبوبا واعيا مدركا، أميز الخطأ من الصواب، التزمت بنظام غذائي، خرجت لتسلق الجبال يوميا، أحاول البحث واكتشاف عادات جديدة مفيدة لألتزم بها، أبحث عن أي شيء مفيد وأتعلمه، وحالياً أنا بقمة الفخر والسعادة بنفسي وبما وصلت إليه".


أما الطالبة غنى (18 عاما)، فلطالما فضلت الجلوس بمفردها مع هاتفها المحمول، ولم تكن لديها الرغبة برؤية الآخرين أو الحديث معهم، كما تتجنب التجمعات العائلية أو تجمع الصديقات، إذ تفرح وتجد الراحة في الجلوس وحيدة فقط، وعليه تلقت العديد من الكلمات المؤذية مثل "متوحدة وانطوائية وغيرها"، إلا أن الأمر لم يؤثر عليها بشكل كبير.


وتروي غنى الموقف الذي أخرجها من حالتها الانطوائية بقولها: "عندما كانت برفقة عائلتها في زيارة لمعرض الكتاب، مؤكدة أنا دخلت بتردد كبير "قدم للأمام والأخرى للخلف" بحسب وصفها، لكن شيئا ما قد شعرت به جعلني أتقدم وأتفحص المكان، بدأت بتقليب النظر وقراءة عناوين الكتب، وقد أعجبني الكثير منها إلى أن قال والدي: "لا تحكم على الكتاب من غلافه، لم أقتنع بما قال كما أنني لم أفهم، تناولت كتابا ما وبدأت بالقراءة، جذبتني المقدمة كثيراً واشتريت الكتاب وانتهيت من قراءته خلال يومين فقط".


ومنذ ذلك اليوم، حدث التغير الجذري بيوميات غنى، إذ أصبحت تذهب إلى المكتبة تجلس مع القراء وتناقشهم بعدما كانت التجمعات والنقاشات أكبر مخاوفها، كما صممت مكتبة مصغرة في غرفتها، وأصبحت تقرأ الكتب المفيدة وتفسرها وتدون مقتبسات منها، وهي الآن تقرأ يومياً بشغف وحماس لا ينطفئان.


وهذا ما تؤكده الاختصاصية صلاح، ضرورة تغيير السلوك السلبي بقولها: "يتم التغيير بتحفيز المراهق على عادات وسلوكيات صحيحة أو بديلة للتصرفات الآنية لديه، يجب أن يكون لدى الآباء نفسا طويلا، بعدم التسرع بالحكم عليه، أو معاقبته، وأن يعلم الآباء أنه من المؤكد لن يتقبل هذا التغيير من البداية، ومن الممكن أن يخطئ وهذا طبيعي، وهنا نحتاج إلى الصبر.


ويتفق دكتور الإرشاد النفسي والاجتماعي حسين الخمايسة، مع الاختصاصية صلاح، بأن فترة المراهقة فترة يصعب التعامل معها، إذ يكون المراهق حساسا نوعاً ما، لذلك يفضل دائماً أن يتعامل الوالد والوالدة مع أبنائهم في هذه المرحلة بطريقة أكثر إحتواء من قبل، كأن تصاحب ابنك وتتعامل معه كصديق أكثر من كونك والده، وتجنب فرض السلطة عليه أو مراقبة أخطائه أو أن تجعله آلة لتنفيذ الأوامر (افعل ولا تفعل)، فما يميز مرحلة المراهقة أنها مرحلة انتقالية ما بين الطفولة والشباب بمعنى أنها في المنتصف.


ويشرح، هنا يأتي دور الأهل في الاحتواء، بأن تعرف رغبات الابن أو ميوله، ماذا يفضل وماذا يكره، وعدم إجباره على شيء ليس لديه رغبة به، مثلاً في عمر (16عاماً) مرحلة تصنيفات الثانوية العامة "العلمي- الأدبي- الصناعي- الفندقي.." يجب عليه تعبئة الطلب وفق ميوله أو اختياره.


وينصح الآباء بقوله: "إذا قمعت حلم ابنك وأجبرته على أن يفعل شيئا خارجا عن رغبته، أولا: سيفعله بطريقة غير صحيحة أو أنه لن يكمله حتى النهاية، وثانيا: تبدأ بخلق الفجوة ما بين الابن والأسرة، وتتفاقم بسلوك العناد وعدم الإنصات لكلمات الأب والأم".


ويوضح الخمايسة، إقناع الأهل يأتي من الاحتواء، فإذا أنصت لابنك وتكلمت معه بالطريقة التي تجذبه إليك، تسمعه ويسمعك، ثم تبدأ بالترغيب بالعادات الحسنة، وكذلك ذكر مساوئ العادات السيئة حتى يدرك الابن حقيقة تصرفاته، فإذا رغبت بإبعاد ابنك عن رفاق السوء مثلا، ليس عليك أن تأتي مباشرة وتجبره بقول: (اقطع علاقتك بفلان، لا ترافقه)، عليك أن تأتي إليه بأسلوب الحوار مثلاً: (أنا بحب أسمع عن أصحابك، بحب أشوف مين بتصاحب، عندك الصاحب الفلاني شفت عليه حركات سيئة، يعني أنا ما بدي تقطع علاقتك فيه لأني حكيتلك)، تستطيع أن تجعله يتأكد بنفسه أن هذا رفيق سوء حقاً، وبذلك تجعله يتحمل مسؤولية قراره".


ويختم، دائماً نؤكد أن الابن في هذا العمر يحتاج الى احتواء، يريد أن يتخذ القرار بنفسه، يريد الشعور بأنه حر غير مجبر، في الوقت ذاته، الابتعاد عن التعنيف، وألا نجعله يتخذ قرارا معينا لأننا نريد ذلك، بل نحاول فقط أن نجعله يفهم الصواب ليتخذ القرار بنفسه.

 

 اقرأ أيضاً: 

المراهق والتحرر من الطفولة.. كيف يتعامل الأهل مع تغيرات المرحلة؟