خلف وأمام الكاميرات.. السوشال ميديا هل تصنع "المثالية الكاذبة"؟‎

خلف وأمام الكاميرات.. السوشال ميديا هل تصنع "المثالية الكاذبة"؟‎
خلف وأمام الكاميرات.. السوشال ميديا هل تصنع "المثالية الكاذبة"؟‎

لأن منصات التواصل الاجتماعي تحتل جزءا كبيرا من حياة الإنسان اليومية، فإن العديد من مؤثري "السوشال ميديا" يتعمدون نشر أدق تفاصيل حياتهم سعيا وراء الشهرة ولحصد أكبر عدد من المتابعين.

اضافة اعلان


يوثق مشاهير مقاطع قصيرة تضم أفعالا وتصرفات تظهر المثالية للآخرين وتعكس صورة قد تكون مختلفة عن الحقيقة. وما بين الحقيقة والادعاء قد يقع البعض في فخ "التزييف" والذي يعكس شخصيات مختلفة عن الواقع.


أحيانا، لا يمكن التمييز بين ما هو واقعي وما هو محض ادعاء فيما يتعلق بفضاءات السوشال ميديا، في وقت تبدو فيه الصور والفيديوهات والكلمات المنمقة قابلة للتصديق من دون أي رغبة في التحقق ليبقى السؤال: هل يقع المتلقي ضحية لهذا التزييف؟


ابراهيم (22 عاما) انتابه شعور الدهشة مؤخرا عندما شارك أحد رواد مواقع التواصل فيديو يوثق فيه تصرف أحد مؤثري السوشال ميديا وهو يصور فيديو قصيرا له وهو ينظف أحد الأماكن، ليتفاجأ أنه في نهاية الفيديو ترك جميع ما جمعه من قمامة في المكان- البعيد عن موقع التصوير-، حيث غادر بعد الانتهاء وهو عكس ما أظهره في الفيديو الخاص به.


صدمة كبيرة عاشها ابراهيم عندما أدرك أن المؤثر الذي اعتبره قدوة له هو في الحقيقة عكس ما يظهره على مواقع التواصل ويقول "دائما كنت أسمع أنه مش كل شي حقيقي لكن ما توقعت لهاي الدرجة".


ويشير ابراهيم انه لم يتوقع أن يتصنع البعض المثالية، فقط لكسب متابعين، مؤكدا بذلك أن نظرته الآن تغيرت لكل ما ينشر، وأصبح يعلم تماما أن هنالك حقيقة أخرى وراء الصورة المثالية التي يراها لمؤثر السوشال ميديا.


ومن جانب الإعلام الرقمي؛ تبين رئيسة قسم الصحافة والإعلام الرقمي في جامعة البترا الدكتورة رشا اليعقوب أن ادعاء المثالية مرتبط ارتباطا وثيقا بمشاكل نفسية لدى هؤلاء الأشخاص، موضحة أن التقليد يأتي في أول سلم الدوافع لهذا التصرف.


وتتابع اليعقوب أن كثيرا من الأشخاص يقدمون محتوى على "الريلز" وضمن فيديوهات قصيرة تظهر تصرفاتهم الجيدة ومحاولاتهم لنشر الإيجابية، لكن قد تكون الحقيقة عكس ذلك. والمثالية الكاذبة على السوشال ميديا تكون للتقليد وإرضاء الرغبات الشخصية، مبينة أن الإنسان لديه احتياجات نفسية ويميل لأن يمدح بسبب النقص الداخلي الذي يعيشه.


وتشير إلى أن البعض قد تكون شخصيته نقيضة تماما لما نراه على السوشال ميديا فهو بطبيعته يريد أن يكون هكذا، ولكن غير قادر على ذلك فعلى الأقل يحاول أن يرضي غروره ولو كان ذلك على السوشال ميديا وبشكل "مزيف" وهذا يعكس غياب صدقه مع نفسه وقد يصل للمرض النفسي لإشباع رغبات بأي طريقة، منوهة أن هنالك أهدافا أخرى لادعاء المثالية قد تكون الشهرة أو هدف مادي أو اجتماعي أو نفسي وقد تكون جميعها.


وتعتقد اليعقوب أن تأثير هذا الادعاء يختلف بحسب الفئة العمرية والجمهور، مشيرة إلى أن أغلب المتضررين هم فئة المراهقين والشباب والأطفال لان بعضهم يتخذ من هؤلاء المؤثرين قدوة له وهنا التعويل على الفئة المثقفة القادرة على ان توضح وتشرح ما وراء هذا الاستعراض وهذه المثالية التي يقدمها المؤثرون.

 

ووفق اليعقوب، فإن هنالك من اكتشف موخرا أن هذا الأمر غير واقعي وانه مجرد عرض موجود فقط في السوشال ميديا وهذه الفئة المثقفة والواعية قليلة للاسف.


بينما من جهة الأخرى هنالك الفئة الأصغر من الشباب والمراهقين الذين يقع الخوف عليهم من أخذ الأفعال مسلمات كما نظرية "القطيع"، وتتبعها بالقول "هذه المثالية هدفها مكشوف لحصد الشهرة أو ليظهر المؤثر إنسانيته غير الحقيقية".


ومن جهة أخرى فإن هذه المثالية الزائدة تحبط المتلقي بالرغم من انه واع بحسب اليعقوب، بمعنى يسأل نفسه "أنا ماذا قدمت لهذه الحياة أو للأشخاص أو لنفسي" و"لماذا هو هكذا وأنا لا"، هذه المقارنات قد تقود لاضطرابات نفسية والبعض قد يخسر حب التنافس لانه يمر بحالة إحباط ويشعر أن هنالك فرقا كبيرا بينه وبين المؤثر. 


كما أن هؤلاء الأشخاص غير الصادقين مع انفسهم، يبالغون في الأمور التي يقدمونها فينتابهم أرق نفسي، ولكن بالرغم من ذلك سيجدون أشخاصا يدافعون عنهم. وهذه المثالية ليست فقط على السوشال ميديا، فكثيرون يتحدثون عن الإصلاح وكيفية عيش حياة وعلاقات أسرية سليمة في الوقت الذي لا يطبقون ذلك في محيطهم.


وتشير اليعقوب "هنالك أشخاص يشاركون كلاما وعبارات جميلة ولكن كثيرا منها تناقض الواقع لنعيش في شخصية ازدواجية".

 


ومن الجانب النفسي يبين اختصاصي علم النفس الدكتور علي الغزو أن كلمة "تزييف" هو الوصف الأدق لما يحدث على مواقع التواصل، ومن جهة نظره فإن الإنسان يملك شخصيتين الاولى الحقيقة الظاهرة للجميع والاخرى كامنة لا يعلم أسرارها الا الشخص نفسه.


ويوضح الغزو أن كثيرا من مؤثري السوشال ميديا نمط شخصياتهم الحقيقية مختلف تماما عن الشخصية الظاهرية التي يراها المجتمع، فإن الدافع قد يكون تحقيق مصلحة مادية وكون الجوهر الحقيقي لهذا الفرد ليس كما يظهر فإن ذلك انعكاس لـ "الشخصية الفوضوية" وغياب الاهتمام بالقيم الحقيقية التي تظهر للآخرين، بالتالي يكون الدافع الحقيقي وراء هذا الأمر حصد عدد متابعين أكثر وتحقيق شهرة ومصلحة مادية من هذا الإدعاء.


وبحسب الغزو، يبرز هنا مفهوم "المرغوبية الاجتماعية" والتي تدخل تحت مظلة التزييف والخداع وتعني ببساطة ان الفرد يتصرف بطريقة ترضي المجتمع على الرغم من انه ليس هكذا، بمعنى ان يقوم بسلوكيات وتصرفات او يستجيب لبعض الأمور ويظهر بمظهر جيد فقط لارضاء الآخرين وهو لا يكون صادقا مع نفسه.


"المرغوبية الاجتماعية" تسيطر على الكثير من الأشخاص بحسب الغزو وعلى حساب القيم والمبادئ وهي نوع من الخداع والتزييف بحق الذات وبحق الآخرين ووجب الحذر منها وتنبيه المجتمع لهذه الظاهرة وتأثيراتها الكبير.


وينوه الغزو إلى أن هذا الادعاء يعود في الأساس لشخصية الفرد نفسه وعلى ماذا تربى وما هي القيم والمبادئ والاخلاق والبيئة التي عاش بها وعلى ماذا نمت جوانب شخصيته والتي جعلته يتصرف بهذا الشكل.


ويعتقد الغزو ان الذي يقوم بالادعاء سيحاول التعامل بحذر شديد مع الآخرين وهذا الاحساس لوحده يخيفه، ويبقي الشخص دائما يعيش حالة قلق وتوتر وتساؤل كيف سيرضي المتابعين، وكيف يتعامل معهم بطريقة يظهر لهم انه فعلا شخص جيد ولذلك يعيش في مرحلة من التوتر والقلق والخوف من ان يتم كشفه.


ولذلك نرى بعد فترة أن بعض المؤثرين يختفون عن السوشال ميديا بعد أن تكشف حقيقتهم، وهنالك الكثيرون ممن كانوا مؤثرين وحصدوا شهرة واسعة اختفوا بعد التعليقات السلبية التي كشفت حقيقتهم لذلك يقررون اغلاق حساباتهم والاختفاء.


ويتفق الغزو مع اليعقوب بأن الفئة الأكثر تأثرا هي الفئة الاصغر من المراهقين والشباب، اذ ان بعضهم يتخذ من هذا الانسان نموذجا وقدوة وهنا تكمن الخطورة عند معرفة حقيقته وهذا يترك أثرا سلبيا على الآخرين ولهذا وجب الحذر والانتباه.


ويختتم الغزو حديثه أن هنالك انماطا شخصية مختلفة و"علينا العلم أن الإنسان لا يستطيع الحكم على الآخرين الا من خلال تعامله بشكل مباشر معهم ومعرفة حقيقة هذه الشخصية وما الذي تخفيه في داخلها".

 

اقرأ أيضاً: 

السوشال ميديا ودعوتها المبطنة للفرار من الجسد

منصات "السوشال ميديا" وحياة الرفاهية.. هل كل ما نراه حقيقي؟