ذوو الإعاقة.. إهمال الأهالي لأوضاعهم النفسية يدفعهم لمزيد من "الكراهية"

Untitled-1
Untitled-1
ربى الرياحي عمان- خلف قضبان اليأس والإحباط والخوف؛ تقف الطفلة راما إبراهيم مكبلة بإعاقتها الحركية التي تشكل لها حاجزا نفسيا يفصلها عن محيطها ويبقيها أسيرة أحزان وعقد نفسية تأبى أن تتحلل منها. لم تجد السند والدعم داخل أسرتها الصغيرة، وواجهت الكثير من المتاعب والرفض والإقصاء لدرجة أنها قررت أن تعزل نفسها حتى عن أفراد عائلتها الذين تناسوا أن لها مشاعر وأحاسيس يجب أن تراعى لتستطيع أن تتقبل وضعها وتتأقلم معه. غير أن إهمالهم لهذه الناحية، رغم أهميتها الكبيرة، أوجد لديها شعورا بالكراهية حتى باتت ناقمة على كل شيء حولها ساخطة على حياة لم تكن ولن تكون يوما ما عادلة في نظرها. هي ولأنها تشعر بأنها مهمشة من قبل الجميع سيطر عليها الخجل من إعاقتها ورأت أن تنأى بنفسها عن العالم الخارجي حتى لا تلمح الشفقة في أعين تأبى أن تنظر إلى إنسانيتها قبل كل شيء وهذا الخيار زاد من إحساسها بالعجز والاستسلام. حقوق كثيرة وأبسطها اللعب والتعليم والحلم بالمستقبل لم تحصل عليها راما كبقية أقرانها، والسبب أن أفراد أسرتها تعتبرها حملا ثقيلا يضاف إلى همومهم ومتاعبهم، مكتفين برعايتها فقط من باب الشفقة والواجب. يعيش الأطفال من ذوي الإعاقة حياة قاسية بعض الشيء تختلف عن أقرانهم، والسبب في ذلك أنهم مطالبون أكثر من غيرهم بأن يكونوا أقوى حتى يستطيعوا أن يتحدوا ويقاوموا صعوبة الظروف المحيطة بهم لكونهم من ذوي الإعاقة. هؤلاء الأطفال، تحديدا، بحاجة إلى أسر تعرف كيف تحتضنهم وتحتويهم قادرة على فهم احتياجاتهم النفسية والجسدية بدون أن يطغى جانب على الآخر. فالطفل عندما يعيش وسط أسرة تؤمن به وتستوعب جيدا مشاعره لديها الوعي الكافي لتهيئته من الداخل، وتسليحه بأهم المهارات التي تعينه على مواجهة واقعه بثقة وصلبة، حتما سيكون شخصا سويا متفائلا يرى في إعاقته امتيازا وقوة بخلاف ذلك الطفل الذي ينشأ في محيط أسري يركز فقط على الإعاقة كإعاقة بمعزل عن أي احتياجات أخرى. أم بهاء حرصت منذ البداية على دعم ابنها وتشجيعه على تخطي ألم الإعاقة وصعوباتها بعد تعرضه لحادث مفاجئ فقد على إثره حاسة البصر. لم يكن الموضوع هينا أبدا عليهم جميعا، لكن ظلوا صامدين متماسكين يربتون بحنان وحب على قلب طفلهم، وأمدوه بالقوة وأصروا على تحصينه بشتى المهارات التي يحتاجها ككفيف وكإنسان تغيرت حياته وبات مطالبا بأن يعيش بطريقة مختلفة نوعا ما. وتبين الأم أن بهاء في البداية لم يتقبل الفكرة وكان دائم الشكوى والبكاء والتذمر من وضعه لدرجة أنه كان يرفض مقابلة أصدقائه والخروج إلى الأماكن المخصصة للعب تلافيا للإحراج، لكن قاموا بتأهيله نفسيا وإلحاقه بمدرسة خاصة بالمكفوفين، كلها خطوات ساعدته على التأقلم مع ظروفه وأصبح واثقا من نفسه أكثر متسلحا بالإيجابية والتحدي. وتقول الأخصائية النفسية أسماء طوقان "إن الاعتناء بطفل من ذوي الإعاقة ليس أمرا هينا على أفراد أسرته، خاصة على والدته لأنها الأكثر احتكاكا به، وغالبا ما تواجه أسر هؤلاء الأطفال العديد من المشاكل المادية والنفسية والبدنية، وتكون أكثر عرضة للضغوطات النفسية والاجتماعية مثل اضطراب العلاقات داخل الأسرة". هؤلاء الأطفال يكونون أكثر عرضة للاكتئاب والقلق والحزن والإحباط والانعزال عن المجتمع، لذلك لا بد من تقديم الدعم النفسي لهم ولأسرهم لمساعدتهم على كيفية التعامل مع أطفالهم وعلى تقبلهم لهم كي ينعكس ذلك على نفسية الطفل وتقبله لذاته. في بداية الأمر، ينبغي وفق طوقان، توضيح مراحل الصدمة والتقبل للأهل وطمأنتهم أن هذه المراحل يمر بها أي إنسان وهي (الرفض والإنكار والغضب والشعور بالحزن والذنب والمساومة والتقبل) لمعرفة ما يمرون به في هذه الفترة وإعطاء كل مرحلة حقها وفهمهم لنوع إعاقة طفلهم ومتطلباتها وأساليب تعاملهم معه. إلى ذلك، لا بد من دمج الطفل في المجتمع وعدم عزله في المنزل ووضعه في المراكز الخاصة التي تقام بها الأنشطة الترفيهية التعليمية وتهيئته نفسيا ودعمه وتحفيزه وبناء ثقته بنفسه، بحسب طوقان. دمج الطفل من ذوي الإعاقة يبدأ من داخل الأسرة أولا من خلال ممارسة الأنشطة اليومية معه، فكلما تقبل الأهل وضع طفلهم تقبل هو ذاته وحالته، كما ينبغي معاملته مثل بقية إخوته بعيدا عن حاجاته الخاصة حتى لا ينشأ لديه مشاكل سلوكية سلبية يصعب التعامل معها. وهذا الطفل من ناحية المشاعر والعاطفة، مثله مثل أي طفل طبيعي، تؤثر به الكلمة الطيبة وتسعده وتزيد ثقته بنفسه وتؤثر به الكلمة السيئة فهو إنسان وليس مجرد جسد. ويذهب الاستشاري التربوي الأسري د.عايش نوايسة الى أن الأسرة هي المؤسسة المجتمعية الأولى التي تعنى بأبنائها من ذوي الإعاقة وتقع على عاتقها مسؤولية دمجهم في المجتمع فيما تقدمه لهم من رعاية صحية ونفسية ومقدرة على التكيف الحياتي والتعامل مع الآخرين. ويبين أن وجود طفل من ذوي الإعاقة في الأسرة قد يشكل عبئاً معنوياً ونفسياً وجسدياً على الوالدين رغم أهمية أن يحظى بجو أسري يتسم بالعلاقات المتينة والسليمة لتنمو لديه مهارات اجتماعية من خلال توفير قاعدة آمنة وسليمة لاستكشاف بيئته الاجتماعية وتقوية نقاط القوة وتجنب نقاط الضعف لديه.اضافة اعلان