هل يدفع "التجاهل" المراهقين لتصرفات عدوانية فقط للفت الانتباه؟

هل يدفع "التجاهل" المراهقين لتصرفات عدوانية فقط للفت الانتباه؟
هل يدفع "التجاهل" المراهقين لتصرفات عدوانية فقط للفت الانتباه؟
رشا كناكرية عمان - كثيراً ما تتغير تصرفات الأطفال، تحديدا عند الدخول في مرحلة المراهقة؛ إذ تعلو الأصوات وتتضاعف المشاكل وتتغير الطبائع.. فهل كل ذلك طريقة نحو "لفت الانتباه" في محيطهم؟ مرحلة المراهقة هي الأصعب والأكثر تحدياً، فيها يمر الطفل بتغيرات كبيرة ويختبر مشاعر جديدة، إذ يصبح شديد الملاحظة وحساسا أكثر لطريقة معاملة من حوله له. هذا يتطلب من الوالدين أن يكونا على دراية بهذه المرحلة وضرورة التعامل معها بحكمة، فهي تتطلب قدرًا من الصبر والتفاهم والمرونة من أجل مرورها بسلام. محمد (15عاما) هو الابن الأوسط في عائلته، بدأ يشعر بتجاهل والديه له وهذا ما جعله يعتقد بأنه "غير مهم"، ما دفعه نحو تصرفات جديدة، منها التكلم بصوت عال والصراخ المستمر، وافتعال المشاكل مع أشقائه. وهذا كله سببه لفت نظر عائلته له، معتقدا أن رفض سماع كلام والده الى جانب عناده، سيجعل الكل يلاحظه، هذه التصرفات نتيجة شعوره بنوع من الظلم بين إخوته، كما يقول "أشعر وكأن والدي لا يراني أحيانا"، لهذا يتصرف عكس شخصيته الهادئة ويفتعل المشاكل ليلقى الاهتمام الذي يبحث عنه. بينما ملاك (14 عاما) عُرفت بالفتاة المدللة داخل عائلتها، ودائما ما تتلقى الاهتمام منهم، ولكنها لم تجد ذلك في محيط المدرسة، وهذا ما أشعرها بأنها فقدت التميز الذي اعتادته. بدأت تشعر بأنه لا مكان لها بين زملائها، لذلك أصبحت تبحث عن الاهتمام بالطريقة الخاطئة، بافتعال المشاكل مع زميلاتها والميل نحو العدوانية للفت النظر إليها، لعلها تجد ما كانت تريده وتطمح اليه. الاختصاصي التربوي الدكتور عايش نوايسة، يبين أن هذه المشاكل هي نتاج طريقة التعامل مع المراهق، لهذا يلجأ لها للفت الانتباه، فهو يرى أن البيئة التي يتواجد فيها لا تنظر إلى طاقاته ومهاراته وقدراته، لافتا إلى أن البيئة السوية هي التي تسمح للجميع بالنمو داخل أطر سليمة. وفي ظل غياب هذه الأطر، يبحث المراهق عن طريقة للفت النظر، و"قد نعلم أنه يسعى إلى ذلك ولكن لا نلتفت إلى ذلك"، لهذا فإن الكثير من السلوكيات تتحول إلى سلبية، وسببها الرئيسي هو "التجاهل"، وفق نوايسة. ويوضح نوايسة أنه داخل العائلة، البعض لا يشعر بالعدالة، خصوصا إذا كان ميل الأم والأب لواحد من الأبناء، وتقديم الرعاية والاهتمام له من دون أن يعتقدوا أن إخوته يشعرون بهذا التمييز، ولكن في الحقيقة هذا يسبب له مشاعر سلبية تظهر لاحقا. ويؤكد نوايسة أنه من المهم أن يدرك الوالدان حاجات واهتمامات الابن، وفهم نفسيته، ومتابعة هواياته إن كان يحب الرياضة ويطمح لممارستها، وتشجيعه على تعزيز سلوكيات إيجابية في داخله. ومن جانب آخر، على الأهل البحث عن النقطة التي يريد المراهق إيصالها، والعمل على معالجتها، فالأم والأب هما الأقرب للأبناء وعليهما معرفة اهتماماته وحاجاته، واستيعابه وتوجيهه بالطريقة المثلى لكي يعود ضمن المسار الذي تريده الأسرة لأبنائها. ويوضح نوايسة أن التربية السليمة المتوازنة هي أن تربي ابنك نفسيا واجتماعيا وثقافيا، وزرع ثقة النفس في داخله سواء بالبيت أو خارجه، وأن يدرك أنه ليس شرطا أن يكون دائما محط الاهتمام، فهنالك أناس متميزون غيره. ويضيف نوايسة أن أساس كل السلوكيات هي الثقة بالنفس والإيمان بالقدرات والحاجات، منوها إلى أن المراهق يمر بمرحلة عدم توازن وفيها يطغى الجانب العاطفي لديه لأن الجوانب الفسيولوجية والجسمانية والتحولات التي تحدث لديه تجعله يبحث عن لفت الانتباه. وبالتالي، خلال هذه الفترة يجب أن يكون هنالك توازن في التعامل، إضافة الى التوجيه، خصوصا مع الانفتاح في عصر الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي، فالأهل مجبرون على أن يكونوا قريبين من أبنائهم وتوعيتهم برسائل إيجابية لكي ينشؤوا بشكل سليم في البيئة التي يعيشون فيها. ويذهب اختصاصي علم النفس الدكتور علي الغزو، إلى أن "لفت الانتباه"، يلجأ إليه الصغير والكبير، وسببه الرئيسي شعور "التجاهل" من المحيطين. ومن المفترض في أي تصرف أو سلوك ينتج أن يتم تعزيزه أو تعديله؛ أي "تعديل السلوك". ويضيف الغزو أنه في حال استمر التجاهل، فإن المراهق قد يكرر السلوك ذاته أو قد يلجأ إلى آخر جديد فقط للفت الانتباه، وليخبر من حوله "أنا هنا موجود". ويوضح الغزو أن هذا التجاهل يؤثر في الشخص الذي يمتلك شخصية متزنة ويتمتع بذكاء فوق المتوسط، ففي هذه الحالة الفرد تعز عليه نفسه ويسأل "لماذا يتم تجاهلي من قبل المعلم أو الأهل؟" إذ إن تقديره لنفسه عال، ويتوقع من الأشخاص الذين حوله أن يقدروه، فهذه نقطة حساسة بالنسبة له. ويبين الغزو أن الأب في بيته قد يفضل الابن الأكبر على حساب المتوسط والصغير، وأحيانا يكون هنالك ميل لشخص ما أكثر من الآخر، وهذا له آثار نفسية في حال ما تم معالجته بالطرق التربوية الصحيحة. لذلك، من الأهمية، مراعاة نفسية هذا الفرد قبل أن تتولد لديه مشاعر عدوانية وتتمثل بأن يعتدي على إخوته أو زملائه في المدرسة، نتيجة الغيرة التي قد تتولد لديه. ويوضح أن هذا الأمر ينتشر عند كل الفئات العمرية، والمراهقة مرحلة حساسة ولها أبعاد نفسية، وتصل الحالة لدرجة أن يلحق الطفل الضرر بنفسه حتى يلفت الانتباه. ويذكر أن هنالك أنماطا للفت الانتباه فقد تكون كلامية بتلفظ ببعض الكلمات السيئة، أو تصرفات مستهجنة، أو خطأ الشخص بحق نفسه، لذلك يجب أن يكون هنالك مراعاة من قبل الأب والأم. ووفق الغزو، فإن علاج هذا الأمر يكون توعويا، وإدراك الأضرار والآثار السلبية التي ستترتب على حالة الابن في حال عدم معالجتها، فـ"درهم وقاية خير من قنطار علاج". ومن جهة أخرى، ينوه الغزو إلى أن العلاج لا يكون بالعقاب، فهذا خطأ أكبر، إنما بالحوار واستيعاب الابن، موضحا أن الآثار النفسية على المراهق تكون كبيرة ويتولد لديه شعور غياب الثقة، ويتساءل: "لماذا يتم تجاهلي؟" وهذا يسبب له خوفا وقلقا مستمرا وشعورا بالخجل وضعفا بالشخصية وغياب احترامه لذاته.اضافة اعلان