حكم ذاتي يولد بين مستوطنات الضفة كـ"كانتونات" منفصلة غير مترابطة جغرافيا

رؤية بايدن للدولة الفلسطينية.. كيان "قزم" منزوع السيادة والأمن

واحدة من عشرات المستوطنات الجاثمة على ارض الضفة المحتلة.-(أرشيفية)
واحدة من عشرات المستوطنات الجاثمة على ارض الضفة المحتلة.-(أرشيفية)

 يستنسخ مقترح إدارة الرئيس الأميركي "جو بايدن" لإقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح، الرؤية الصهيونية للكيان الفلسطيني المستقبلي الذي لا يخرج عن نطاق الحكم الذاتي المحدود المعني بالشؤون الحياتية للسكان، خلا الأمن والسيادة الموكولين للاحتلال، تتم ولادته وسط المستوطنات المترامية بالضفة الغربية، بما يُماثل هيئة "الكانتونات" المنفصلة غير المترابطة جغرافياً.

اضافة اعلان


ولم يجد المقترح الأميركي الحديث قبولاً سواء من الجانب الفلسطيني الذي عده انتقاصاً صارخاً للحقوق الوطنية، أم من قِبل الاحتلال الذي يناقض الفكرة من الأساس، وليس مستعداً إلا لكيان فلسطيني "قزمي"، بينما يواصل حرب الإبادة الجماعية ضد قطاع غزة، التي أدت لارتقاء أكثر من ألف شهيد فلسطيني خلال أسبوع واحد فقط.
وتناقش الإدارة الأميركية فكرة إقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح على وقع استمرار عدوان الاحتلال ضد غزة، الذي أسفر عن ارتقاء زهاء 25 ألف شهيد و62 ألف جريح وآلاف المفقودين، وتعمق وتيرة الاستيطان في الضفة الغربية بمساعي المستوطنين الحثيثة لضم المزيد من أراضيها وتهويد القدس المحتلة، بما يجعله مقترحاً "واهماً لذر الرماد في العيون"، وفق مسؤولين فلسطينيين. 


وطبقاً لمقترح "بايدن"، بحسب شبكة "سي إن إن" الأميركية، فإن "إقامة دولة فلسطينية مستقلة ليس مستحيلا، بوجود رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو" في السلطة، زاعماً بأن الأخير "لا يعارض جميع حلول الدولتين"، إذ "هناك عدد من الأنماط الممكنة، فبعض الدول الأعضاء في الأمم المتحدة ليست لديها قوات مسلحة"، على حد قوله.


ولم يمض وقت طويل قبل أن يصدر مكتب نتنياهو، أمس بيانا، جاء بمثابة رد على تصريحات بايدن والتي قال فيها بأن نتنياهو لم يستبعد تماما قيام دولة فلسطينية، بالقول: "في محادثته الليلة الماضية مع الرئيس بايدن، كرر رئيس الوزراء نتنياهو موقفه الثابت لسنوات، والذي أعلنه أيضًا في مؤتمر صحفي في اليوم السابق، وهو أنه بعد القضاء على حماس، يجب أن تظل إسرائيل تسيطر أمنيًا بالكامل على قطاع غزة، لضمان أن غزة لم تعد تشكل تهديدا لإسرائيل، وهذا يتعارض مع مطلب السيادة الفلسطيني" (إقامة دولة فلسطينية مستقلة).


تصريح مكتب نتنياهو يبدو أنه صدر في أعقاب مراجعة من اليمين المتطرف له عن صحة تصريحات بايدن، وجاء بمثابة نفي لتلك التصريحات.


ويرى رئيس الجمعية الأردنية للعلوم السياسية الدكتور خالد شنيكات، إن هذا الاتصال يأتي بعد إعلان نتنياهو رفضه لإقامة دولة فلسطينية استباقا لترتيبات ما بعد الحرب، ويبدو أن هناك فجوة بين الموقف الأميركي والإسرائيلي فيما يتعلق بحل القضية الفلسطينية، فبينما ترى إسرائيل أن لا دولة ثانية بين النهر والبحر، وقد عملت على قتل حل الدولتين خلال العقدين الماضيين بشكل حاسم، ناورت الولايات المتحدة لفظيا في حل الدولتين بدون إرادة فعلية لفرض الحل.


وتابع أنه في خضم الحرب الدائرة في غزة ولكسب الرأي العام، أعاد بايدن طرح حل الدولتين كمخرج للنزاع، ولذلك أجرت الولايات المتحدة جولات دبلوماسية لإعادة ضخ الحياة في حل الدولتين.


ولكن السياق التاريخي لسلوك الولايات المتحدة تجاه إسرائيل عكس عدم ممارسة أي ضغط عليها، فيما لا ترغب به.


وأضاف "ويبدو أن مفهوم الدولة حتى  لديه قيوده، فهو دولة بلا جيش، وبلا سيادة، وهو ما يعني أن العمل الأميركي، قد فرّغ مفهوم الدولة من مضامينها وعلى أمل أن يحظى بموافقة إسرائيل، ورغم ذلك فإن اليمين المتطرف ومعظم الأوساط السياسية الإسرائيلية ترى أن حل الدولة أصبح خلف ظهورهم".


من جهته، يقول أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الألمانية الأردنية، الدكتور بدر الماضي، بالتأكيد أن العلاقة الشخصية بين نتنياهو وبايدن لم تكن بالمستوى المطلوب سابقا وحاليا. وكانت حرب غزة عاملا أساسيا أيضا، بزيادة التوتر والخلاف بين الطرفين على أهداف استراتيجية قد تصب في صالح الولايات المتحدة الأميركية، وأيضا في مستقبل إسرائيل. هناك اعتقاد، بل شبه جزم من قبل الإدارة الأميركية وكثير من المؤسسات في الولايات المتحدة الأميركية، أن نتنياهو يبحث عن مصالح شخصية، ولا يبحث عن مصلحة إسرائيل. 


وقال بالنسبة للولايات المتحدة الأميركية، المصلحة الإستراتيجية الإسرائيلية مقدمة عن المصالح الشخصية لقادة إسرائيل ومقدمة حتى في بعض الأحيان على المصالح الأميركية حول العالم. 


وأضاف "فمن هذا المنطلق، كان هذا الخلاف الكبير جدا، ولم تكن القضية الفلسطينية هي جوهر الخلاف بين الطرفين، ولكن أيضا هناك تقييم داخل أروقة الإدارة الأميركية تقول إن تعنت نتنياهو واليمين المتطرف في حكومة إسرائيل، اليمين المتطرف في هذه الحكومة ونتنياهو يشكلان حالة من الضغط الكبير جدا على سمعة الولايات المتحدة الأميركية كقوة قادرة على إيقاف مثل هذه الحرب، هناك تقييم أيضا أن نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة قد أصابا سمعة الولايات المتحدة الأميركية بضرر كبير جدا، من الصعب تصحيحه في الأيام القادمة بسبب عدم قدرة الولايات المتحدة الأميركية على التوازن في موضوع دعم قطاع غزة، ودعم إسرائيل بنفس الوقت وموازنتها مع حقوق الإنسان، ومع ضرورة أن تقرر الشعوب حق تقرير المصير".


وأضاف "إن إدارة الظهر لنتنياهو لأكثر من شهر تقريبا من قبل بايدن، كان يؤمل منه أن تزيد من الضغوط على الأخير لوقف حدة هذه الحرب، ولكن هذا لم يحدث إطلاقا، فقد زاد تعنت نتنياهو وزاد واليمين المتطرف معه في ضرورة الاستمرار في هذه الحرب، حتى وإن سالت دماء كثيرة من الأبرياء، وحتى وإن اختبرت المصداقية الأميركية حول العالم بأنها غير قادرة على وقف هذا اليمين المتطرف وحربه المسعورة على قطاع غزة".


وقال إن الطرح الأميركي هو محاولة للهروب إلى الأمام في قضية حل الدولتين، لا أحد يستطيع أن يصدق أو أن يعطي هذه الميزة لبايدن أنه يتحدث عن إقامة دولتين، خاصة وأن الانتخابات الأميركية قد بدأت الآن، وقد بدأت تضغط كثيرا على الحزب الديمقراطي، وعلى بايدن شخصيا، وهذا لن يجعل من القضية الفلسطينية أولوية، سواء للناخب الأميركي، أو لصناع القرار في الحزب الديمقراطي، ولكن محاولة طرح مثل هذه الفكرة هو فقط إلهاء للرأي العام العالمي ومحاولة القول إن واشنطن ما زالت معنية بالقضية الفلسطينية.


وأضاف "بمعنى أنه سيتم دائما طرح حل الدولتين من قبل واشنطن وتل أبيب اللتين تعلمان تماما أنه لا يمكن أن يكون هنالك حل للدولتين، لكنه يستفاد من هذا الطرح في إغلاق أي حلول يمكن أن يطرحها الآخرون في المستقبل، ويغلق باب أي حلول يستفيد منها الشعب الفلسطيني".


بدوره، يقول عميد كلية القانون السابق في جامعة الزيتونة الدكتور محمد فهمي الغزو، إن هناك أدلة متزايدة على أن الرئيس الأميركي بايدن بدأ يفقد صبره تجاه نتنياهو"، مؤكدا أن الإدارة الأميركية قلقة من أن إسرائيل لن تلتزم بجدولها للانتقال لعمليات أقل حدة في غزة.


وأضاف "تعكس الخلافات بين الإدارة الأميركية ونتنياهو حجم تنامي الأزمة وإمكانية الإطاحة بحكومة الأخير، وهو أمر تحدثت عنه تقارير أميركية كشفت عن تعاون واشنطن وقادة إسرائيليين لتشكيل حكومة ما بعد نتنياهو، وفي هذا يتقدم كل من يئير لبيد وأفيغدور ليبرمان وبني غانتس".


وتابع: لا تقل الأزمة السياسية التي تعيشها حكومة الاحتلال حدة عن أزمة الفشل الميداني العسكري في قطاع غزة، وهذه الأزمة بدأت ببعدها الخارجي حيث الخلافات مع الإدارة الأميركية منذ اليوم الأول للحرب، رغم التعاطف والدعم اللامشروط الذي أبدته إدارة بايدن للاحتلال".


وتابع: جميع مناورات نتنياهو اليوم لا تمتلك فرصة كبيرة للنجاح، خاصة وأن الدور الأميركي بدأ ينفذ بشكل أكبر إلى تفاصيل السياسة الداخلية في الكيان، وذلك على أساس الخطة التي وضعتها واشنطن حول غزة بمساعدة دول عربية تتضمن مسألة حل الدولتين، ما يعني أن الإدارة الأميركية غير منفتحة على السيناريو الذي يتبناه نتنياهو وتفضل السيناريو الخاص بها وفقا لخطتها التي تتجاوز نتنياهو وربما اليمين الإسرائيلي ككل في المرحلة المقبلة.


من جانبه، قال عضو المكتب السياسي لحركة "حماس"، عزت الرشق، إن "بيع الوهم الذي يحاوله "بايدن" بالحديث عن الدولة الفلسطينية و"أنماطها"، لا ينطلي على الشعب الفلسطيني".


وقال في تصريح أمس، إن "بايدن" شريك كامل في حرب الإبادة، ولا ينتظر الشعب الفلسطيني منه خيراً"، مضيفاً إن "هؤلاء يظنون أنفسهم أولياء أمور الشعب الفلسطيني، يريدون أن يختاروا له نمط الدولة التي تناسبهم".


وشدد الرشق على أنه "بعد عشرات آلاف الشهداء والجرحى في قطاع غزة والضفة الغربية، فإن الشعب الفلسطيني سينتزع دولته التي سيعيش فيها حراً كريماً كما يليق بتضحياته". 


وقال إن "الحديث الأميركي قبل مائة يوم، كان عن غزة ما بعد حماس، وصار اليوم عن "إسرائيل" ما بعد نتنياهو!".


وبالمثل؛ قال الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية، مصطفى البرغوثي، إن حديث "بايدن" عن دولة فلسطينية وما يسمّيه "حل الدولتين" بدون الموافقة على وقف إطلاق النار فوراً في قطاع غزة ودون الدعوة لإزالة الاستيطان، وتحديد حدود ومضمون الدولة الفلسطينية هو ذر للرماد في العيون".


وأضاف، إن المقترح الأميركي "محاولة لتمرير التطبيع مع استمرار الإبادة الجماعية للشعب الفلسطيني، ويبدو أنها محاولة من "بايدن" لتجنب هزيمته المنتظرة في الانتخابات الرئاسية الأميركية المرتقبة، بسبب رفض غالبية الشعب الأميركي لسياسته بدعم العدوان الهمجي ضد الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والضفة الغربية".


وأكد أن "القول بإمكانية قيام دولة فلسطينية بوجود "نتنياهو" هو نفاق وتضليل يتجاهل ما قاله الأخير بأنه يرفض قيام دولة فلسطينية مستقلة"، مؤكداً أن "الدولة الفلسطينية لا يمكن أن تتحقق بدون إزالة الاحتلال وإزالة المستوطنات والمستوطنين".

 

اقرأ المزيد : 

قناة أميركية: إدارة بايدن تستعد لمرحلة ما بعد نتنياهو