مراقبون: تحسن قطاع العدل "نسبي".. وضرورة التركيز على البنى التكنولوجية

1696606714451238700
مبنى قصر العدل في منطقة العبدلي بعمان - (تصوير: أمجد الطويل)

أكد قانونيون وحقوقيون أنّه على الرغم مما شهده قطاع العدالة في المملكة خلال الأعوام الأخيرة من تطورات مهمة في كل جوانبه، غير أنه ما يزال بحاجة إلى تطوير بناه التحتية الانشائية والتكنولوجيّة، والتي اعتبرها البعض "غير لائقة" ولا تتناسب مع الأعداد المتزايدة من المراجعين.

اضافة اعلان


ووفقا لهؤلاء، فإن هذه التطورات التي طرأت على القطاع جاءت بهدف الوصول للعدالة الفعالة وتحقيق شفافية وزيادة سرعة الإجراءات، كما طالت تعديلات على قوانين وتشريعات من أجل أن تكون منسجمة مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان.


يأتي هذا في الوقت الذي كان فيه قانون الموازنة 2023 لوزارة العدل أشار الى مجموعة من التحديات أمام القطاع، حيث قال إنّه بالرغم من وجود تشريعات تدعم الوصول للعدالة الناجعة الى حد ما، إلا أن التشريعات الحالية ما زالت بحاجة الى مواكبة التطورات والمستجدات، ومنها التوقيع الإلكتروني وغيره. 


وبين أن من ضمن التحديات التي تواجه الوزارة وجود ضعف في الإقبال على الحلول البديلة للنزاعات، كما أنّ هناك مشكلة في محدودية بدائل العقوبات المجتمعية والعقوبات البديلة عموما، وعدم الإقبال على تبني المقر منها، اضافة الى ضعف الجاهزية الإلكترونية لعدد من الشركاء الأساسيين للقطاع، والخاصة بتفعيل التحول الإلكتروني مثل المحاكمات عن بعد، وضعف تعاون عدد من الشركاء الأساسيين في دعم وتنفيذ التوجهات الاستراتيجية للقطاع، مثل ضعف الإقبال لدى مجموعات من المعنيين على استخدام الخدمات الإلكترونية. 


وضمن التحديات، يذكر مشروع القانون الحاجة إلى تطوير إدارة الموارد البشرية من أنظمة تحفيز وتقييم ومسارات وظيفية.


وفي هذا الصدد، أكد القاضي الأسبق مستشار ديوان الرأي والتشريع سابقاً د. محمود العبابنة أنّ القضاء الأردني نزيه وحيادي، ويتمتع باستقلاليّة كاملة، وهذا أهم إيجابيّة فيه.


وقال العبابنة إن السمة الغالبة على قضائنا هو النزاهة والحيدة، وهو يزخر بالكفاءات التي نعتز بها، إلاّ أن هناك بعض أوجه القصور، ومن بينها بطء إجراءات التقاضي وإطالة أمد الفصل في المنازعات المدنية على وجه الخصوص.


وأضاف أنّ موضوع إطالة أمد التقاضي أمام المحاكم ليس جديداً، بل هو قضية مزمنة وعامة منذ عقود، وهو سلبية تواجه الكثير من أصحاب الحقوق، مشيرا الى أنّها مسؤولية تتكفّل الدولة وذوو الاختصاص والمجتمع بحل معضلتها. 


وأشار الى أنّ "بطء العدالة قد يعتبر إنكارا لها، وربما يؤدي التّأخير بالفصل في الحقوق إلى تفويت الفرصة على صاحب الحق من الاستفادة الكاملة لحقه المسلوب، وهذا ينسحب على مرحلتي التقاضي والتنفيذ، لافتا الى أنّ هذه المشكلة لا تعزى إلى جهة معينة من الجهات المختصة وذات العلاقة بإجراءات التقاضي، فلا يتحمّلها القضاة وحدهم، أو الموظفون العاملون في المحاكم، وكذلك لا يتحملها المحامون وحدهم، ولا نصوص القانون الرّخوة، ولا المحضرون المتقاعسون عن العمل ولا الخبراء الغائبون". وأضاف: "بل إن جميع هذه الأطراف المشار إليها جميعاً مع المتخاصمين في دعاوى التقاضي والتنفيذ هم مسؤولون بالتكافل والتضامن عن هذه المشكلة".


يشار هنا الى أنّ التقرير السنوي لأوضاع المحاكم النظامية والقضاء الإداري والنيابة العامة للعام 2022 أشار الى أن المحاكم حققت إنجازاً على مستوى أمد التقاضي من خلال الحفاظ على معدل التقاضي المحقق عبر الأعوام الماضية والبالغ (57) يوما، وكذلك الحال على صعيد جودة الأحكام، إذ بلغت نسبة الأحكام الصادرة عن محكمة التمييز والمؤيدة للأحكام الصادرة عن محكمة الدرجة الثانية 63 %، كما بلغت نسبة تأييد محاكم الدرجة الثانية للأحكام الصادرة عن محاكم الدرجة الأولى 64 % ليبلغ معدل نسبة الأحكام التي تأبدت 64 %.


القاضي في محكمة التمييز سابقاً المحامي باسم المبيضين أشار الى أن أهم ما يميز هذا القطاع هو استقلاليّة ونزاهة القضاء الأردني، وأنّ أي قرار يتم اتخاذه من قبل القضاء يسير ضمن آليات وعمليّات تضمن تحقيق العدالة.


وأشار المبيضين الى أنّ القطاع يحتاج الى تحسين في البنية التحتيّة وخصوصاً مباني المحاكم، كما أنّ هناك حاجة لتدريب الكوادر داخل هذه المحاكم بشكل مستمر، وبما يضمن سير عمليات التقاضي والمحاكمات بشكل جيد، مشيرا الى أنّ التأخير في التقاضي قد تكون له عدة أسباب، منها ما يتعلق بالمحامين، ومنها ما يتعلق بإحضار الشهود وغيرها من الأمور التي تتم معالجتها أولا بأول في هذا القطاع، وخصوصا مع أتمتة الإجراءات وإدخال التكنولوجيا.


وكان بحث إقليمي منفذ من قبل منظمة النهضة العربيّة (أرض) بالشراكة مع السفارة الفرنسيّة في عمّان وشمل 8 دول عربيّة من بينها الأردن، أكد أنّ هناك مشكلة في محدودية أعداد الموظفين في المحاكم، وفي فرص التطوير المهني، ونقص البنية التحتية الكريمة، والاستخدام المحدود للحلول الرقمية، وعدم وجود خرائط طريق شاملة لتنفيذها، ناهيك عن البيانات المفقودة بخصوص تصورات وتجربة قطاع العدل في بعض البلدان.


مدير البرامج في المنظمة الدولية للإصلاح الجنائي محمد شبانة، يرى بأنّ قطاع العدالة في المملكة شهد منذ أعوام تطورا مهما في كل جوانبه، وذلك بهدف الوصول الى عدالة فعالة وشفافية وسرعة في الاجراءات، وسعيا حثيثا من أجل مواءمة كل التشريعات الاردنية مع المعايير الدولية لحقوق الإنسان.


وأضاف أنّ أهم مرحلة في تطوير القطاع كانت مرحلة ما بعد اصدار تقرير اللجنة الملكية لتطوير قطاع العدالة الذي صدر عام 2017، وأصبح مرجعية لبناء الخطط الاستراتيجية لقطاع العدالة، والعدالة الجزائية، ومصدر تخطيط الجهات والمؤسسات الشريكة في تطوير القطاع.


وأشار الى أن أهم هذه التطورات كان إجراء تعديلات على بعض التشريعات، وتبني السياسات الحديثة في العدالة الجزائية والنهج الاصلاحي في العقوبات مثل بدائل الاصلاح المجتمعي والعقوبات غير السالبة للحرية وحماية الأطفال بإقرار قانون حماية الطفل، والتشريعات التي تحمي الأسرة، وغيرها من الإصلاحات المهمة التي كان لها أثر إيجابي على مجمل إجراءات العدالة والتقاضي.


وأكد أنّ أكثر ما يميز هذه المرحلة الشراكة المؤسسية بين الجهات المختلفة التي ساهمت في توحيد الجهود في مجال البرامج المرتبطة ببناء القدرة المؤسسية ورفع كفاءة العاملين، وتعزيز الخبرات للعاملين في قطاع العدالة، فضلا عن إثراء السياسات التشريعية الوطنية الأردنية بكل ما هو جديد وفعال.


يشار هنا الى أنّ معظم نفقات وزارة العدل - بحسب موازنة 2023 - تتركز في النفقات الجارية، إذ رصدت الموازنة لها 57.2 مليون دينار، و12.2 مليون نفاقات رأسمالية.


وتتوزع النفقات الجارية على تعويضات العاملين والرواتب والأجور والعلاوات والمكافآت، والتي تستهلك الحصة الأكبر من النفقات، وهي بحجم 38.5 مليون دينار، و7.4 مليون دينار لبند استخدام السلع والخدمات، و6.2 مليون دينار لبند إعانات المؤسسات العامة غير المالية، وهناك 370 ألفا تحت بند نفقات أخرى.


أمّا النفقات الرأسمالية، فخصص منها لبند "أشغال وإنشاءات" 8.3 مليون دينار، كما خصص 2.4 مليون لـ"صيانة واصلاح المباني والمرافق، ونفقات إدامة وتشغيل"، و1.3 مليون لشراء آلات ومعدات وأجهزة، و140 ألفا لـ"تجهيز وتأثيث".


وذهب أقل رصد في بند النفقات الرأسمالية إلى "الدراسات والأبحاث والاستشارات" وخصص له 10 آلاف دينار فقط.
وفي موازنة 2023 تشير الوزارة الى أنّ "برنامج الإدارة والخدمات المساندة" ساهم العام الماضي 2022 بتدريب حوالي 3323 موظفا من موظفي الوزارة من أصل 3500 كانوا مستهدفين، ومول 146 دورة تدريبية من أصل 220 مستهدفة، كما قامت الوزارة تحت هذا البرنامج بتقديم استشارات قانونية للمؤسسات والدوائر الحكومية، حيث قدمت 460 استشارة، فيما كانت تستهدف 1050 استشارة للعام 2022.


وفي الوقت الذي كانت فيه موازنة 2022 خصصت 55.3 مليون دينار للخدمات الإدارية المساندة،، رصدت موازنة العام الحالي 58 مليونا لها، منها 6.1 مليون لصندوق التكافل الاجتماعي للقضاة وموظفي الوزارة، و937 ألفا لرفع كفاءة وتطوير الخدمات المساندة للجهاز القضائي، و75 ألفا لتطوير البرامج الإلكترونية.


وفي برنامج "تطوير البنية التحتية الانشائية والتكنولوجية" أو "تحسين بيئة العدل والتحديث المستمر" سابقا، أشارت الموازنة الى أنّه في العام الماضي 2022 كان هناك 11 مبنى للقصور العدلية، وتمّت أرشفة 199 مليون ورقة الكترونيا في المحاكم، ووصل عدد الخدمات الإلكترونية المؤتمتة 50 خدمة، فيما بلغ عدد المحاكم المرتبطة تقنيا مع أصحاب المصالح (الجهات الشريكة) 17 محكمة.


وبلغ عدد جلسات المحاكم عن بعد 50787 جلسة، فيما كان المستهدف 32920 جلسة، ووصل عدد القاعات المختصة بالمحاكمات عن بعد 69 قاعة.


أما البرنامج الثالث الذي ينفذ من خلال الوزارة، فهو تطوير التشريعات والوصول الى العدالة "أو برنامج "العدالة الجزائية وتطوير التشريعات" سابقاً، والذي ساعد في إنجاز 169 عقوبة بديلة العام الماضي، فيما كان المخطط أن ينفذ 256 عقوبة.


وأشارت الموازنة الى أن عدد المحاكم الموائمة للأشخاص ذوي الإعاقة بلغ 15 محكمة، فيما كان المخطط أن تصل الى 22، وأشارت الى أنه تم تطوير 7 تشريعات وعمل 4 حملات توعوية داخلية وخارجية، وكانت نسبة الزيادة في عدد الأشخاص المؤهلين المستفيدين من دعم خدمات المساعدة القانونية 15 %.


وكانت الموازنة حددت عدّة أولويات للقطاع، من بينها "تطوير البنية التحتية الانشائية، والبنية التحتية التكنولوجية لمؤسسات قطاع العدل والمحاكم"، والتي يندرج تحتها إنشاء مباني محاكم حديثة وكافية تفي بالاحتياجات المطلوبة لقطاع العدل، وغرف متخصصة حديثة ومجهزة لإدارة الدعوى، والطفل، والعنف الاسري والمساعدة القانونية والقضايا الاقتصادية.


كما يندمج تحتها توفير أجهزة حاسوب وشاشات وطابعات وماسحات ضوئية حديثة وذات كفاءة عالية، وتقديم خدمات قضائية وعدلية مؤتمتة يستطيع المستفيدون الوصول اليها وتلبية احتياجاتهم المطلوبة، وتوفير محاكم حديثة مرتبطة الكترونيا مع أصحاب المصالح لتسهيل العمل وزيادة كفاءة وفاعلية تدفق البيانات والمعلومات بين الجهات المختلفة.


ويضاف الى الأولويات "تطوير الأجهزة القضائية والعدلية ومواردها البشرية"، والتي تترتب عليها زيادة كفاءة وفاعلية ومهارات موظفي الوزارة والمحاكم ذوي الكفاءة والفاعلية في تنفيذ الأنشطة والمهام المطلوبة منهم، وإيجاد صفوف قيادية ذات كفاءة وقدرات في قيادة المؤسسات على المستويين الثاني والثالث، وتوفير خدمات بجودة عالية.

 

اقرأ المزيد :

السِّياسة الجنائية.. حماية 5 آلاف محكوم من السَّجن في الأردن