أكراد سورية يريدون إلغاء عروبتها؟!

رغم إيماني الشديد بأن "العروبة هي الحل"، إلا أني لم أشعر بشوفينية عرقية تجاه الأعراق الأخرى التي تعيش معنا في عالمنا العربي، وكنت وما أزال أؤمن بأن وطننا العربي قادر على استيعاب مختلف القوميات والأعراق والطوائف، من أكراد وأمازيغ وتركمان وشركس وشيشان، وغيرهم.اضافة اعلان
لكن بعض العرقيات غير العربية التي تعيش معنا في وطن واحد والمفروض أن يجمعنا معها مصير مشترك وواحد، لا تريد أن تقاسمنا همومنا، بل تسعى لاستغلال أي فرصة ضعف وهوان في بعض أقطارنا العربية لكي تحاول أن تزيد من الانقسام والفرقة فيها. وأقصد هنا بالذات تصرفات بعض الأكراد –معظم  رموزهم وقياداتهم السياسية– الذين منذ عشرات السنين يحاولون البحث عن وطن لهم على حساب العرب، ولا يهمهم للوصول إلى هذا الهدف التعامل والتعاون مع أعداء العرب، منذ أيام الزعيم الكردي الراحل الملا مصطفى البرزاني الذي تعاون أحيانا مع شاه إيران وأحيانا كثيرة مع العدو الإسرائيلي، ليتسبب بالكثير من الحروب في شمال العراق منذ أيام أول رئيس للجمهورية في العراق عبدالكريم قاسم، وانتهاء بأيام الرئيس صدام حسين، بحجة البحث عن حكم ذاتي للأكراد.
وبسبب المؤامرة الأميركية على العراق، والتي انتهت باحتلاله العام 2003، استطاع الأكراد -وكمكافأة عن دورهم في إنجاح الاحتلال- أن يقتطعوا شمال العراق وينشئوا لهم كيانا أقاموا عليه دولة "ضمن الدولة"؛ فلهم علمهم ونشيدهم الوطني ومؤسساتهم الحزبية و"الدستورية". وفي هذا الكيان يسرح ويمرح الإسرائيليون، فيقيمون شبكات التجسس والتنصت على إيران وشمال سورية، ويتغلغلون اقتصاديا في العراق عبر الكيان الكردي الذي يرأسه الملا مسعود البرزاني.
والآن جاء دور أكراد سورية الذين يريدون استغلال سوء الأوضاع السياسية هناك لتحقيق مكاسب قومية وصلت بها "الوقاحة" حد انسحابهم من مؤتمر اسطنبول للمعارضة السورية يوم السبت الماضي لأن البيان السياسي المقترح على المؤتمر حول المستقبل السياسي لسورية أصر على المسمى الطبيعي للبلد "الجمهورية العربية السورية". وقال أحد ممثليهم في هذا الاجتماع: "إن مسمى الجمهورية العربية السورية يفقد أكراد سورية هويتهم القومية"!!
نحن نفهم أن يبحث الأكراد عن هوية ثقافية قومية داخل أي دولة عربية، ولكن ضمن إطار الهوية السياسية العربية لهذه الدولة. وهناك العديد من الأقليات الكردية التي انصهرت في المجتمعات العربية سياسيا واجتماعيا وحتى ثقافيا، وأصبحت جزءا من النسيج الوطني في الدول التي تعيش فيها، وحصلت على أدوار مهمة في مجتمعاتنا العربية، كما نرى في الأردن ولبنان.
وإذا كان أكراد سورية يبحثون عن هوية قومية سياسية داخل سورية، فإن هذا مقدمة للمطالبة بعد ذلك بمنطقة حكم ذاتي يستكملون فيها كيانهم الذي أقاموه في شمال العراق. والأدهى في المسألة أنهم يريدون إلغاء عروبة سورية، كما تبين في مؤتمر اسطنبول للمعارضة السورية.
ولا أستبعد أن بعض القيادات الكردية السورية تتعاون وتتعامل مع العدو الإسرائيلي -كما تعامل من قبل قادة أكراد العراق- من أجل تقسيم سورية. وانتهازية هؤلاء الأكراد السياسية تجعلهم يدفعون ببعضهم للتعامل مع النظام في دمشق ومحاولة الحصول على مكتسبات قومية لهم، حصلوا على بعضها، على أساس أنه ليس لهم علاقة بالمعارضة في الداخل والخارج. كما تجعلهم يتعاملون مع المعارضة السورية في الخارج، على أساس أنهم فصيل أساسي من فصائل المعارضة في الداخل.
ومهما فعل بعض قادة أكراد سورية، فنحن على يقين أنهم وغيرهم لن يستطيعوا إلغاء عروبة سورية، وأنه مهما تآمرت معهم قوى الخارج، فإن سورية ستبقى الجمهورية العربية السورية، مهما تغيرت بها الأحوال وعصفت بها الأنواء السياسية. وستبقى دمشق هي عاصمة العروبة، عروبتنا التي ننتمي إليها قوميا وحضاريا مهما اختلفت أنظمتنا وتعددت دولنا في وطننا العربي الكبير.
وعلى ذكر مؤتمر المعارضة السورية الذي انعقد في اسطنبول، أعتقد أن العديد من ممثليها، وجلهم ممن يعيشون في الخارج، متفائلون جدا إلى درجة العمى السياسي حين يتوهمون أن النظام السوري سيسقط خلال شهرين كما صرح أحدهم. وأعتقد أن مشكلة الشعب السوري حاليا ليس بأجهزة نظامه الأمني التي تواصل قمعها، بل أيضا في تلك المعارضة في الخارج التي تدعي أنها تمثل السوريين المحتجين في الداخل!