إلغاء الدعم: اقترب دور الكهرباء

بات في حكم المؤكد أن تمضي الحكومة في زيادة أسعار الكهرباء، التزاماً منها ببرنامج التصحيح الاقتصادي والمالي، لأجل الحصول على الدفعة التالية من قرض صندوق النقد الدولي لتواجه بها جزءاً من عجز الموازنة. فقد أصبح ذلك خيارها الوحيد بعد أن قارفت خطيئة مواصلة الدعم لنحو أربعة عقود بآلية مختلة، أنفقت من خلالها أموالاً طائلة على غير المستحقين، وفاقمت عجز الموازنة. والخشية هو أن تطال الزيادة على الأسعار شرائح الاستهلاك الصغيرة والمتوسطة، في الوقت الذي ينبغي تحميل الزيادة للشرائح الأكثر استهدافاً.اضافة اعلان
دعم الكهرباء يمثل الجزء الأكبر من إجمالي الدعم؛ إذ أوصلته أزمة الغاز المصري إلى ذروته، محملاً الخزينة العام 2012 مبلغ 1.1 مليار دينار يمثل عجز شركة الكهرباء الوطنية. وسوف تبدأ الحكومة زيادة أسعار الكهرباء بعد انتخاب مجلس النواب مباشرة. ويهمنا هنا ما سوف تفعله بشأن أسعار الكهرباء للمنازل، وبالتحديد ما سوف يؤول إليه تسعير الكهرباء للمستهلكين من الفقراء ومحدودي الدخل والطبقة الوسطى، لأنه من الضروري أن يتم التسعير بآلية ذات أهداف اجتماعية لصالح تلك الفئات، وأهداف مالية واقتصادية لصالح خزينة الدولة.
لا بد إذن أن تنطوي السياسة الجديدة لمعالجة اختلالات دعم الكهرباء المنزلية التي تعتزم الحكومة مقاربتها، على هدف اجتماعي وآخر اقتصادي تنموي. وفي الجانب الاجتماعي، لا بد من مراعاة مصالح الأقل دخلاً من الفقراء ومحدودي الدخل والطبقة الوسطى. أما في الجانب الاقتصادي والتنموي، يقتضي الأمر مراعاة إعادة توزيع الثروة. وهو ما يحتاج إلى آلية عادلة للتسعير تزاوج بين الهدفين معاً؛ الاجتماعي والاقتصادي، بحيث تبقي على الأسعار كما هي للفئات الاجتماعية الأقل دخلاً، وترفعها على الفئات الأعلى دخلاً.
يعني ذلك في التطبيق العملي، أن تتجرأ الحكومة على المساس بمكاسب الطبقة فوق الوسطى، للمحافظة على دعم الطبقتين الوسطى والفقيرة، بإبقاء السعر حتى شريحة الاستهلاك الخامسة (1000 كيلوواط ساعة/ شهر) كما هو بدون زيادة، وتطبيق الزيادة على أسعار الشرائح الأعلى ابتداء من الشريحة السادسة. إلى جانب ذلك، وعلى نفس القدر من الأهمية، زيادة عدد الشرائح إلى ست عشرة شريحة، بفارق 200 كيلو واط ساعة/ شهر بين الشريحة والتي تليها، ابتداءً من الشريحة السادسة، ولتصبح هذه الشريحة 1001-1300 كيلو واط ساعة/ شهر، وحتى الشريحة السادسة عشرة التي تصبح 3001 كيلو واط ساعة/ شهر وأكثر. ويبقى أن نناشد المعارضة بأن لا تقع في الخطأ الذي وقعت فيه في المرة الأولى عندما طالبت بعدم إلغاء الدعم عن المحروقات بدلاً من المطالبة باستبدال آليته بأخرى جديدة تبقي عليه للمستحقين وتلغيه عن غير المستحقين؛ إذ بدت تلك المعارضة يومها كما لو أنها تريد إبقاء دعم المحروقات بالآلية السابقة التي كانت تهدر أموال الخزينة على دعم الأغنياء. هذه المرة يؤمل أن لا ترفع المعارضة شعار عدم إلغاء الدعم، وترفع بدلاً منه: نعم لإلغاء الدعم على النحو القائم واستبداله بدعم وفق آلية لا تزيد أسعار الكهرباء على شرائح الاستهلاك الصغيرة والمتوسطة، وتزيدها على أسعار الشرائح الكبيرة إلى مستوى يكفل استعادة قيمة الدعم المقدم للطبقتين الوسطى والفقيرة.
لسنا ممن يعولون بكثير ولا حتى بقليل على مجلس النواب المقبل، لأن عنوان المكتوب يكشف عما فيه. إلا أننا لا نملك إلا أن نشير إلى دور أساسي لأي مجلس نواب في تصحيح معادلات الدعم وآلياته. وسيكون محبطاً أن يتخلى المجلس عن دوره الدستوري والقانوني والوطني في مجال مراقبة مالية الحكومة التي تغذيها جيوب المواطنين، فيكون فعل فعلة المجلس السابق الذي ترك قانون الضمان الاجتماعي وقانون المالكين والمستأجرين، واهتم بتقاعد أعضائه وبحرصهم على الحصول على جوازات سفر دبلوماسية.

[email protected]