الأردن الغني الذي يشكو القلة

أكثر ما يثير الاستغراب في حياتنا الاقتصادية، تلك المقولة البائسة المتداعية التي لا يمل البعض من ترديدها، بأن الأردن بلد فقير الموارد. وصارت ترددها من خلف هذا البعض نخب سياسية واقتصادية وإعلامية غير قليلة. وهي اليوم شماعة جاهزة ليعلق عليها من يشاء كل أسباب الضعف والتخلف التي تعتري مسيرة البلاد الاقتصادية، وإبعاد الأنظار عن الأسباب الحقيقية لتردي إدارة الاقتصاد، والاختلالات المترتبة عليها من فقر وبطالة، وترهل في الخدمات التعليمية والصحية والرعاية الاجتماعية.اضافة اعلان
تجنٍّ سافر على الحقيقة القول بفقر الأردن بالموارد، بينما مورده البشري من المغتربين من أبنائه الذين يحولون له سنوياً 3 مليارات دولار، وسياحته تُدخل عليه 3 مليارات أخرى، وموارده الطبيعية التي بيعت، من فوسفات وبوتاس وإسمنت، تدر دخلاً صافياً للشركات التي اشترتها بما لا يقل عن مليار دولار أيضاً. ومن يسأل الخبراء الأردنيين الذين عملوا في سلطة المصادر الطبيعية خلال الأربعين سنة الماضية، يعجب لمعلوماتهم عن حجم الثروات الطبيعية الأردنية، من الصخر الزيتي والنحاس والمنغنيز واليورانيوم والذهب.
عجز الإرادة وضعف الإدارة هما من اخترعا مقولة فقر الأردن بالموارد. والعجز والضعف هما من روجا لهذه المقولة المهترئة، وما يزالان يسوقانها في الأوساط الرسمية والأهلية. وقد نجحا في بيعها لغالبية النخب السياسية والاقتصادية والإعلامية، حتى صار أكثر نشطاء العمل العام يساهمون في نشر إشاعة فقر الموارد هذه، دونما تفكير أو تمحيص.
حتى فقر الأردن المائي جرى تضخيمه وتكديسه من قبل نفس النهج الذي يعتاش على إشاعة فقر الأردن في كل شيء. فما كان لنا أن نكون فقراء في المياه إلى هذا الحد لو لم نترك مياه أوديتنا في البادية بدون حصاد لتذهب سدى أو لدول الجوار، ولو لم نحجر على استخراج مياه أحواضنا المائية لثلاثين عاماً بينما دول الجوار تضخ منها مئات الملايين من الأمتار المكعبة. تبع ذلك تنازلنا العام 1986 عن جزء من حقوقنا في اليرموك لسورية، والتي عادت فأكلت كامل حصتنا. ثم وثقنا بوعود إسرائيل بتزويدنا بمياه من مصادر غير تقليدية، وعندما بحثنا عن تخزين للمياه الموعودة، كان خيارنا سد الكرامة القائم فوق ملاحات تمنع الاستفادة من مياهه.
لقد دفع الأردن كثيراً من الخسائر الاقتصادية جراء الاستسلام لمقولة فقره في الموارد. ودفع كذلك ثمناً غالياً من رصيده السياسي بسببها. فلم يستثمر بسببها ثروات طبيعية كان يمكن توظيفها في خدمة التنمية والاقتصاد، وظلت يده ممدودة للمساعدات والمعونات حتى أصبح الاعتماد عليها جزءاً من ثقافة تقوم على التنكر للموارد البشرية والثروات الطبيعية، وعلى شكوى القلة التي لا وجود لها إلا في الإرادة والإدارة. وبقاء الأمر على حاله يعني أن يبقى الأردن يستجدي المعونات والمساعدات، وهو ما لا يليق بكرامة شعبه وعزيمة أبنائه وموفور ثرواته.
إذا لم يكن من طريق لاستثمار ناجح للموارد، فليس أقل من المحافظة على مواردنا المالية الذاتية القائمة، وحسن الائتمان عليها، والابتعاد عن السياسات المالية المكرسة لخدمة فئة قليلة لا تصل إلى 5 % من المواطنين. فرغم السياسات التنموية والاستثمارية العاجزة للموارد، وفي مقدمتها الموارد الطبيعية، يمكن للأردن، بسياسات اقتصادية ومالية حصيفة، تفادي الحاجة إلى مد اليد طلباً للمساعدة، بكل ما فيها من إحراج للكرامة الوطنية. وكل ما نحتاجه لتحقيق ذلك هو إعادة النظر في نظام الضرائب المصحوب بلجم التهرب الضريبي، وإعادة ولو 30 % من اقتصاد الظل إلى حظيرة الاقتصاد الوطني، ووضع آلية للدعم تتكفل بتوصيل الدعم لمحتاجيه دون غيرهم من الضيوف والعمالة الوافدة والسياح. هذه الخطوات وحدها سوف ترفد خزينة الدولة بما لا يقل عن ملياري دينار سنوياً.

[email protected]