التحرك المصري في الإقليم

من الصعب القول إنّ تحركاً مصرياً جوهرياً، لم يكتمل بعدُ، باتجاهِ إنجاز المصالحة الفلسطينية، سيعيدُ لمصر دورَ الزعامة الإقليمية. يصحُّ هذا الاستنتاج في التعليق على دور الوساطة الذي لعبته مصر في سورية في الشهور الأخيرة على ثلاث جبهات: في الغوطة الشرقية وفي ريف حمص الشمالي وأخيراً في محيط العاصمة دمشق، وتمخض عنها خفض تصعيد وتهدئة بين النظام السوري وفصائل عسكرية معارضة، وذلك بضمانةٍ روسية ومباركةٍ سعودية. ولا شك في أن الانخراط الأكثر تعقيداً لمصر على الساحة الإقليمية، وفي جوارها بالتحديد، هو الساحة الليبية، التي يبدو فيها الصراع -بعد رغبةٍ مصرية بالاتجاه نحو صيغة يتغلب فيها المشير خليفة حفتر- يتجه وفق مشاورات تونس نحو صيغةٍ من المحاصصة، إنْ كُتِب لجهود المبعوث الأممي غسان سلامة، أن تُحقِق اختراقاً في الملفات المعقدة المتعلقة بالجيش والمجلس الرئاسي والدستور والانتخابات والفترة الانتقالية وغيرها.اضافة اعلان
بات معلوماً أن الغزو الأميركي للعراق في العام 2003 وأحداث الربيع العربي منذ العام 2011 والاتفاق النووي الإيراني والتدخل الروسي في سورية في العام 2015 هي أحداث غيّرت وجه الشرق الأوسط. والحقيقة أن التفكير السياسي الذي لا يلحظ التغيرات الدراماتيكية والصدمات الاستراتيجية التي أصابت بنية النظام العربي والإقليمي، منذ سنين، ما يزال ينتظر أنْ تستعيد مصر زعامتها الإقليمية لتخليص العرب من ورطاتهم وضعفهم، لكنّ تعديل موازين القوى وتصدّر أدوار القيادة والتصدي للمنافسين الإقليميين لا تتحقق بالرغبات، وثمة شروط لمّا تتحقق، بل لعلّ التجارب العربية في العقود الماضية أثبتت أنّ صيغاً مثل "مصر أولاً" و"العراق أولاً" ونحوها، بمضامينها العفيّة غير الشوفينية هي أفضل من التفكير في أدوار الزعامة، التي لن تدوم في ظل عدم تعافي الداخل على مستوى توسيع المشاركة السياسية والتنمية الشاملة العادلة ودعم الحريات وترسيخ الحوكمة وبناء المؤسسات. ومثال إيران، يؤكد افتقار منطقتنا لنماذج يكون فيها الدور الإقليمي انعكاساً لقوة الداخل: صحةً وتعليماً وإبداعاً ورفاهيةً... مصدرها صون حرية الإنسان وحفظ حقوقه وكرامته.
بلا شكّ ثمة قوة رمزية مؤثّرة لمصر، ربع العالم العربي، وهي تملك اليوم خيوطاً في ليبيا والعراق وسورية وفلسطين، وهي مقبولة من أطراف النزاع، وتحظى بشراكة استراتيجية مع أميركا وروسيا، وعلاقتها مع أهم قوتين في "مجلس التعاون"، أي السعودية والإمارات، ممتازة، ودورها أساسي في جهود مكافحة التطرف والإرهاب وتعزيز الاعتدال السني، وثمة توافق بين المحللين على أن الهجمات الإرهابية الأخيرة التي نفذتها عناصر محسوبة على "داعش" في شمال سيناء هي تأكيد لنجاحٍ مصري في ملف المصالحة الفلسطينية، وتقدّمٍ في تأمين الحدود مع غزة. لكن، في المقابل، ما تزال تحديات مصر الداخلية قوية، والتصدي للإرهاب واحد منها وليس كل شيء، ولذلك ستبقى المقولات الكلاسيكية عن أن السياسة الخارجية انعكاس للسياسات الداخلية صالحة في التدليل والنقاش حول مقاربة الأدوار الإقليمية للدول وتقييم فاعليتها في محيطها القريب والبعيد.